فلتصمت هذه الأنظمة… فالحق لا ينطق به إلا المقاومون

التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولن تُمحى من ذاكرة الشعوب تلك اللحظة التي قرّر فيها العالم أن يصمت أمام عدوانٍ على الإنسانية جمعاء.

  • تحوّل الخطاب الرسمي في هذا العالم إلى نفاقٍ ممنهج (أرشيف).
    تحوّل الخطاب الرسمي في هذا العالم إلى نفاقٍ ممنهج (أرشيف).

فلتصمت هذه الأنظمة التي تملأ الدنيا ضجيجًا عن الحرية والسيادة وحقوق الإنسان، وهي اليوم تشاهد بأعينٍ باردة الكنيست الإسرائيلي يناقش مشروعًا لضمّ الضفة الغربية إلى كيانه، في مخالفةٍ فاضحةٍ لمنطق التاريخ، وللقوانين والقرارات الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة وصادقت عليها دول العالم قاطبة.

إنّ ما يجري في قاعة الكنيست ليس نقاشًا سياسيًا داخليًا، بل هو عدوانٌ جديد على القانون الدولي، وإعلانٌ وقح عن دفن ما تبقّى من هيبة الشرعية الأممية. فالضمّ المقترح ليس انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطيني فحسب، بل هو عدوانٌ على البشرية جمعاء، لأنه يطيح ما تبقّى من منظومة العدالة التي تحكم العالم، ويحوّل الغلبة إلى منطق القوة بدل قوة الحق.

الضمّ، بهذه الصورة، هو انقلابٌ على كلّ ما أجمعت عليه الأمم في قراراتٍ موثقة تنصّ على أنّ الأراضي المحتلة عام 1967 ليست جزءًا من “إسرائيل”، وأنّ أيّ إجراءٍ أحاديٍّ لتغيير وضعها باطل قانونًا وعدوانٌ على حقّ الشعوب في تقرير مصيرها. ورغم وضوح ذلك، يلتزم العالم صمتًا مشينًا، وتتواطأ أنظمةٌ تدّعي الدفاع عن القيم، بينما تغضّ الطرف عن جريمةٍ موصوفةٍ ضدّ الأرض والإنسان.

فلتصمت إذًا هذه الأنظمة التي تتشدّق بأنها حامية الحضارة، بينما تمدّ يدها لمغتصبٍ ينسف القوانين الدولية ويدوس قرارات الأمم المتحدة. أيّ حريةٍ تلك التي تُجزَّأ على مقاس المصالح؟ وأيّ عدالةٍ تُباع في أسواق السياسة بأبخس الأثمان؟ إنّ ما يجري اليوم هو سقوطٌ أخلاقيٌّ مدوٍّ لكلّ من يتغنّى بحقوق الإنسان وهو يبرّر الاحتلال، ولكلّ من يتحدّث عن السيادة وهو يبرّر ضياعها.

لقد تحوّل الخطاب الرسمي في هذا العالم إلى نفاقٍ ممنهج، تُرفع فيه شعارات الحرية والسيادة بينما يُدفن معناها في فلسطين، ويُختبر صدقها عند كلّ ظلمٍ ولا تجد لها أثرًا. وفي المقابل، يخرج صوتٌ وحيد لا يعرف التزييف ولا المساومة: صوت المقاومة والثورات، تلك التي بقيت وحدها تعبّر عن الضمير الإنساني حين سقطت الأقنعة وتهاوت الشعارات.

وحدهم المقاومون من لا يزالون ينطقون بلغة الحقّ، ويدافعون عن العدالة التي خذلتها الأمم، وعن الكرامة التي خانتها العواصم. ومن المفارقات المؤلمة أنّ الذين يُوصمون بالإرهاب هم من يقفون على الضفة الصحيحة من التاريخ، بينما يُمنح المعتدي شرعية الدولة وحقّ تقرير مصير الآخرين.

فلتصمت إذًا هذه الأنظمة التي تبيع الكلام في أسواق الدبلوماسية، ولتخرس تلك الدول التي تتحدث عن الحرية بقدر ما تشتري من النفط والسلاح. إنّ من يشاهد الكنيست يناقش ضمّ الضفة الغربية ولا يتحرّك، إنما يشارك في الجريمة بصمته، ويكتب شهادة وفاته الأخلاقية بيده.

إنّ التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولن تُمحى من ذاكرة الشعوب تلك اللحظة التي قرّر فيها العالم أن يصمت أمام عدوانٍ على الإنسانية جمعاء. سيكتب التاريخ أنّ المقاومات، لا الأنظمة، كانت هي الصوت الوحيد الذي ظلّ يقول “لا” في وجه القبح والعدوان.

فليصمت المنافقون، وليتكلّم فقط من يملك شرف الموقف، فالأوطان لا تحميها الخطب ولا البيانات، بل الرجال الذين آمنوا أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح، وأنّ العدالة لا تُستورد من مجلس الأمن، بل تُصنع في ميادين المقاومة.