قمة البريكس 2023 (آفاق وتحديات)

يتضح من مجريات القمة أن هناك نقلة في جدول الأعمال لجهة تشكيل تكتل حقيقي يمكن الاستناد إليه من جانب الدول الأعضاء، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

  • قمة البريكس.
    قمة البريكس.

إن نظام القطب الواحد يثير ويحفز لنشوء مقاومة (نقصد هنا بالمقاومة أي إحداث قطب جديد)، وعلى هذا القطب الواحد أن يتكيف باستمرار مع هذا الأمر، فإما أن يدمر أعداءه وإمّا أن يتبنى الأوجه المقبولة من نضالات المناهضين له، لكن الشكل الذي يتخذه الاصطدام بين النظام والمقاومة يتغير مع مرور الزمن.

كانت الفترة التي مرت من الحرب العالمية الأولى حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين مرحلة خاصة، بدت فيها المقاومة الرئيسة للنظام الواحد هي الشيوعية كنظام دولة. وتزامن تاريخياً ظهور الدولة الشيوعية مع تطور الإمبريالية الكلاسيكية، واعتقد عدد من اليساريين أن الإمبريالية ستكون مرحلة نضوج الرأسمالية وانحطاطها، وبالتالي بدا منطقياً أن يقترن ذلك بظهور النظام الذي سيخلفها في النهاية وتطوره. 

أما الفترة من مطلع عام 2000 حتى وقتنا هذا، فبدأت فيها المقاومة الرئيسة للنظام الواحد متمثلة بدولتين هما الصين وروسيا، وأخذت هذه المقاومة شكلاً منظماً أكثر فيما بعد ببناء تحالف البريكس.

ويمكن النظر إلى البريكس على أنه الامتداد الضروري للحركة الجماهيرية. فمع أن الاحتجاجات الجماهيرية العفوية ستوجد على الدوام – وقد ترغم الرأسمالية على التكيف – إلا أنه ما زال هنالك حاجة إلى خلق بديل بالمعنى المنهجي، بحيث تتلاءم وتتماسك جميع العناصر الاقتصادية والسياسية وتتفتح وتزدهر بطريقة تعيد إنتاج نفسها.

وبهذا، فإن المشكلة الكبرى فيما يتعلق بتحويل التنمية البشرية بعيداً عن النظام الواحد السائد حالياً هي كيف تبقى المقاومة؟ 

وبسبب التنمية غير المتكافئة، تحدث الثُّغَر في بعض المناطق قبل غيرها، الأمر الذي يتيح لرواد القطب الواحد الدخول والقمع بقسوة لهذه المبادرات الجديدة، ومن هنا يجيء دور الواقعية التي تقود إلى نجاح المقاومة، ولها العديد من الجوانب: البحث عن حلفاء؛ استخدام تكتيكات للحيلولة دون توحد الأعداء ضد المقاومة؛ البناء إلى أعلى انطلاقاً من إصلاحات صغيرة... إلخ.

وانطلاقاً من أن آلية القمع الرئيسة، بالنسبة إلى النظام الدولي السائد، هي السلطات العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية لدول العالم، فإن على المقاومة أن تحول هذه الأسلحة ووجهتها ضد القطبية الواحدة عبر تحفيز الدول التي تعاني هذا التسلط، وإقامة درع يتيح إنشاء بديل منهجي من القطب الواحد الغربي.

البريكس وقمة 2023 (تطلعات واعدة لمستقبل جديد):

تمثل البلدان الخمسة مجتمعة 43 في المئة من سكان العالم، و46 في المئة من القوة العاملة العالمية، و30 في المئة من مساحة اليابسة.

وبالنظر إلى عدم وجود روابط اقتصادية سابقة مهمة بين هذه البلدان، فقد كان إنشاء البريكس خطوة رئيسة نحو مشهد اقتصادي عالمي بديل، وكان تشكيل مجموعة البريكس متجذراً في المصالح الاقتصادية المشتركة طويلة الأجل للدول الأعضاء، والتي تشمل إصلاح الهيكل العالمي، مالياً واقتصادياً، وتعزيز المبادئ والمعايير للقانون الدولي ودعم التكامل بين عدد من قطاعات اقتصاداتها.

وبهذا، توالت القمم منذ تأسيس البريكس إلى يومنا هذا، وتفرز عن هذه القمم مجموعة من القرارات التي قد تُرى كأنها تصاعدية في سبيل خرق الحالة الدولية المتمركزة في محور الولايات المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تدعيم اقتصادات الدول الأعضاء، وحضورها، سياسياً وثقافياً، في العالم، وهو ما يعني أنه عادة ما تأتي قمم البريكس وتذهب من دون ضجة كبيرة، لكن قمة جوهانسبرغ حملت بعداً خاصاً لأنها جاءت مع سلسلة من الأعمال الدرامية في العلاقات الدولية، والتي كان من الصعب تفويتها.

الحدث الذي استضافته جنوب أفريقيا قد يمثل خطوة مهمة في إعادة تشكيل القوة الجيوسياسية في المستقبل غير البعيد، بحيث لم يقتصر الأمر على دعوة جميع رؤساء الدول الأفريقية إلى حضور هذا الحدث، وإنما يصطف نحو 40 دولة في طابور المهتمين بالانضمام إلى مجموعة البريكس، وتقدمت بالفعل 23 دولة رسمياً بطلبات، بما في ذلك الأرجنتين وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا وتايلاند وكوبا ومصر ونيجيريا. ومن المؤكد أن هذا يُعَدّ علامة فارقة في التماسك السياسي لجنوب الكرة الأرضية.

بالإضافة إلى تطور التبادل التجاري من خلال استخدام عملات غير الدولار، نذكر أن مستوى التعامل باليوان كان عند عتبة ستة في المئة قبل عام 2021، في حين يبلغ اليوم نسبة 28 في المئة. فعلى سبيل المثال فرنسا ستشتري الغاز المسال من السعودية، والذي هو غاز روسي، وستدفع باليوان الصيني.

وتم استخدام اليوان في 49٪ من معاملات الصين عبر الحدود في الربع الأخير، متجاوزاً الدولار لأول مرة، ويرجع ذلك أساساً إلى سوق رأس المال الأكثر انفتاحاً ومزيد من التجارة القائمة على اليوان مع روسيا، وخصوصاً بعد العقوبات التي فرضت على روسيا، بحيث شكل اليوان 39٪ من إجمالي حجم التداول في السوق الروسية للصرف الأجنبي في آذار/مارس، ومع ذلك لا تزال حصة اليوان من المدفوعات العالمية صغيرة مقارنة بحجم الاقتصاد الصيني.

ويتضح من مجريات القمة أن هناك نقلة في جدول الأعمال لجهة تشكيل تكتل حقيقي يمكن الاستناد إليه من جانب الدول الأعضاء، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وما يحويه من جوانب إنتاجية وصناعية متطورة، الأمر الذي يعني أن هناك تحولاً استراتيجياً وإعلاناً واضحاً، مفاده أن المركز لم يعد مركزاً، والاطراف لم تعد أطرافاً، وإنما هناك توزع جديد لقوى العالم ومصنع القرار الدولي.

وإذا حققت هذه القمة أهدافها، التي كان أوضحها انضمام دول جديدة، فستتغير جملة من الأمور، نذكر منها مسألة العقوبات التي تفرض على دول معينة، مثل روسيا، إذ إن انضمام دول الخليج بصورة أساسية إلى البريكس، يجعل العقوبات على قطاع الطاقة غير مجدية، لأن أكثر من نصف الإنتاج العالمي أصبح مع البريكس، ويصبح تكتل البريكس أيضاً يضم أكبر مصدري السلع، وأيضاً أكبر المستهلكين.

لكن، يبرز السؤال: لماذا انضمام الدول الست إلى البريكس ذو بعد استراتيجي، وله روابط أمامية وخلفية؟

لم يعد خفياً على أحد أن العلاقات السياسية وما يتبعها من تشكيلات اقتصادية تمتد إلى ثقافية وحضارية، تتشكل من خلال جملة من التقاطعات الاستراتيجية، وتتنظم وفق نفس طويل أو متوسط على الأقل من أجل بناء ركائز حقيقية تبنى عليها التحالفات الاستراتيجية.

فمن ناحية دول البريكس، من المنطقي جداً استقبال أعضاء جدد، ولكل من الأعضاء القدامى وجهة نظره في هذا الشأن، فمنهم من يحتاج إلى الأعضاء الجدد بسبب طبيعة التبادل التجاري، ومنهم من يحتاج إليهم لبناء منظومة ردع في وجه المنظومة الحالية، وما إلى ذلك.

أما الأعضاء الجدد فإن الإضافات عبارة عن مجموعة مختلطة: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من منتجي النفط الأثرياء، والأرجنتين التي مزقها التضخم، وهي في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، وإيران المعزولة بسبب العقوبات الغربية، وإثيوبيا التي تتعافى من حرب أهلية، والاقتصاد المصري المتأزّم.

وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة نفوذ مجموعة البريكس كبطل لدول "الجنوب العالمي"، والتي يشعر كثير منها بمعاملة غير عادلة من جانب المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى.

ومع انضمام الأعضاء الجدد إلى البريكس، فإنهم سيزيدون في حصة الكتلة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 29% بعد أن كانت 26%، وستزداد التجارة بالسلع إلى 21% بعدما كانت 18%.

ولوحظ، وفقاً لحسابات "آي أن جي"، أنه منذ عام 2015، ارتفعت حصة مجموعة البريكس الأساسية في واردات المرشحين الجدد.

تشير الحسابات الصادرة عن reflinitiv datastream إلى المسار التصاعدي في الواردات بين البريكس والدول قيد الانضمام، والتي من الملاحظ أنها تأخذ منحى مستمراً نحو الزيادة، إذ انتقل في العام الأخير حجم واردات الدول المرشحة من البريكس، من 23% إلى 30%، لتحل محل منطقة اليورو والولايات المتحدة وغيرهما من الاقتصادات المتقدمة. وتُعَدّ السعودية الاكبر في زيادة الاستيراد من البريكس. ومن جهة أخرى، فإن الاقتصاد القوي للمملكة العربية السعودية، مدفوعاً بهيمنتها النفطية، يجعلها خياراً استراتيجياً لمجموعة البريكس، بحيث لن يؤدي هذا الإدراج إلى تعزيز البراعة الاقتصادية للكتلة فحسب، بل سيعزز أيضاً نفوذ الكونسورتيوم في السياسة والتجارة العالميين.

وبلغت التبادلات التجارية الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات العربية المتحدة مع دول منظمة البريكس الخمس نحو 555 مليار درهم، تشكل 25 في المئة من إجمالي تجارة الإمارات غير النفطية للعام الفائت، البالغة 2.23 تريليون درهم.

من جانب آخر، توجد علاقات استراتيجية سلعية بين الاقتصادات، وخصوصاً بشأن صادرات السلع الغذائية ووارداتها.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى ارتفاع كل من صادرات السلع الغذائية ووارداتها في كل من الارجنتين والصين في الأعوام الاخيرة، بحيث تُعد الأرجنتين مورداً مهماً لفول الصويا ولحم الخنزير وغيرهما من المدخلات الزراعية المهمة لإطعام سكان الصين، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وعلى نحو مماثل، تُقدِّم الأرجنتين سوقاً كبيرة للطبقة المتوسطة لشراء السلع والخدمات الصينية ذات القيمة المضافة العالية.

سياسياً، تحظى الصين بتوجهات إيجابية من جانب الحكومات اليسارية الأرجنتينية. وخلال تصريحاتها الأخيرة، أشادت كريستينا دي كيرشنر، نائبة الرئيس، ببكين كونها "النظام الرأسمالي الأكثر نجاحاً". وتدعم الأرجنتين رسمياً سياسة "الصين الواحدة"، وفي آب/أغسطس 2022، أيد السفير الأرجنتيني لدى الصين سابيو فاكا نارفاجا علناً، موقف بكين الذي دان زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك، نانسي بيلوسي، لتايوان، والتي وصفها بأنها "استفزاز" و"مشكلة للمجتمع الدولي".

بالمثل، حصلت الأرجنتين في شباط/فبراير 2022، على تأييد بكين لموقفها من النزاع مع المملكة المتحدة، وأحقيتها في السيادة الكاملة على جزر فوكلاند.

ووفقاً لتصريحات وزير الخارجية الارجنتيني، فإن الانضمام إلى البريكس يمثل فرصة كبيرة للأرجنتين، لأنها تضم دولاً مهمة للغاية للتجارة الأرجنتينية.

وفي سبيل دعم البعد الجيوسياسي في القارة الأفريقية، فإن إثيوبيا توفر ذلك كونها تُعَدّ وهي - المحاطة بست دول - في قلب منطقة القرن الأفريقي بصورة خاصة، وعاصمة للقارة الأفريقية بصورة عامة، وهذا ما يجعل أديس أبابا تتحول إلى مركز للتواصل في القارة الأفريقية، ويمكنها أن تربط المجموعة بأسواق شرقي أفريقيا.

بدورها، تحتاج إيران إلى تجاوز العقوبات المفروضة عليها، والتي استطاعت على نحو أو آخر أن تفعل ذلك، وخصوصاً بعد تشكيل أوبك +، والتي يُعَدّ عمادها روسيا.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى تذبذب الواردات النفطية الإيرانية وارتهانها لطبيعة الوضع الدولي، لكنها تظهر تزايداً في الأعوام الأخيرة، بحيث يأتي ارتفاع الإيرادات النفطية الإيرانية في ظل خفض تحالف أوبك + إنتاجه، وهو تحالف بين أوبك وروسيا ودول أخرى، من أجل دعم سوق النفط التي تتعرض الأسعار فيها لضغوط بفعل توقعات تفيد بأن ضعف الاقتصاد سيقلص حجم الطلب. ووافق تحالف أوبك + في الرابع من جزيران/يونيو على اتفاق واسع النطاق لخفض إنتاج النفط حتى عام 2024، لكن إيران ليست ملزمة بتخفيض الإنتاج هي وفنزويلا وليبيا. فالدول الثلاث تم إعفاؤها.

بدورها، تتمتع مصر بحجم كبير من التجارة مع أعضاء مجموعة البريكس، وخصوصاً روسيا والصين والهند. ومن خلال اقتصادها النامي، يمكن لمصر توسيع صادراتها إلى هذه الدول، مع الاستفادة من الاتفاقيات التجارية، مثل السوق المشتركة للجنوب (ميركوسور)، لتصبح مركزاً يربط أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.

وتأمل مصر أن يساعد انضمامها الوشيك إلى مجموعة البريكس للدول النامية على تخفيف نقص العملة الأجنبية وجذب استثمارات جديدة، لكن محللين يقولون إن الأمر قد يستغرق وقتاً قبل ظهور أي فوائد.

لقد انخفضت عملتها بمقدار النصف في غضون 18 شهراً، وارتفع التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 36.5% في تموز/يوليو. كما تسببت فورة الاقتراض على مدى الأعوام الثمانية الماضية بجعل تسديد الديون الخارجية مرهقاً على نحو متزايد، وأجبرتها أزمة الدولار على تأجيل مدفوعات واردات القمح.

وقال تشارلز روبرتسون، رئيس الاستراتيجية الكلية في FIM Partners، إن الحصول على تمويل رخيص من بنك التنمية الجديد سيساعد مصر، ومن المنطقي البقاء على مقربة من الصين، وهي مصدر محتمل للاستثمار الأجنبي المباشر الضخم في التصنيع المصري.

تحديات قمة جنوب أفريقيا (تحديات تطلعات البريكس):

تواجه قمة البريكس تحديات كبيرة وهي تتعامل مع خطط التوسع والتوترات الجيوسياسية، بحيث إن مناقشة القادة توسيع المجموعة من خلال إضافة أعضاء جدد، بما في ذلك معايير القبول والمبادئ التوجيهية، على اعتبار سيتم تحسين البعد السياسي لبلدان البريكس بصورة كبيرة.

وبالإضافة إلى التعامل مع قضايا، مثل تعزيز التعددية، والتعامل مع تغير المناخ، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة التحديات العالمية الأخرى، فإن النقلة الكبرى لقادة البريكس هي محاولة إزالة دولرة الاقتصاد العالمي من خلال إمكان قيام عملة بريكس.

أبرز التحديات التي يواجهها تحالف البريكس:

أولاً الشكل:

لأول مرة، يغيب أحد قادة البريكس عن الاجتماع وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظراً إلى وضع رئيس جنوب افريقيا مزدوج الشكل، بحيث بصفته المضيف، فإن على رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مسؤولية الترحيب بنظيره الروسي، لكن بصفته أحد الموقعين على نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، فإن من واجبه احتجاز الرئيس بوتين بموجب مذكرة توقيف من المحكمة وإرساله إلى لاهاي لمحاكمته بسبب جرائم الحرب.

وبهذا الشأن، بقي الرئيس الروسي بعيداً، لكن معضلة رامافوزا هي جزء من صراع أوسع بين أعضاء البريكس بشأن كيفية جعل المجموعة ذات قوة جيوسياسية، وتبدو هذه المعضلة كأنها ثغرة في قدرة البريكس على مواجهة المعسكر الآخر.

ثانياً: التوسع:

يتعرض مستقبل البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) لضغوط، نظراً إلى حساسية هذا الملف، بحيث تقاوم الهند محاولة توسيع المنصة، في حين تركز بكين على التوسع السريع بهدف إعطاء المنصة توجهاً معادياً للغرب. ويرى أيضاً الرئيس بوتين أن المناطق الأكبر هي وسيلة لموازنة التحالف الغربي ضد روسيا، لكن يبدو أن هذا الأمر ليس من اهتمام نيودلهي. 

ففي حين أعرب الأعضاء الخمسة عن اهتمامهم بتوسيع التجمع العام الماضي، فإن الهند تحرص على أن يتم توضيح المبادئ التي تحدد عملية التوسع بوضوح. وتستغل الهند هيكلية البريكس بهذا نظراً إلى أن المنصة تعمل من خلال الإجماع. وبالتالي سيكون من الصعب على الصين دفع التوسع من جانب واحد، ونوضح هنا أنه منذ اشتباكات غالوان عام 2020، دخلت علاقة الهند الثنائية بالصين واحدة من أسوأ مراحلها.

ومع ذلك، فمن المفترض كما أشرنا أن تنضم كل من الأرجنتين ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران والإمارات وإثيوبيا، وهي خطوة تنطوي على إمكان تعزيز القوة الاقتصادية للمجموعة وأهميتها الجيوسياسية بصورة كبيرة، ويعد هذا التوسع بإعادة تشكيل ديناميكيات التعاون الدولي، على نحو يعكس ظهور هذه الدول لاعبة رئيسة في المسرح العالمي.

ثالثاً: العملة:

مع محاولة البريكس الظهور كقوة على المستوى الدولي، دائماً ما يبدأ الحديث بين الدول الخمس الأعضاء في إنشاء عملة منفصلة للبريكس. وقال ألكسندر بابافوف، نائب رئيس البرلمان الروسي، إن روسيا إلى جانب دول البريكس والدول الأفريقية تدرس إنشاء عملة جديدة لتحدي هيمنة الدولار، وأيد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا علناً فكرة عملة البريكس لتمكين التجارة بين الدول الأعضاء، وتساءل أيضاً عن مشروعية مكانة الدولار البارزة في التجارة والتمويل الدوليين. وشكك نظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في دور الدولار الأميركي كونه العملة الاحتياطية الأساسية في العالم للتجارة العالمية. وتكهّن بعض الخبراء بأن عملة البريكس قد تنمو وتتحدى سمعة الدولار في الاقتصاد العالمي. وتأتي أهمية إصدار عملة من إدراك جميع الدول الأعضاء تماماً أن الدولار يتيح قوة اقتصادية غير متكافئة للولايات المتحدة الأميركية.

يأتي ترويج عملة مشتركة جديدة كطريقة لتقليل هيمنة الدولار الأميركي في التجارة الدولية، وتجاوز الاقتصاد السياسي على النمط الغربي والأنظمة المالية، الأمر الذي يوفر مزيداً من طرق التجارة الدولية التي يسهل الوصول إليها.

لكن، على الرغم من أن فكرة عملة البريكس تحمل أهمية كبرى، ولا سيما بالنظر إلى هيمنة الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية، وما يتبع ذلك من انعكاسات إيجابية على الولايات المتحدة، فإن قضية خلق عملة جديدة للبريكس تبقى أمراً صعباً، بحيث إن تنفيذها سيكون مهمة طويلة تتطلب موافقة أطراف متعددة. علاوة على ذلك، يمكن أن يصبح التنسيق بين دول البريكس أكثر تعقيداً إذا توسعت المجموعة إلى ما بعد أعضائها الخمسة الحاليين، وبالتالي إلى زيادة تعقيد المسار نحو عملة مشتركة. بالإضافة إلى ما سبق، فإن إنشاء عملة جديدة يتطلب أعواماً لتطوير البنية التحتية المالية والمصرفية بصورة تعاونية لدعم عملة مشتركة، لأن ما يجعل الدولار متفوقاً ليس فقط حجم الاقتصاد، وإنما عدد من العوامل الأخرى.

لذلك، قد يؤجَّل إطلاق العملة الآن وتركز الجهود الحالية على تطوير التسويات الثنائية باستخدام العملات الوطنية وتعزيز البنية التحتية لنظام الدفع، على نحو يتماشى مع احتياجات الشركات.

في المدى الطويل، فإن الطريق ممهدة وتمهد لقيام عملة مشتركة، مع ملاحظة أن شكل العملة الجديد لم يُعتمد، إلا أن من الممكن أن يكون سلة من العملات، وبالتالي يكون أكثر استقراراً، وستكون العملة مدعومة من السلع مثل (نفط – غاز – فخم – نحاس – ليثيوم –بوكسيت). وهنا، يبرز دور العضو الجديد المحتمل، إيران، بحيث يُقدّر حجم الليثيوم في إيران بـ8.5 ملايين طن، وهو ما يؤهل الدولة الآسيوية لتكون صاحبة ثاني أكبر احتياطي في العالم، بحيث تضيف مشاركتها قوة للعملة، ويُعَدّ الليثيوم مورداً مهماً للتقنيات الناشئة. 

وستكون العملة مدعومة بالذهب، وهذا يفسر زيادة احتياطيات الذهب مؤخراً في روسيا والصين.

وتُظهر البيانات الواردة في ceicdata تطور احتياطيات الذهب في دول البريكس من عام 2009 إلى عام 2023. ويلاحَظ مما سبق التسارع الكبير في زيادة حصة الدول من الذهب، وخصوصاً في الفترة الأخيرة. وتشير هذه الفترة إلى المرحلة التي طُرحت فيها فكرة إنشاء عملة للبريكس.

وبالتالي، ستكون هذه العملة ذات موثوقية كبرى نظراً إلى ما يدعمها، على عكس الدولار الأميركي المدعوم بالقوة العسكرية.

ختاماً، قد لا تشكل البريكس كتكلة خطراً داهماً على النظام العالمي حالياً بقدر ما تشكله الآن روسيا والصين، بحيث حتى اليوم لا ترى الولايات المتحدة الأميركية في البريكس تهديداً، مستندة بذلك إلى العلاقات الوثيقة بجزء من الأعضاء الحاليين والمحتملين أيضاً، ومن جانب آخر رفض كبار صناع السياسة الألمان المخاوف بشأن توسع البريكس المعلن لعام 2024، مشيرين، بدلاً من ذلك، إلى روسيا والصين، العملاقين اللذين يعدّونهما التهديد الحقيقي.