غزة مقبرة الدبابات والغزاة

المقاومة لا تزال صامدة ولا تزال تحقق المكاسب، وأنها أيضاً أفقدت العدو القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والتفكير بشكل عقلاني. 

  • التوغل البري في غزة.
    التوغل البري في غزة.

يوماً بعد يوم، يتضح فقدان "إسرائيل" قدرتها على اتخاذ القرارات المصيرية والاستراتيجية، ويتضح فقدانها القدرة على التخطيط السريع. وقد انعكس هذا التخبط والتيه الاستراتيجي على جميع جوانبها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وفي الوقت الذي تخسر الرواية الإسرائيلية زخمها في الأوساط الشعبية والرسمية في العالم، تدير حركة حماس معركتها الناعمة بحنكة وببطء نحو تحييد الهجوم البري الإسرائيلي.

إذا ما قمنا بتحليل القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، فسوف نصل إلى نتيجة مفادها أنهم لم يخرجوا بعد من أزمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وخصوصاً أنهم اتخذوا قرار الهجوم البري من دون التنسيق مع حلفائهم الغربيين، ومن دون تقييم واضح وصريح لقدرة الجيش على خوض مثل هذه المعركة.

لذلك، بدا واضحاً أن الأيام الأولى للهجوم البري تحولت إلى مقبرة لدبابات العدو الصهيوني، وخصوصاً أن المقاومة الفلسطينية الباسلة استوعبت التوغل البري الإسرائيلي، وعملت على إخلاء المناطق السكنية من السكان المدنيين. والآن، انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. 

نعم، علينا الاعتراف بأن الدبابات الإسرائيلية تقدمت بشكل مفاجئ في الأحياء السكنية لغزة ليل الجمعة الماضية، ولكن يبدو أن القسام خططت لهذا التقدم، وخصوصاً إذا ما علمنا أن صور الأقمار الصناعية التي نشرتها الجزيرة تظهر بشكل واضح تناقصاً شديداً في عدد الدبابات الإسرائيلية المتوغلة في القطاع، ففيما كان عددها 383 دبابة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، تراجع هذا العدد إلى 295 دبابة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر.

إضافة إلى ذلك، وخلال أقل من 48 ساعة، أفادت حركة القسام بأنها دمرت أكثر من 20 آلية عسكرية في محاور بيت حانون في شمال قطاع غزة وشرق جحر الديك وفي محيط مستشفى الشفاء والمحور الغربي للمدينة. وقد استخدمت في تدمير هذه الآليات والمدرعات قذائف "الياسين 105" و"قذائف تاندوم". 

 من جهة أخرى، أسقطت حركة حماس الرواية الإسرائيلية التي تقول إنها توغلت برياً في غزة لمنع إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات. وتعتبر هذه التحركات من التحركات الاستراتيجية العسكرية العميقة للحركة، إذ إنها امتنعت خلال الأيام القليلة الماضية عن إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، ولكنها، وبشكل مفاجئ، أطلقت أكثر من 20 صاروخاً دفعة واحدة تجاه المستوطنات. 

من وجهة نظر عسكرية، فإن تدمير الآليات العسكرية بهذا الشكل في غزة وقدرة حماس على إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات بعد أكثر من 39 يوماً يدلّ، وبشكل قاطع، على أن حماس لا تزال تتحكم وتدير المعركة بالشكل الذي تراه مناسباً، وفي الوقت الذي تختاره.

أما على المستوى السياسي، فيبدو أنّ الخلافات بين نتنياهو وبين قادة العالم بدأت تطفو على السطح، ونحن نعتقد جازمين بأن هذا الخلاف لا يعود إلى المواقف الإنسانية لهؤلاء القادة بقدر ما هو ضغط محلي من الشعوب ضد هؤلاء القادة الذين شاركوا "إسرائيل" جرائمها ضد الشعب الفلسطيني. 

ويبدو أيضاً أن "إسرائيل" تخسر حربها الناعمة على الشعب الفلسطيني، إذ لم تعد رواية تحرير الرهائن تبرر التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تقول حماس إنَّها على استعداد لقبول هدنة 5 أيام، وستطلق سراح 70 أسيراً لديها. 

أما عن الموقف العربي، فيكفي الشعب الفلسطيني وقوف الشعوب العربية والإسلامية إلى جانبه في كل بقعة من بقاع الأرض. إن من أراد من الحكّام العرب تجاهل الجرائم الإسرائيلية وعمليات الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، فلن يحيي ضميره بحر من الدماء. وقد ظهرت الخلافات إلى العلن منذ اللحظة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" عندما قام المطبعون بإدانة دفاع المقاومين عن الشعب الفلسطيني.

ختاماً، لقد أظهرت شجاعة مقاتلي المقاومة في جميع محاور غزة، سواء في شمالها وغربها أو في محيط مستشفى الشفاء أو في خان يونس، زيف ادعاءات وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال إنَّ حماس فقدت السيطرة على قطاع غزة، وأنّ مقاتليها يفرون إلى الجنوب. 

ولم نرَ أي صورة أو فيديو واحد يظهر استسلام عنصر واحد فقط من عناصر حماس. لقد أثبت المقاومون أنّ غزة مقبرة الغزاة ومقبرة الدبابات، كما كان إطلاق رشقات جديدة من الصواريخ نحو المستوطنات دليلاً على استمرار حماس في أخذ زمام المبادرة ومفاجأة العدو. ويبدو كذلك أنّ نتنياهو يخسر المعركة السياسية على المستوى الدولي كذلك.

جميع ما تقدم يظهر، وبشكل جلي ولا غبار عليه، أنّ المقاومة لا تزال صامدة ولا تزال تحقق المكاسب، وأنها أيضاً أفقدت العدو القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والتفكير بشكل عقلاني.