إغلاق USAID: ترامب يحارب الدولة العميقة
أولويات ترامب هي التخلص من أدوات "الدولة العميقة"، التي عطّلت قدرته على الحكم في ولايته الأولى، ومحاربة أجنحة "الدولة العميقة" التي تعمل ضده، وأهمها الأجهزة الفيدرالية، ومنها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
في الثاني من شباط/ فبراير، كتب إيلون ماسك، في منصة "أكس"، تغريدة مثيرة شاهدها عشرات الملايين، يقول فيها إن "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، USAID، منظمة إجرامية"، الأمر الذي أثار كثيراً من التعليقات، المؤيدة أو المعترضة.
وفي تغريدات أخرى، اتهم ماسك الوكالة بأنها "عش أفعى للماركسيين اليساريين المتطرفين، والذين يكرهون أميركا"، وأنها تقوم بـ"أعمال مخادعة لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية"، واتهمها بـ"تمويل أبحاث الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك كوفيد-19، التي قتلت الملايين من الناس".
يتم تسليط الضوء حالياً على تلك الوكالة، بعد أن أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراراً بإغلاقها كوكالة مستقلة، ووصفها بأنها منظمة "تديرها مجموعة من المجانين المتطرفين"، وأعلن عدد من المسؤولين في الإدارة أنه سيتم نقلها إلى إشراف وزارة الخارجية الأميركية، بهدف "القضاء على البيروقراطية الفيدرالية، وتخفيف الأعباء".
لكن ماسك أعلن لاحقاً أن الإدارة تعمل على إغلاق الوكالة نهائياً، وتسريح كل من يعملون فيها، سواء كانوا موظفين أو متعاقدين.
ما مهمة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
أنشأ الرئيس جون كينيدي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في عام 1961، كوكالة مستقلة خلال فترة الحرب الباردة، لإدارة برامج المساعدات الدولية للدول النامية، بهدف التغلغل الإيجابي في المجتمعات، كجزء لا يتجزأ من استراتيجية "احتواء الاتحاد السوفياتي".
وبقيت الوكالة الأداة الأساسية لمساعدة المجتمعات، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجية "القوة الذكية"، التي تعتمد على الدفاع والدبلوماسية والتنمية. وحينها، تمت ترقية الوكالة إلى جزء أساسي من تعزيز الأمن القومي الأميركي.
تتّهم الدول النامية، وخصوصاً التي تتلقى مجتمعاتها مساعدات من الوكالة الأميركية، البرامجَ، التي يتم تسويقها على أنها دعم للتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بأنها في الحقيقة برامج ومساعدات تهدف إلى تعزيز الجماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية، وتدريبها من أجل زعزعة الاستقرار، أو إطاحة الأنظمة.
ويقول عدد من الخبراء، ومن مسؤولي تلك الحكومات، إنه، في أفضل الأحوال، ربما يصل 10% من الأموال إلى مشاريع حقيقية تساعد المحتاجين والمجتمعات المهمشة في البلدان المتلقية، لكن الباقي يُستخدم فيما يسمونه "الأعمال القذرة"، التي تقوم بها الولايات المتحدة لزعزعة استقرار الدول الأخرى والتدخل في شؤونها.
هذا فيما خص دول العالم النامية، لكن داخل الولايات المتحدة، وفي إدارة ترامب، قد يكون السبب الحقيقي في إغلاق الوكالة بعيداً جداً عما تمّ إعلانه من جانب المسؤولين في إدارة ترامب، والذين أعادوه إلى الرغبة في التقشف. فموازنة الوكالة، تقدَّر بأربعين مليار دولار، وتشكّل أقل من 1٪ من الميزانية الفيدرالية، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".
واقعياً، تبدو أولويات ترامب هي التخلص من أدوات "الدولة العميقة"، التي واجهته وعطّلت قدرته على الحكم في ولايته الأولى، ومحاربة أجنحة "الدولة العميقة" التي تعمل ضده، وأهمها الأجهزة الفيدرالية، ومنها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
يتّهم إيلون ماسك وعدد من المؤثرين في وسائل التواصل الوكالة بتمويل أبحاث الأسلحة البيولوجية في الصين وأوكرانيا، وفي عدّة أماكن في العالم.
ويرى ترامب، ومعه أغلبية الجمهوريين، أن جائحة "كوفيد 19" كانت مؤامرة ضده من جانب الديمقراطيين، ساهم فيها عدد من الأطراف، ومنهم منظمة الصحة العالمية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وأن الهدف كان تقويض الاقتصاد خلال عام الانتخابات، والسماح للديمقراطيين بتزوير الانتخابات عبر تصويت البريد الإلكتروني، وإعلان فوز جو بايدن.
في كل الاحوال، بغضَ النظر عن الأهداف الحقيقية لإدارة ترامب لإلغاء الوكالة وتسريح العاملين فيها والمتعاقدين معها في كل أنحاء العالم، فإن استراتيجية "أميركا أولاً"، التي ينطلق منها ترامب، سوف تُعيد تشكيل نظرة العالم إلى الهيمنة الأميركية، عبر القوة الناعمة، التي كانت الوكالة إحدى أدواتها.
وفي هذا الإطار، وانطلاقاً من يقين الدول الغربية أن المواجهة العالمية القادمة تتجلى في التنافس على التنمية، كان الهدف الأول للدول الصناعية في اجتماعها الأول، بعد وصول جو بايدن إلى الحكم، هو تكريس مئات المليارات من الدولارات لمشاريع التنمية، من أجل منافسة طريق الحرير الصيني، الذي بات يتوسع إلى كل أنحاء العالم.
إن حلّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يهدّد بتنازل أميركي عن القوة الناعمة لمصلحة الصين، التي تعتمد التنمية أساساً لتوسعها العالمي وتكريس نفوذها في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا، وهو ما حذّر منه أعضاء في الكونغرس، ومنهم السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الذي حذّر من أن التخلي عن القوة الناعمة "خطأ" في مواجهة صعود الصين.