إردوغان ومحمد بن سلمان.. الرياضة خربت كل شيء!

أياً كانت النتائج المحتملة للأزمة الكروية بين الرياض وأنقرة، يبدو واضحاً أن الرأي العام السائد في تركيا هو أن الموقف السعودي يعكس عداء آل سعود وحقدهم على الأتراك وزعيمهم أتاتورك.

  • العلاقات التركية السعودية.
    العلاقات التركية السعودية.

كما كان متوقّعاً، فقد دمّرت الرياضة ما سعى الرئيس إردوغان لإصلاحه في علاقاته الشخصية مع ولي العهد محمد بن سلمان، الذي حمّله إردوغان مسؤولية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018. فعلى الرغم من اعتراض أحزاب وقوى المعارضة وفئات واسعة من الشعب على موقف إردوغان الذي أصدر تعليماته لاتحاد كرة القدم لإجراء مباراة كأس السوبر التركي (الليلة الماضية) بين فريق غالاطا ساراي، بطل الدوري التركي، وفنار بخشة بطل الجمهورية في مدينة الرياض السعودية.

 بدأت الأزمة عندما اعترض اتحاد الكرة السعودي قبل ساعات من المباراة على عزف النشيد الوطني التركي في الملعب، وبعدها على ارتداء لاعبي الفريقين قمصاناً عليها صورة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، وبعض من مقولاته مثل "كم هو سعيد من يقول إنه تركي" و " السلام في الوطن السلام في العالم ". ورداً على موقف الجانب السعودي، رفض رئيسا الفريقين التركيين إجراء المباراة، وقررا العودة إلى تركيا، على الرغم من المساعي المكثفة لإقناع الجانب السعودي بالتراجع عن موقفه.

بدوره، أصدر "موسم الرياض"، المسؤول عن تنظيم المباراة، بياناً جاء فيه "نودّ أن نؤكد في البداية اعتزازنا بالعلاقة الوثيقة مع الجمهورية التركية الشقيقة في مختلف المجالات، ومن بينها المجال الرياضي. وكنا نتطلع إلى إقامة المباراة في موعدها وفقاً للوائح والأنظمة الدولية لكرة القدم التي تقتضي تقديم الرياضة من دون أي شعارات خارج نطاقها، خاصة أنه تمت مناقشة ذلك مع الاتحاد التركي في إطار الاجتماعات التحضيرية للمباراة، إذ تم التأكيد على ضرورة التقيّد بما تقتضيه التنظيمات الخاصة بهذه المباراة، وفقاً للوائح والأنظمة الدولية". 

وأدت هذه التطورات إلى ردود فعل عنيفة وواسعة جداً في تركيا مع حملة إعلامية ضد السعودية وآل سعود، وفي بعض الأحيان، العرب عموماً. خاصة بعد أن فشل اتحاد الكرة السعودي في بيع تذاكر المباراة التي يبدو أنها لم تحظ باهتمام عشاق الكرة السعوديين، وربما لأسباب وذكريات تاريخية سيئة مع الأتراك. ودفع الفشل السعودي في استقطاب عدد أكبر من المشاهدين السعوديين بعض الشركات التركية إلى تنظيم رحلات سياحية الى السعودية؛ لحضور المباراة وأداء العمرة معاً. 

وحمّلت قيادات المعارضة وعدد كبير من المواطنين عبر حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي الرئيس إردوغان مسؤولية الأزمة الكروية، وعدّوا ذلك إهانة لتركيا ومؤسسها أتاتورك من قبل آل سعود وذكرياتهم التاريخية السيئة دائماً مع تركيا والأتراك والعثمانيين. 

فبعد 6 أشهر من دخول السلطان سليم القاهرة في 22 كانون الثاني/يناير 1517، بايع أشراف مكة السلطان العثماني الذي أصبح حاكماً للحجاز بصفته خادم الحرمين الشريفين.

واستمر ذلك حتى العام 1807 - 1810 عندما قضى إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا حاكم مصر، على تمرد آل سعود (بدأ منذ العام 1750) وأسر رئيس قبيلتهم عبد الله بن سعود وأرسله إلى إسطنبول. فأمر السلطان العثماني محمود الثاني عام 1820 بقطع رأسه، ليكون ذلك بداية الحقد التاريخي المتبادل بين آل سعود وتركيا، وأياً كان حكامها في العهدين العثماني أو الجمهوري، وبدليل أن أياً من السلاطين العثمانيين لم يحجوا إلى بيت الله الحرام، على الرغم من أنهم كانوا خلفاء للمسلمين. 

وانتهى الوجود العثماني التركي نهائياً في الحجاز بثورة الشريف حسين في حزيران/ يونيو 1916، ليكون ذلك أيضاً بداية النهاية لحكم آل هاشم للحجاز، عندما رجحت بريطانيا آل سعود عليهم فأصبحت الحجاز مملكة آل سعود عام 1932.

وأصبحت هذه المملكة بعدها بـ 13 عاماً طرفاً مباشراً في مجمل الحسابات والمخططات والمشاريع الأميركية الخاصة بالمنطقة، بعد لقاء عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأميركي روزفلت في 14شباط/ فبراير 1945. فتحوّلت السعودية بنفطها ودينها ومذهبها إلى خندق أمامي للدفاع عن المصالح الأميركية والمخططات الصهيونية ليس فقط في المنطقة، بل العالم أجمع، وضد العدو المشترك ألا وهو الاتحاد السوفياتي الشيوعي، والمدّ القومي العربي، وذلك عبر تبني حركات وجماعات الإسلام السياسي ثم المسلح في جميع أنحاء العالم، ومنها جماعة " الإخوان المسلمين" بشتى تسمياتهم، ثم "القاعدة وطالبان داعش والنصرة" وأمثالها في سنوات "الربيع العربي". 

وشهدت العلاقات التركية -السعودية فترات متناقضة من المد والجزر طوال السنوات الماضية، إذ أصبحت تركيا بعد 1950 عضواً في الحلف الأطلسي وحلف بغداد، وحليفاً استراتيجياً لأميركا والكيان الصهيوني والغرب الإمبريالي، الذي كان له في تركيا -وما زال-العشرات من القواعد العسكرية، على الرغم من العديد من مراحل الفتور والتوتر بين أنقرة وواشنطن وبعض العواصم الغربية. 

وهو ما كان ينعكس على علاقات أنقرة مع الرياض تارة بشكل سلبي، وأخرى إيجابي لعلاقات العاصمتين المتشابكة مع العواصم الغربية. على سبيل المثال: التقت الحسابات التركية مع مخططات آل سعود ومشاريعهم في سوريا والعراق في بدايات ما يسمى بـ"الربيع العربي" بيد أنها اختلفت في ليبيا؛ بسبب تناقض المواقف بين كل من تركيا المدعومة من قطر ومصر المدعومة من السعودية والإمارات.

واكتسب الموضوع طابعاً متوتراً في حزيران/ يونيو 2017 بين كل من السعودية والإمارات والبحرين المدعومة من مصر، وقطر المدعومة من تركيا التي أرسلت جيشها إلى الدوحة لحماية آل ثاني، وما زال هناك وبضوء أخضر أميركي.

وجاء مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018 ليزيد الطين بلة، في توتر علاقات أنقرة مع الرياض، إذ حمّل الرئيس إردوغان محمد بن سلمان المسؤولية المباشرة عن الجريمة، وسلّم كل وثائقها آنذاك إلى الرئيس ترامب.

وعاد إردوغان بعد مصالحة أنظمة الخليج فيما بينها في قمة العلا في كانون الثاني/يناير 2021 فسعى لمصالحة محمد بن سلمان، بعد أن قال عنه ما لا يقال في السياسة والعلاقات الشخصية. فأرسل إردوغان ملف جريمة خاشقجي إلى الرياض، وأمر بإلغاء كل الدعاوى القضائية في المحاكم التركية ضد المسؤولين السعوديين، ليكون ذلك كافياً لإقناع ولي العهد محمد بن سلمان بزيارة أنقرة في 22 حزيران/ يونيو العام الماضي، فيما زار إردوغان السعودية أكثر من مرة.

ومن دون أن تكون هذه الزيارات كافية لتحقيق أهداف إردوغان الذي، وقبل ابن سلمان، صالح محمد بن زايد وهرتسوغ ونتنياهو وأخيراً السيسي بوساطة تميم آل ثاني. وأرادت واشنطن لهم جميعاً ان يكونوا لاعبين أساسيين في مسرحية المضحك المبكي في المنطقة، التي وصلت إلى ما وصلت إليه بمؤامرات "الربيع العربي" الدموي، وإلا لماذا لا يحرك هؤلاء الزعماء معاً ساكناً ضد إرهاب الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.

وفي جميع الحالات وأياً كانت النتائج المحتملة للأزمة الكروية بين الرياض وأنقرة، يبدو واضحاً أن الرأي العام السائد في تركيا هو أن الموقف السعودي يعكس عداء آل سعود وحقدهم على الأتراك وزعيمهم أتاتورك.

في الوقت الذي أثبت فيه آل سعود حقيقة قناعات الأتراك هذه، وستكون كافية لإحراج إردوغان خلال المرحلة القادمة أمام الرأي العام التركي الحساس في موضوع أتاتورك، على الرغم من مساعي إردوغان للتخلص من إرثه الفكري والسياسي، ولكن ليس بمساعدة آل سعود وبأسلوبهم الاستفزازي وفق قناعات الغالبية الساحقة من الشعب التركي.

والبعض منه وهم من أتباع إردوغان يرون في أحداث الرياض "مؤامرة رتبتها قوى خفية لتخريب العلاقات التركية-السعودية خاصة في هذه المرحلة التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني للعدوان الصهيوني الهمجي. ومن دون أن يخطر على بال هؤلاء أنه كان على الطرفين السعودي والتركي أن يلغيا المباراة تضامناً مع الشعب الفلسطيني الذي تجاهله آل سعود في مهرجاناته الموسيقية الصاخبة فيما استمرت أنقرة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع "تل أبيب" وبتحقيق أرقام قياسية!