من المحيط إلى الخليج. التآمر بلا حدود
لماذا دُعي رئيس الكيان الإرهابي إسحاق هرتسوغ إلى قمّة المناخ في دبي، في الوقت الذي يتظاهر فيه الملايين حتى في الدول الإمبريالية والاستعمارية ضد إجرام الكيان الصهيوني؟
بعد أيام من قمّة المناخ التي أراد من خلالها أن يثبت وجوده إقليمياً ودولياً كمنافس تقليدي لمحمد بن سلمان وعدوه التقليدي الآخر تميم آل ثاني، الذي حقّق ما يكفيه من الدعاية بدخوله على خط الوساطة بين حماس والكيان الصهيوني بالتنسيق مع الرئيس السيسي ودعم من واشنطن وحليفاتها في الغرب، استضاف محمد بن زايد الملك المغربي محمد السادس في أبو ظبي يوم الاثنين، وبحث معه المزيد من العمل المشترك خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة وتحت عنوان "شراكة مبتكرة وراسخة"، وربما بتوصية مستشاره الأكبر طوني بلير.
ومن دون الرجوع إلى تاريخ العائلة الحاكمة في المغرب، وكانت دائماً في خدمة المشاريع والمخططات الاستعمارية ومن بعدها الصهيونية بعد قيام "الدولة" العبرية عام 1948، فالجميع يعرف أن يهود المغرب هم أكبر جالية يهودية في "إسرائيل" بعد الجالية اليهودية الروسية.
ويعرف الجميع أيضاً أنّ يهود المغرب قد جاءوا إليها من إسبانيا بعد سقوط دولة الأندلس العربية عام 1492، حيث قامت سفن الدولة العثمانية بنقلهم من هناك، كما نقلت الآخرين منهم إلى إسطنبول وباقي مدن الدولة العثمانية، ومنها إزمير وإسكندرونة وحلب وسالونيكي (في اليونان) التي تحوّلت لاحقاً إلى بؤرة يهودية للتآمر من أجل إسقاط الدولة العثمانية عبر حزب الاتحاد والترقي حيث إنّ العديد من قياداته كانوا من اليهود والماسونيين.
وبالعودة إلى المغرب حيث كان معظم مستشاري الملك الحسن الثاني من اليهود الصهاينة، فقد أثبت نجله الملك الحالي محمد السادس أنه سائر على طريق والده، فاستعجل في التوقيع على الاتفاقية الإبراهيمية التي كانت قاسمه المشترك مع محمد بن زايد. واستنفر بدوره كلّ إمكانياته وعلاقاته لتحقيق المزيد من المصالحة بين الكيان الصهيوني ودول المنطقة، ووفقاً للمعايير والمقاييس الإسرائيلية التي استسلم لها حكّام الإمارات والبحرين والمغرب والسودان بعد مصر والأردن، على أن تكون السعودية المحطّة ما قبل الأخيرة في الجغرافيا العربية وبعدها الإسلامية.
كذلك استقبل الرئيس إردوغان إسحاق هرتسوغ في أنقرة في 9 آذار/مارس العام الماضي، والتقى بعد ذلك في أيلول/سبتمبر من العام نفسه أيضاً رئيس وزرائه لابيد في نيويورك، وهو ما كرّره مع نتنياهو في الـ 20 من أيلول/سبتمبر الماضي. ويعرف الجميع أن لمحمد بن زايد الدور الريادي في تحقيق كلّ هذه المصالحات على حساب القضايا العربية المصيرية، وفي مقدّمتها فلسطين وبعدها تدمير سوريا ولبنان.
ويعتقد ابن زايد أنه من خلال تحقيق هذه الأهداف سيضمن دعم منظمات اللوبي اليهودي الأميركي والأوروبي له ولحساباته القبلية، التي بتحقيقها سوف تكون له اليد الطولى في المنطقة التي يتنافس على زعامتها مع آل ثاني وآل سعود، اللذين كادا يتقاتلان في حزيران/يونيو 2017، مع التذكير أنهم جميعاً كانوا في خندق واحد في اليمن بعد أن أعلنوا الحرب عليها في آذار/مارس 2015 عندما كانوا معاً في جبهة واحدة ضد سوريا وحلفائها. وكان كلّ ذلك خدمة للمشروع الصهيو/أميركي الذي بدأ مع ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، وهدفه تدمير كلّ الدول والقوى المعادية للمشروع المذكور.
ويفسّر ذلك أيضاً تدمير سوريا والعراق وليبيا من قبل دول التطبيع ومن معها إقليمياً ودولياً، وفق اعترافات حمد بن جاسم في تشرين الأول/أكتوبر2017.
ومن دون أن يمنع ذلك محمد بن زايد من مساعيه لإبعاد دمشق عن طهران وحزب الله، وذلك من خلال دعوة الرئيس الأسد إلى أبو ظبي في 19 آذار/مارس الماضي على ألّا يفكّر بالردّ على هذه الزيارة التي لم تحقّق لسوريا أيّ مكاسب سوى عودتها إلى الجامعة العربية.
ويعرف الجميع أنّ هذه العودة لم تحقّق لسوريا أي مكاسب تكتيكية أو استراتيجية باستثناء دعوة الرئيس الأسد إلى قمّة الرياض الأخيرة، ولم يفكّر أحد من الزعماء العرب بزيارة دمشق بعد هذه القمة التي أراد محمد بن زايد أن تساعده لفتح قنوات الحوار، ولاحقاً التطبيع بين الرياض والكيان الصهيوني.
وربما لهذا السبب تمادى الكيان الصهيوني في عدوانه الإرهابي الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وتجاهل محمد بن زايد من حيث هو في الخليج وحليفه المغربي محمد السادس من حيث هو في المحيط كلّ ما يجري فيها.
وإلا لماذا دُعي رئيس الكيان الإرهابي إسحاق هرتسوغ إلى قمّة المناخ في دبي، في الوقت الذي يتظاهر فيه الملايين حتى في الدول الإمبريالية والاستعمارية ضد إجرام الكيان الصهيوني. في الوقت الذي لا يسمح فيه للشعبين الإماراتي والمغربي بالتعبير عن رفضهما الأصيل لأيّ تطبيع مع الكيان الإرهابي، وقد أضاءت له العديد من الأنظمة العربية والإسلامية المتآمرة من المحيط إلى الخليج ضوءها الأخضر كي يحرق الأخضر واليابس من دون أيّ رادع.
وشاءت الصدف! أن يحلّ الرئيس إردوغان الذي شارك في قمة المناخ في دبي جنباً إلى جنب مع إسحاق هرتسوغ ضيفاً على صديقه وحليفه الاستراتيجي تميم آل ثاني (كان قد صافح هرتسوغ في دبي) في اليوم نفسه الذي كان محمد بن زايد يبحث فيه مع الملك محمد السادس في أبو ظبي سبل وإمكانيات مساعدة الكيان الصهيوني لكسر الحصار المفروض عليه، على الأقلّ نفسياً ومعنوياً ليس فقط في المنطقة العربية والإسلامية بل في العالم برمّته. وبعد أن اقتنع الكثيرون في العالم أنّ هذا الكيان إرهابي مجرم وقاتل، وتجب ملاحقته ومحاسبته ومعاقبته في محكمة الجنايات الدولية وفي ضمير ووجدان الإنسانية.
ويبدو أنّ محمد بن زايد وأمثاله في المنطقة وخارجها قد تجاهلوها طالما لكلّ منهم زمانه ومكانه في المسرحية الدموية. وتمّ الإعداد لها في واشنطن و"تل أبيب" ولندن، وأخرجها حكّام المنطقة على حساب شعوبهم المقهورة التي يراد لها ألّا ترى جرائم الكيان الصهيوني، وألّا تفعل أيّ شيء لدعم الشعب الفلسطيني، وأن تكتفي بالدعاء له وربما أسوة بالحديث الشريف: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وهذا ما توصي به أنظمة التواطؤ والتآمر شعوبها من المحيط إلى الخليج، لتضمن لقمة عيشها الملطّخة بدماء أطفال غزة ثم تغفو في سبات عميق كأصحاب الكهف، حالهم كحال حكّام الخليج الذين سيلتقون الثلاثاء في الدوحة، ولكلّ منهم دوره في مسرحية الشعارات الطنّانة، ومنها "شلّة عربية متواطئة من الخليج إلى المحيط"!
وربما لهذا السبب يلتقي الرئيس بوتين غداً في الرياض و أبو ظبي كلاً من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وذلك قبل لقائه في موسكو الرئيس الإيراني رئيسي يوم الخميس.