عصر الضّفة المرعب
اعترافٌ واضحٌ وصريحٌ بتهشّم وتآكل قوة الرّدع لـ"جيش" العدو يحمل العديد من المؤشّرات ويطرح مجموعة من الأسئلة.
في ذروة الاستنفار العسكريّ والأمنيّ لـ"جيش" العدوّ الصّهيوني في الضّفة الغربيّة على مدى ثلاثة أيّام من عمليّات البحث عن منفّذ عمليّة حوارة التي قَتل فيها مستوطنين إسرائيليين، جاءت عمليّة الخليل التي أدّت إلى مقتل مستوطنة وإصابة آخر من "كريات أربع" لتؤكّد إصرار الشّعب الفلسطينيّ على تحرير أرضه، وتهشيم قوّة الردع "للجيش الذي لا يهزم".
عمليّة الخليل التي فرضت على العدوّ استدعاء ثلاث وحداتٍ إضافية: الأولى تضمّ قوّات من وحدة "دوفدوفان" أو الوحدة رقم 2017 التي أسّسها إيهود باراك، وهي إحدى الوحدات التابعة لـ"جيش" العدوّ الإسرائيلي ومهمتها "مكافحة الإرهاب"، وتضمّ أفراداً ينفّذون مهمات عسكريّةً وأمنيّةً خاصّة، أبرزها الدهم والاعتقال والاغتيال، والثّانية وحدة «مرعول» التي تضمّ خبراء في الهيدرولوجيا وجيولوجيين ومختصّين في علم النبات ومهندسين ومرشدين سياحيّين وقصاصي الأثر، ومهمتها جمع المعلومات الاستخباريّة المرئيّة وتتبع الحركة الميدانيّة لملاحقة المطلوبين وتحديد مواقع الأسلحة والخرائط في الميدان، وهي الوحدة نفسها التي لاحقت الأسرى الستة الذين انتزعوا حريّتهم من سجن جلبوع عام 2021. والثّالثة هي وحدة الاستخبارات القتاليّة والطّائرات المروحيّة والمسيرة بحثاً عن منفذي عملية الخليل البطولية.
مشهد استنفار "جيش" الاحتلال يؤشّر إلى مدى الرّعب الذي يعيشه الكيان، إذ بات يعيش حالة حربٍ دفاعيّة، بالرّغم من رفع عديد العناصر والضبّاط في "جيش" الاحتلال وزيادة الوحدات القتاليّة ومشاركة الطّائرات المروحيّة والمسيّرة في عمليّة بحثٍ ومطاردةٍ لأسودٍ منفردةٍ نفّذت عمليتينِ، كلّ عملية على حدةٍ بالتّزامن مع تنفيذ "جيش" الاحتلال عمليّات اقتحام لمخيمات الضّفة وشنّ حملات اعتقالات بحقّ الفلسطينيين. كلّ ذلك لم يمنع عمليّات الأسود المنفردة، أو على الأقلّ الحدّ منها، بل إنّها في تصاعدٍ وتزايدٍ مستمرين باعتراف إعلام العدوّ، حيث نشرت صفحة "دورون كادوش" الإسرائيلية معلوماتٍ إحصائيّة تفيد بمقتل 35 مستوطناً منذ بداية عام 2023، وهو أعلى رقم منذ الانتفاضة الثّانية.
في حين ذكرت "القناة 14" الإسرائيلية أنّ المنظومة الأمنيّة للعدوّ الإسرائيليّ تتلقّى أكثر من 200 إنذارٍ أمنيٍّ يومياً بمستوياتٍ مختلفة تفيد بتنفيذ عمليّاتٍ فدائيّةٍ. فشلٌ عسكريٌّ وأمنيٌّ انعكس سياسيّاً من خلال مواقف بعض قادة الكيان المؤقّت. مواقف أظهرت مدى التخبّط الذي يعيشه الكيان، ففي تعليقٍ لرئيس الكيان الصّهيوني إسحاق هرتسوغ على عمليّة الخليل قال "إنّها أيّامٌ صعبةٌ ومؤلمةٌ للإسرائيليين؛ لأنّ أعداءنا يعملون بكلّ الوسائل لضربنا وإلحاق الأذية بنا". في حين أنّ "وزيرة المهمات القوميّة" ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، وهي عضو في حزب "الاتحاد القومي" أو "الصّهيونية الدّينية" حمّلت الجميع مسؤوليّة ما يحدث، داعيةً إلى الانتقال من مرحلة الدّفاع إلى الهجوم. وقد لخّص الإعلام الصّهيوني الوضع في كيان الاحتلال بأنّه يجمع بين "إذلال على الحدود الشّمالية وإطلاق صواريخ من غزة وتصاعد للعمليّات في الضّفة الغربيّة". اعترافٌ واضحٌ وصريحٌ بتهشّم وتآكل قوة الرّدع لـ"جيش" العدو يحمل العديد من المؤشّرات ويطرح مجموعة من الأسئلة أهمها ما يلي:
1 – تصاعد العمليّات في الضّفة الغربيّة يفتح ساحة مواجهة جديدة تضاف إلى ساحات المواجهة المتعدّدة مع الكيان العاجز عن الحدّ من العمليّات أو القضاء عليها
2 – اتساع رقعة المواجهة في الضّفة وتطوّر أداء المقاومة وآلياتها، سيفرضان واقعاً جديداً تحت عنوان "مستوطنات غلاف الضّفة"
3 – فشل الاحتلال الأمنيّ والعسكريّ الذريع في مواجهة عمليّات الأسود المنفردة كشف وهن الكيان، وأكّد عجزه عن خوض أيّ مواجهةٍ متعدّدة السّاحات مع المقاومة، إضافة إلى ما أعلنه اللواء احتياط في "جيش" الاحتلال إسحاق بريك بأنّ "إسرائيل" محاصرة بحلقةٍ خانقةٍ أخطر من النووي، إذ تطوّقها مئات آلاف الصّواريخ.
وهذا يعني أنّ هناك تحولاتٍ ستشهدها المنطقة في المرحلة القادمة، أولها استمرار عمليّات المقاومة بالضّفة وتصاعدها، والتي هزمت الكيان المؤقّت الذي هدّد لبنان بإعادته إلى العصر الحجريّ، وإعادته إلى عصر الرّعب وزمن الهزيمة والسّقوط المتتالي، والهروب من المواجهة التي يتجنّب وقوعها نتيجة التحوّل الثاني الذي ستشهده المنطقة؛ بسبب دخول الأميركي على السّاحة مجدّداً لتخفيف الضّغط على الكيان من خلال إعادة فتح الجبهات المتعدّدة في سوريا ولبنان والعراق، وإشغال قوى المقاومة فيها من حزب الله إلى الجيش السوريّ وفصائل الحشد الشّعبيّ بمواجهة "داعش" التي تحتضنها القوّات الأميركيّة في محاولة لإشغال قوى المقاومة بحربٍ جديدةٍ تخرج الكيان الصّهيوني من دائرة استهدافه من محور المقاومة، وتؤجّل معركة إخراج الأميركي من المنطقة، وهذا ما لم يتحقّق، فالتجربة السّابقة بيّنت أنّ المقاومة ومحورها لم تغفل العدوّ الإسرائيلي ولم تسقطه من دائرة استهدافها حتّى في ذروة الهجوم الأميركي الدّاعشي على المنطقة، وخرجت المقاومة منتصرةً ومراكمة قوّة باتت تشكّل تهديداً وجوديّاً للكيان الصّهيونيّ.