إردوغان والسيسي.. نلتقي في "يوم العشاق"

الغرام بين إردوغان وكل من محمد بن زايد والرئيس السيسي، ذكّرنا بغرام مماثل بين واشنطن والرياض بعد اللقاء الأول الذي جمع الرئيس الأميركي روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود على متن المدمرة الأميركية "كوينسي" التي كانت راسية في البحر الأحمر.

  • العلاقات التركية المصرية.
    العلاقات التركية المصرية.

بعد أربع سنوات تقريباً من التدخل العسكري التركي في ليبيا؛ دعماً لميليشيات حكومة الوفاق برئاسة عبد الحميد السراج (لعب دوره وانتهى) التي كانت تقاتل قوات خليفة حفتر المدعومة من مصر والإمارات والسعودية وهزمها الجيش التركي في طرابلس وجوارها بفضل المسيرات، فوجئ الجميع بالأخبار التي تحدثت عن رغبة القاهرة في شراء المسيرات التركية التي سبق لإثيوبيا، عدو مصر اللدود، أن اشترت منها كما اشتراها المغرب، حليف "تل أبيب" التقليدي وعدو الجزائر اللدود، والتي يسعى إردوغان للتودد اليها هي أيضاً (الرباط) مع المعلومات التي تتوقع للسعودية أن تشتري كذلك 60 من هذه المسيرات المتطورة خلال العامين القادمين.

وخلال الفترة الماضية، كتبت في هذا الموقع أكثر من مقال (إردوغان والسيسي.. صراع الدور والموقع / الطائرات المسيرة التركية.. سلاح إردوغان الأقوى في المنطقة/ تركيا ومصر..ذكريات تاريخية والصراع والزعامة / إردوغان والسيسي..من ينتصر في ليبيا يكسب المنطقة / المثلث المصري- التركي- السوري..هل يزور السيسي أنقرة قبل دمشق؟ ) 

في ما يتعلق بعداء الرئيس إردوغان للسيسي بعد أن أطاح حكومة الإخواني محمد مرسي وأسقط مشروع إردوغان العقائدي التاريخي العثماني، كما تحدثت عن المنافسة التاريخية التقليدية بين القاهرة وأنقرة، ولكل منهما حساباته الخاصة بالمنطقة، وتستعدان الآن لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما المتبادلة مع الزيارة المتوقعة للرئيس إردوغان إلى مصر.

واختار الطرفان يوم 14 شباط أي "عيد العشاق" موعداً لهذه الزيارة، في محاولة منهما وخاصة إردوغان لإثبات "غرامه" لعدوّه اللدود السابق الرئيس السيسي. وهذا ما فعله إردوغان مع عدوه اللدود الآخر محمد بن زايد الذي حل إردوغان ضيفاً عليه في أبو ظبي في 14 شباط / فبراير 2022 بعد أن هدده وتوعده أكثر من مرة، كما فعل ذلك مع السيسي ومحمد بن سلمان ونتنياهو.

وكان متوقعاً لهذا الأخير أن يستضيف إردوغان في "تل أبيب" في شباط /فبراير الجاري لولا أحداث غزة التي لم تؤثر في موقف الرئيس إردوغان تجاه الكيان الصهيوني، على الرغم من خطاباته النارية ضد هذا الكيان الذي يغطي معظم احتياجاته من مختلف المنتجات من تركيا. 

هذا "الغرام" بين إردوغان وكل من محمد بن زايد والرئيس السيسي، ذكّرنا بغرام مماثل بين واشنطن والرياض بعد اللقاء الأول الذي جمع الرئيس الأميركي روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود في 14 شباط/ فبراير 1945على متن المدمرة الأميركية "كوينسي" التي كانت راسية في البحر الأحمر عند مدخل قناة السويس. 

وأثمر هذا "العشق الإلهي" تحالفاً استراتيجياً بين الطرفين بعد أن تبنّت واشنطن حماية آل سعود إلى الأبد في مقابل أن يضع آل سعود كل إمكانياتهم الدينية والطائفية الوهابية ودولارات النفط في خدمة كل المشاريع والمخططات الأميركية الإقليمية منها والدولية، وهم ما زالوا كذلك. وسعى روزفلت، آنذاك، لإقامة "علاقة غرامية" مماثلة مع الملك فاروق، والتقى به بعد يوم من لقائه الملك عبد العزيز بيد أن ثورة تموز/ يوليو 1952 ومواقف الرئيس الراحل عبد الناصر القومية سدّتا الطريق على هذه المشاريع والمخططات التي لعبت أنقرة فيها دوراً مهماً بعد زيارة المدمرة الأميركية "ميسيوري" إلى إسطنبول في 5 نيسان/أبريل 1946 وبعد 14 شهراً من لقاء "غرام" روزفلت مع عبد العزيز والملك فاروق. 

واعترفت تركيا بعد هذه الزيارة بثلاث سنوات بالكيان الصهيوني في نيسان/ أبريل 1949 وانضمت إلى الحلف الأطلسي عام 1952 وساهمت في تشكيل حلف بغداد عام 1955 ثم استقبلت بن غوريون صيف 1958 وزاد عدد القواعد الأميركية والأطلسية على أراضيها على 150 قاعدة أواسط الستينيات من القرن الماضي. 

وعودة إلى "غرام" إردوغان –السيسي، والذي قد يزداد بزيارة الرئيس إردوغان إلى القاهرة (إن لم تؤجل في اللحظة الأخيرة) فلا بد من التذكير بغرام مماثل لإردوغان بالرئيس بوتين الذي سيزور أنقرة قبل يومين من زيارة إردوغان القاهرة التي تبني موسكو لها أربعة مفاعلات نووية كما هي الحال مع تركيا التي سبق لها أن اشترت من روسيا صواريخ أس 400 وهو ما لم تنجح فيه مصر، ربما خوفاً من واشنطن و"تل أبيب". 

ومع أن الرهان ما زال مبكراً حول النتائج المحتملة لزيارة إردوغان الذي قد يزور ليبيا والمغرب وربما السودان أيضاً بعد مصر، فالبعض يتوقع وساطة تركية بين القاهرة وأديس أبابا مع عمل مصري -تركي مشترك لإنهاء الأزمة الليبية والاقتتال في السودان، وأخيراً التنسيق والتعاون في مواجهة الحسابات الإسرائيلية في غزة والقضية الفلسطينية عموماً ليجعل كل ذلك من تركيا عنصراً مهماً في مجمل السيناريوهات الإقليمية. 

فإذا حالف الحظ إردوغان في كسب ودّ الرئيس السيسي وإقناعه بضرورة العمل المشترك "ضد الخطر المشترك"، فإن ذلك سينعكس بشكل أو بآخر على تطورات المنطقة لما للقاهرة وأنقرة من علاقات متشابكة مع الأطراف الإقليمية والدولية، وأهمها الرياض وأبو ظبي والدوحة وطهران و"تل أبيب"، وأخيراً واشنطن وموسكو. وقد يساهم التوافق التركي -المصري بعد إغلاق إردوغان ملف الإخوان والإسلام السياسي نهائياً (في الداخل لن يتخلى عن ذلك) في صياغات جديدة لمجمل القضايا الساخنة، وأهمها القضية الفلسطينية ثم الوضع في اليمن ولبنان وسوريا.

وسيتطلب ذلك صفقة إقليمية جديدة قد تساهم فيها إيران أيضاً، وبضوء أخضر من الرئيس بايدن قبل انتخابات نهاية العام الجاري، وتشجيع من روسيا التي تهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا أيضاً.

وإلا وبفشل الغرام المصري -التركي الجديد بعناصره الثنائية والإقليمية فالحظ لا ولن يحالف دول المنطقة لمعالجة خلافاتها التقليدية المباشرة منها وغير المباشرة، ليكون الكيان الصهيوني هو الرابح الوحيد من هذه الخلافات، كما هي الحال عليه الآن في القضية الفلسطينية. وحالها الموجع ليس سوى نتاج المؤامرة الكبرى المسماة بـ"الربيع العربي"، وأرادت واشنطن من دول المنطقة وشعوبها أن تستفيد من تجربة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي استلم السلطة ديمقراطياً في بلد مسلم ونظامه علماني.

 فاختلط الحابل بالنابل من حكام المنطقة، وعلى حساب شعوب دولها، وفي مقدمتها سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، وبدرجات أقل لبنان وتونس ومصر، والآن فلسطين وبشكل مأساوي وأمام أنظار الجميع من الذين مثلوا في مسرحية الشرق الأوسط الكبير وربيعه الدموي، ويبدو أن فصول مسرحيته لم تنته بعد!