خُدعة جديدة وملهاة لإطالة أمد الحرب..... توقّعات وسيناريوهات

المُعضلة تبقى بيد نتنياهو وحكومته الائتلافية التي ترفض أيّ مسار تفاوضي إلا بتحقيق معادلاتهم في غزة والمنطقة، وإذا لم تتحقّق معادلاتهم بالتسوية فإن التصعيد هو سيّد الموقف.

  •  هل التصعيد هو سيّد الموقف في المنطقة؟
    هل التصعيد هو سيّد الموقف في المنطقة؟

قمّة قد تنعقدُ اليوم في حال استمرّت مُفاوضات انعقادها بين الوسطاء "أميركا، قطر، مصر" إذا لم يحدث عامل مُفاجئ يُلغي انعقادها لسدّ الفجوات التي واجهت تطبيق صفقة التبادل، تحديداً أنّ في كلّ حديث عن مفاوضات التهدئة يأتي نتنياهو ليضع عُصياً جديدة في دواليب الصفقة، آخرها وضع شروط تتعلّق بإبقاء "جيش" الاحتلال في ممر فيلادلفيا أو وضع أجهزة رقابة ذات بُعد أمني وتقني، وثمّة خيار آخر وهو بناء جدار فوق الأرض وتحته، وهذا الأمر يأخذ وقتاً طويلاً. 

لذا وجد نتنياهو أنّ الطريقة الأسلم والأقصر هي إبقاء "جيش" الاحتلال في الممر، ناهيك عن شرطه المُتعلّق بإبقاء "الجيش" في ممر نتساريم الذي يفصل المنطقة الشمالية عن الجنوبية لقطاع غزة لمنع بحسب "تصريحاته" مرور مقاتلي المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى شرطه وهو عدم إخراج الأسرى الفلسطينيين بنوعية مُعيّنة تُطالب بها المقاومة الفلسطينية، والشرط الآخر أنّ أيّ أسير يتمّ تحريره لن يبقى في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إضافة الى شرطه حول نفي قادة حماس إلى الخارج. 

إضافة إلى أقوال نتنياهو الذي أدلى بتصريحات مؤخّراً عبر "مجلة التايمز الأميركية" التي ذكر فيها "أودّ أن أرى إدارة مدنيّة يُديرها سُكان غزة وربما بدعم من الشركاء الإقليميين ونزع السلاح من جانب إسرائيل وإدارة مدنيّة مقبولة من جانب غزة"، وأشار إلى أنّ "الحرب لن تتوقّف إلا إذا ألقت حماس سلاحها واستسلمت وذهبت إلى المنفى". وأشار إلى نُقطة مُهمة بأنه "لا يعتقد أنه سيقبل بصفقة لإطلاق سراح المُحتجزين من دون إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة". 

من هذه العبارات نستنبط أنّ نتنياهو "غير جاد" نحو الذهاب إلى مفاوضات اليوم، والبيان الذي خرج مُؤخّراً "الأميركي ـــــ القطري ـــــ المصري" جاء لوقف الردّ الإيراني من مُنطلق أن وقف الحرب على قطاع غزة قد يُساهم في وقف جبهات الإسناد في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ عدم الردّ الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية يعني وقف وتيرة الانزلاق إلى الحرب الإقليمية أو الشاملة التي لا يريدها أحد سواء إيران رغم تصميمها على الردّ لاسترداد كرامتها وحقّها، لكنّ وقف الحرب على غزة سيُساهم في محاولة عدم الردّ مقابل وقف العدوان على غزة لإنقاذ البُعد الإنساني، وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه في أرض غزة ووقف المجازر المتوالية التي هدفها تقليل عدد سكان القطاع وتهجيرهم.

أيضاً الولايات المتحدة الأميركية رغم تحشيدها لأجهزتها الدفاعية والهجومية والأمنية والاستخباراتية في المنطقة، ووجود حاملات الطائرات في أكثر من موقع في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها لا تُريد الانزلاق إلى حرب إقليمية لانشغال أميركا بالمعركة الانتخابية والإدارة الديمقراطية، وتحديداً "هاريس" نائبة بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية معنيين بوقف الحرب لتكون نقطة سياسية وإنجازاً تواجه بها ترامب مُرشح الحزب الجمهوري، حيث أن استمرار الحرب حتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل يعني احتمالية فوز ترامب، رغم أنه حتى اللحظة الحالية تُشير استطلاعات الرأي إلى أنّ هاريس تتفوّق على ترامب في عدد من الولايات المتأرجحة، واستطلاعات أخرى تُشير إلى أن هناك نسباً مُتساوية بين ترامب وهاريس، لكن هذا الأمر غير موثوق، فطبيعة استطلاعات الرأي لا تُقرأ نتائجها إلا قُبيل أسبوع واحد من المعركة الانتخابية النهائية.

حتى "إسرائيل" ذاتها غير معنية بالحرب، لكن نتنياهو معنيّ بترسيخ معادلات جديدة في المنطقة تبدأ من غزة من خلال ترسيخ "معادلة الهدوء مقابل نزع السلاح"، أما معادلته في المنطقة الشمالية فهي "معادلة الهدوء مقابل إبعاد حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني أكثر من 15 كيلومتراً"، أما معادلته في منطقة الشرق الأوسط فهي "معادلة الهدوء مقابل تقويض حلفاء إيران في المنطقة، وصولاً إلى تقويض مشروع إيران النووي". 

لذا نتنياهو الوحيد إذا شعر أنّ المعادلات لا تتحقّق عبر التسوية فإنّ "التصعيد سيّد الموقف"، حيث أنّ النُقطة الخلافية بين أميركا و"إسرائيل" هي أنّ نتنياهو مُصمّم على تقويض مشروع إيران النووي، أما أميركا فمعنية بإبرام اتفاق نووي تحديداً الإدارات الديمقراطية وهذا يرفضه نتنياهو كلياً.

فيما يتعلّق بمسار المفاوضات ما هي إلا ملهاة لإطالة أمد الحرب حتى يُحقّق نتنياهو معادلاته، ليس لحماية واقعه الشخصي وحكمه السياسي فقط وإنما لتحقيق معادلة أمنية جديدة لحماية وجود "إسرائيل" في المنطقة الذي أصبح مُهدّداً من عدة اتجاهات، وهدف نتنياهو إزالة أيّ شيء يُهدّد أمن "إسرائيل" القومي، إضافة إلى إنهاء التنافس فيما يتعلق بـ "المشروع النووي الإيراني" الذي اقترب من الوصول إلى العتبة النووية.

لذا تأتي التوقّعات من مُعطيات رؤية نتنياهو أنّ قطاع غزة سيبقى ضمن حلقة مفرغة من الحرب المستمرة حتى يتمّ نزع السلاح أو استسلام حماس أو اغتيال السنوار إن فشلت مُعطيات الصفقة ضمن مرحلتها الأولى، تحديداً أن نتنياهو قد يقبل بالمرحلة الأولى فقط فهدفه إخراج الرهائن، لكن ليس للأمر علاقة بوقف الحرب المستدام التي أهدافها لم تتحقّق بعد، والدليل ضرب صاروخ من قطاع غزة وقبلها من خان يونس على "تل أبيب". هذه إشارة إلى أن الصواريخ ما زالت موجودة في عُمق القطاع، وأن المقاومة صامدة حتى اللحظة، تضاف إلى مؤشرات هذا التوقّع تصريحات سموتريتش الذي يرفض دوماً الصفقة جملةً وتفصيلاً.

أما التوقّع في منطقة الشمال فإنّ جبهات "الإسناد" تحوّلت إلى جبهة "مواجهة" في أي لحظة إذا لم يبتعد حزب الله وقوة الرضوان بالخيار السياسي إلى ما بعد نهر الليطاني بحسب ما تريده "إسرائيل" والذي يرفضه حزب الله، فإنها آجلاً أم عاجلاً ستتبع الخيار الحربي والعسكري حتى تتمّ عودة المستوطنيين إلى أماكن سكنهم وإقامة منطقة آمنة عازلة في الشمال.

أما التوقّع في منطقة الشرق الأوسط فستبقى الجهود السياسية لاحتواء الردّ الإيراني والتأثير على الموقف الايراني حتى لا يتمّ الردّ وفتح باب المفاوضات مُقابل عدم الرد، فإذا رفضت إيران ذلك فإنّ "قلب الطاولة" هو سيّد الموقف، لكن ما دام محور المقاومة مُتفقاً على آلية الرد بشكل موجع وبنوعية يعمل على ردع "إسرائيل" عن أفعالها، ولكن المحور يُؤجّل الردّ بشكل تكتيكي إلى حين أن تنتهي مرحلة المفاوضات والتي تبدأ فعلياً من إنهاء الحرب على غزة.

 لكن المُعضلة تبقى بيد نتنياهو وحكومته الائتلافية التي ترفض أيّ مسار تفاوضي إلا بتحقيق معادلاتهم في غزة والمنطقة، وإذا لم تتحقّق معادلاتهم بالتسوية فإن التصعيد هو سيّد الموقف، أو البقاء على حروب المواجهة المباشرة وغير المباشرة من دون الانزلاق إلى حرب إقليمية ضمن أسقف محدّدة وضوابط مضبوطة، وهذا لا يقبله المحور بإبقاء الحال على وضعه الحالي وإبقاء المجازر متوالية على أهل غزة وأرض غزة.