مونديال قطر 2022.. "الحلفاء والشركاء" يهزون شباك الدوحة
يبدو أنَّ على قطر الحذر من حلفائها وشركائها الذين يتربصون بها لهزِّ شباكها في مونديالها.
وسط مشاعر جياشة، رحب القطريون بقرار الفيفا إقامة نسخة المونديال لعام 2022 على الأراضي القطرية، ورحبوا لاحقاً بإطلاق شعار "مونديال قطر"، ورأوا أنه "يمثل هويتهم العربية والقطرية"، لكونه مستوحى من الشال الصوفي التقليدي، ويتضمن الإشارة إلى عدد الملاعب التي ستقام عليها المباريات، وإلى تموجات الكثبان الرملية.
للوهلة الأولى، وبعيداً من الخلافات السياسية والصراعات العسكرية الساخنة التي تعصف ببعض الدول العربية ودول المنطقة والعالم، تغمر السعادة والفرح المنطقة العربية والعالم مع اقتراب الحدث العالمي، إذ انهمكت قطر ببناء الملاعب والفنادق وكل مستلزمات العرس الكروي الدولي، لكن لم يطل الأمر حتى تلبدت الغيوم السياسية في سماء هذا الحدث، ولاح في الأفق ما يشي بخلافاتٍ جوهرية حول استضافة قطر للبطولة، وخرج بعض من وافقوا سابقاً وصوّتوا لمصلحة استضافة قطر للمونديال ليكيلوا الانتقادات ويسلّطوا الأضواء على الحريات والديمقراطية الغائبة في قطر.
هذا الأمر يدفعنا بطبيعة الحال إلى أن نتساءل: لماذا صمتوا ثم تكلَّموا وندموا؟ ألم تكن قطر هي قطر أو أنَّ السياسة والتسييس يسودان الزمان والمكان؟ ما الَّذي قدمته قطر ونالت المكافأة بنيل شرف استضافة البطولة؟ وما الذي تغير في مواقفها لتحصد غضب البعض واستياءهم وندامتهم، وتتعرض لحملات إعلامية منظمة تستهدفها ومونديالها، على غرار الاستهداف الذي تعرضت له بكين أثناء استضافتها دورتي الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية لنسخة عام 2022، ما يدل على أنّ الغرب لن يتوانى عن تحويل الأحداث الرياضية إلى مواقف سياسية وأسلحة "مؤلمة"!
إنَّ العالم الَّذي تؤيّده قطر وتتحالف مع رأس حربته في البيت الأبيض، وفي الغرب عموماً، هو ذاته الذي منحها مكانةً ودوراً يتجاوز حدودها ويتخطى مساحتها الجغرافية، وهي تعلم أنَّه عالم منافق يرى عيوبها ويصمت لأجل مصالحه وأموالها، لكنه مستعد أيضاً لفضحها ومعاقبتها وعزلها والحرب عليها إن استدعى الأمر.
ومع ذلك، وضعت رهانها على "طاولاته الخضراء"، ونالت الكثير من دعمه لدورها فيما سُمى بـ"الربيع العربي"، وللدور التخريبي التحريضي الذي أدته بعض القنوات على مدار أكثر من عقد، وما زالت تؤديه حتى الآن.
كما أتبعت سياساتها بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة والناتو، ناهيك بالطبيعة الحميمية لعلاقاتها بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية الإخواني. لقد دعمت سياساته وتحركاته العسكرية وجماعاته الإرهابية ضد سوريا وليبيا وغير ساحات، ووقفت خصماً عنيداً لنظام الرياض وعددٍ من الأنظمة الخليجية والعربية، ناهيك بمواقفها من "صفقة القرن" والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومدى تأثيرها في الداخل الفلسطيني، ورفضها المستمر والمتكرر لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وقد كافأها الأميركيون وصحبهم بمنظورٍ سياسي، وبشرف استضافة كأس العالم، كنتيجةٍ طبيعية لإخراجهم الحدث الرياضي عن سياقه الطبيعي وتسييسه وفق أجنداتهم ومخططاتهم ومشاريعهم.
تعرف قطر أنَّ الذهنية السياسية لأصدقائها الأميركيين والأوروبيين والأتراك لا تبحث من خلال الأحداث الرياضية عن السلام واللقاء والمنافسة الرياضية الجميلة، بل تسعى لمكافأة أصحاب الضيافة الرياضية أو معاقبتهم عبر أسلحتها المعروفة: "الشيطنة وتشويه السمعة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، لتخفي وراءها الأسباب الحقيقية، سواء كان ذلك من باب المكافأة أو العقاب، وهذا ما حصل مع قطر.
سبق لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أن دعت المجتمع الدولي إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية الصينية، وأصدر البرلمان الأوروبي قراراً يحثّ الدبلوماسيين على تجاهل الألعاب الأولمبية.
وتم توقيع وثيقة مماثلة في بريطانيا بزعامة وزيرة الخارجية ليز تروس ورئيس الوزراء جونسون – آنذاك - ناهيك باقتراح مجموعةٍ من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري فرض المقاطعة الدبلوماسية، وطالب بعضهم بأن تكون المقاطعة دبلوماسية ورياضية، ووصفوا أولمبياد بكين 2022 بـ"أولمبياد الإبادة الجماعية".
اليوم، ونحن على بعد عدة أيام من انطلاق نهائيات كأس العالم في قطر، لا تزال الصورة غامضة لجهة عدد الزوار وإقامتهم. ومن المتوقع أن يصل إلى قطر نحو 1.2 مليون مشجع وسائح رياضي من جميع أنحاء العالم، بما يتجاوز سعة فنادق الدوحة بكثير، ويفرض على الضيوف مجموعة من الخيارات، مثل كبائن وقرى المشجعين وبيوت العطلات، إلى جانب السفن السياحية والمراكب الفندقية العائمة.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والاستعدادات التي قامت بها الجهات القطرية والدولية الرياضية، فإنَّ ذلك لم يمنع انطلاق موجة غير مسبوقة من الفضائح والتصريحات السياسية القاسية والردود القطرية على ما دعتها بالحملات المنظمة ضدها.
وتحدَّثت وسائل الإعلام عن إنهاء العقد المبرم بين قطر ومتقاعدي الأجهزة الأمنية الأردنية، على خلفية تصاريح متضاربة مفادها تخلّف 5000 متعاقد عن تدريب أمني، فيما تتحدَّث رواية معاكسة عن إنهاء العقد بسبب سوء الأحوال المعيشية للمتعاقدين، وتم في النتيجة الاستغناء عنهم وإعادتهم إلى بلادهم.
كذلك، تستمرّ وسائل الإعلام ومنظّمات حقوق الإنسان والعفو الدولية منذ أعوام بالحديث عن حقوق العمال الأجانب الذين شاركوا في بناء الملاعب وغيرها من المرافق. وقد تعرض بعضهم للإصابة، وتوفي بعضهم الآخر، وغالبيتهم من الهند وباكستان وبنغلادش والفلبين، ولم تتوقف لأجل ذلك مطالبة الفيفا بمعاقبة قطر بفرض الغرامات والتعويضات أو استبعادها من استضافة المونديال.
وقد سعت قطر بكلّ ما تملكه من وسائل تأثير لمنع تشويه سمعتها وعرقلة استضافتها للمونديال العالمي، لكنها لم تستطع منع بعض الدول من إطلاق حملاتٍ منظمة للحديث عن حقوق الإنسان في قطر، وأنها دولة لا تُحترم فيها "القيم والديمقراطية الغربية"، فيما أعلن عدد من الحكومات الأوروبية رفضهم السفر إليها لدعم لاعبيهم.
كذلك، سلَّطت الحملات الإعلامية الأنظار على "المعاملة اللاإنسانية للمثليين" في قطر، على الرغم من أن منظمي كأس العالم 2022 تحدثوا مراراً وتكراراً عن ترحيب قطر بجميع المشجّعين، بصرف النظر عن ميولهم الجنسية أو خلفياتهم الثقافية أو العقائدية.
كذلك، تحدث مدير منتخب المملكة المتحدة عن أن "كأس العالم في قطر لن تكون مثل في الغرب"، وعلى جميع زوار قطر احترامها كدولة ذات ثقافة ودين وتقاليد مختلفة عن الغرب.
وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ومن خلال لقاء تلفزيوني، انتقد أمير قطر "التشهير المتعمد" والمستمر بالدولة القطرية ونسخة بطولتها العالمية 2022، و"الحملة غير المسبوقة" التي تتعرض لها بلاده، وأكد أن استضافة كأس العالم كانت "اختباراً رائعاً لدولة بحجم قطر"، وأنَّ "الحملة تميل إلى الاستمرار والتوسع لتشمل الافتراءات والمعايير المزدوجة. وقد دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن الأسباب والدوافع الحقيقية وراء ذلك".
كذلك، انتقدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيرز منظمي كأس العالم 2022 و"أوضاع حقوق الإنسان في قطر"، وأكدت اعتقاد بلادها بأنَّ "من الأفضل ألا تُمنح البطولات لمثل هذه الدول"، وسارعت الخارجية القطرية إلى الرد، واستدعت السفير الألماني في الدوحة للاحتجاج، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن تصريحات الوزيرة الألمانية "غير مقبولة واستفزازية للشعب القطري"، فيما دعا السفير الدائم لبعثة الدومينيكان في الأمم المتحدة إلى استبعاد المنتخب الإيراني واستبداله بالمنتخب الإيطالي، الأمر الذي دفع رئيس الفيفا إلى دعوة الجميع للتركيز على كرة القدم بدلاً من تركيزهم على الخلافات السياسية أو الأيديولوجية خلال كأس العالم.
من المؤكد أن قطر تدرك طبيعة الشر المتأصل في ذهنية أصدقائها وحلفائها وشركائها الغربيين وعقولهم، كما تدرك أنها ليست بمأمن من استهدافهم ومكائدهم، مهما فعلت مثلهم ولأجلهم ضد أبناء جلدتها، وأنهم لن يوفروا فرصة لأذيتها من خلال استغلال البطولة الرياضية والحدث العالمي.
ويبقى الفيصل دائماً هو العامل السياسي والمصالح الدولية الكبرى، فالحملات التي تتعرض لها قطر ترتبط مباشرة بما يجري في المنطقة الخليجية والعربية، وبما يحدث في أوكرانيا، وبالخرائط الجديدة لأنابيب الغاز والنفط وأسواقهما وأسعار موارد الطاقة، وخصوصاً الغاز الطبيعي المسال الذي يعني قطر بالدرجة الأولى، والذي رفضت بيعه لألمانيا، لأنها، بحسب الوزير سعد الكعبي، "ملتزمة قطعاً باحترام العقود... ولن تحول شحنات الغاز من آسيا إلى أوروبا هذا الشتاء"، بالتزامن مع سعي الولايات المتحدة والاتحاد والمفوضية الأوروبية لتغيير قواعد سوق الغاز لخفض الأسعار حالياً والسيطرة على أسعار الطاقة مستقبلاً.
يبدو أنَّ على قطر الحذر من حلفائها وشركائها الذين يتربصون بها لهزِّ شباكها في مونديالها.