المحور المقاوم لا يريد حرباً إقليمية؟

منذ بداية طوفان الأقصى فجر السابع من أكتوبر وانتشار الأطلسي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، هرعوا لطمأنة "إسرائيل" عقب الفاجعة التي ألمت بهم والهزيمة النكراء التي تعرضوا لها بساعات.

  • لماذا لا يريد المحور حرباً إقليمية؟
    لماذا لا يريد المحور حرباً إقليمية؟

طوفان الأقصى ربما هي المعركة الوحيدة في التاريخ التي بدأت بنصر ومن ثم بدأت الحرب؛ خيار الحرب الإقليمية مطروح على الطاولة منذ البداية، لكن التلويح بها لم يكن من جانب المحور المقاوم، بل كان تلويحاً بعصا أميركية غير قادرة على الضرب بها (لأسباب سنفرد لها مقالاً كاملاً – الجانب الأميركي)، لكن أهمها أنه منذ 2017 وأميركا تسعى للانسحاب من المنطقة لدواعٍ أكثر أولوية لها، الصين "الخطر الوجودي كتصنيف أميركي". 

وبالفعل، كانت المنطقة ترتب على هذا الأساس. الاتفاقات الإبراهيمية جزء من ترتيب المصالح الأميركية. الخطوة الأخيرة كانت سلاماً سعودياً – إسرائيلياً.

كان على وشك أن ينضج إكمالاً للترتيبات. أتى طوفان الأقصى بتوقيت غير محسوب للأميركي أعاد خلط الأوراق من جديد، ثم بدأت الكرة بالتدحرج؛ جبهة شمال فلسطين المحتلة مع لبنان، تلاها جبهة اليمن في البحرين الأحمر والعربي، ثم المقاومة العراقية والسورية والاستهدافات المباشرة للقواعد الأميركية المنتشرة.

هذه المعطيات لا تنم عن تحليل ومتابعة فحسب، إنما هي كلام مراكز بحوث ودراسات أميركية، ومنها تسريبات. لندع كل هذا جانباً ولنقم بإعراب واقع منطقتنا بمرور سريع على الأحداث الجوهرية التي كانت تستدعي منطقاً أميركاً في التعامل معها بحزم أكثر من ذلك.

 جبهة اليمن

 فتحت اليمن عبر أنصار الله جبهة واسعة، ليس باتجاه "إسرائيل" فحسب، بل بمضيق باب المندب. هذا بالنسبة إلى أباطرة البحار، كأميركا وبريطانيا، ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو تجاوز غير مقبول، ولا يمكن السكوت عنه البتة، لكن ما لا لحظناه أن الرد الأميركي جاء عبر تحالف صوري "حارس الازدهار"، وضربات لم ترتقِ إلى مستوى الفعل اليمني، بل أكثر من ذلك كان هناك حرص على أن تكون الضربات غير مؤذية، وهذا واضح لمن يود قراءة بين سطور الفعل ورد الفعل، والنتائج أن السيطرة على المضيق مستمرة.

جبهة العراق وسوريا

استهدفت المقاومة العراقية والسورية القواعد الأميركية المنتشرة في المحيط الجغرافي العراقي والسوري، إضافة إلى استهداف "إسرائيل" بشكل مباشر، عن القواعد الأميركية الاستهدافات كانت أبلغ من الردود الركيكة، وهذا لا يدل على شخصية أميركية تريد أن تتجذر بالمنطقة. في النتيجة، هذه الولايات المتحدة شئنا أم أبينا .

جبهة لبنان 

الأساطيل الأميركية والتحشيدات الغربية هدفها، كما بات واضحاً، ضبط إيقاع. اكتفت أميركا في لبنان بالضغط الدبلوماسي الذي لم يغير شيئاً من تكتيك المقاومة في جبهتها المساندة لغزة، دون أن يتمكن الأميركي وغيره من المبعوثين سوى النزول عن شجرة الوتيرة التي بدأوا بها، ولم تفعل أميركا شيئاً، والمقاومة مستمرة بالإسناد بالوتيرة التي تراها مناسبة من دون التراجع قيد أنملة.

أكبر تحدٍ لاندلاع حرب إقليمية 

عند استهداف "إسرائيل" للقنصلية الإيرانية في دمشق، كان الجو يوحي بعد التصريحات الإيرانية على أعلى المستويات القيادية بأن الرد حتمي. سارعت الولايات المتحدة إلى التصريح "بأنه عمل متهور". الأجواء تلبدت قليلاً، واضعة نصف تقديرات المواقف خلفها، وأتى الرد الإيراني الصرف، والكل يعلم أنه آتٍ، لكنه أتى بإضافة تغيير إلى قواعد الاشتباك، وليس ما يستدعي اندلاع حرب شاملة في المنطقة. أتى كتوبيخ.

لماذا لا يريد المحور حرباً إقليمية؟!

بالنسبة إلى جذرية الصراع، واضح من هو المناصر للقضية الفلسطينية ومن هو غير مناصر لها، كما أنه أيضاً برز في ساحات الميدان التكتيكية من هو جدي في المواجهة ومن هو غير جدي فيها، ولكن يقول تسو تزو في كتابه فن الحرب "أن أعظم الحروب هي التي تنتصر بها دون خوضها". من الطبيعي أن تزو لا يقصد مقارعتنا "إسرائيل"، لكنه أبلغ توصيف لواقع الحال، لماذا؟

 الحرب الإقليمية غير ضرورية بعد التغيير الواضح في فلسفة الصراع. المحور لم يعد يهمه مقارعة الجغرافيا على الطرق الكلاسيكية التقليدية، لأننا بعد قاعدة "اعرف عدوك"، بدا واضحاً أن موته خنقاً أنجع من إشعال حرب يدمر بها الجميع ويتكلف بها الجميع، إضافةً إلى أنها ليست الخيار الوحيد الحتمي، وليست أداة شَرطية للتحرير. الحالة التفكيكية لبنية هذا الكيان المارق أثبتت أنه أولاً ليس استثناء للقاعدة التاريخية لأي كيان إحلالي استيطاني، وأثبتت القراءات المعمقة أن خيار انتحار الدولة لديه مطروح باعتبار علة نشأته قائمة على لمّ الشتات.

وعلى مر سنوات من الانتصارات على العرب، أيقن المستوطن المهاجر أنه في دولة نوعية، اقتصادياً ومعيشياً وعسكرياً وصناعياً، ومحمي بالكامل من أي أخطار ويعيش في "أرضه الموعودة".

كل هذا كان صحيحاً، لكن البارز اليوم هو اختلاف جذري في سبل المواجهة، وأن ما كان عليه منذ عقود لم يعد قائماً، بل حتى إنه مهدد من عدة اتجاهات، منها البنيوية الداخلية، ومنها الخارجية، والمستوطن أساساً لديه ترف المغادرة، فالجنسية الإسرائيلية مستحدثة بالنسبة إليه. وبطبيعته البنيوية السيكولوجية، هو رجل مال وأعمال، وبمجرد مغادرة رأس المال الذي بطبيعته جبان، حتى انهار الهيكل على رأس من لا يملكون خيارات كثيرة، وهم أصلاً قلة. خلاصة المشهد دون إطالة هو ما يقولونه هم: "لم يعد الإسرائيلي يشعر بالأمان". هذا بحد ذاته كإبلاغ الطبيب للمريض للمرة الأولى أنه يعاني من السرطان .

أعلم أن هذه الأسطر ليست كافية، ولا بد من كتاب يشرح وهن هذا المسخ، لكن المحور كله متفق وراضٍ في السير على طريق النجاعة بالعبور تكتيكاً نحو الهدف الاستراتيجي.

من دون مبالغة، الإسرائيلي في هذه الحرب استهلك وقدم أفضل ما عنده، والنتيجة صفر مكعب من الإنجازات، أما أضراره، التي نمتلك جزءاً من معطياتها على المستويات كافة، إلا أننا ننتظر أن ندينهم من أفواههم... ولربما كان تصريح بن غفير كافياً في الدلالة "مسخرة".