القوى المؤثرة في مستقبل "إسرائيل"

هشاشة الكيان العسكرية والأمنية والمجتمعية وغيرها فاجأت كل العالم، بمن فيهم من قام بتخطيط وتنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، ولكنها صدمت القيادات الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.

  • وجود هذا الكيان بشكله وعقيدته وممارساته أصبح عبئاً ثقيلاً.
    وجود هذا الكيان بشكله وعقيدته وممارساته أصبح عبئاً ثقيلاً.

كثيرةٌ هي الآراء والمقالات والندوات التي تؤكد أن ما بعد عملية "طوفان الأقصى" ليس كما قبلها، ونحن نتفق مع معظم تلك الآراء، بل نضيف عليها أن العالم كله بعد تلك العملية ليس كما قبلها، وخصوصاً منطقة شرق المتوسط. وهنا، سنحاول مناقشة هذا الرأي ضمن إطار واحد فقط هو مصير الكيان الصهيوني المؤقت بعد العملية.

صحيح أن هشاشة الكيان العسكرية والأمنية والمجتمعية وغيرها فاجأت كل العالم، بمن فيهم من قام بتخطيط وتنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، ولكنها صدمت القيادات الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تعتقد أنها حصنت هذه القاعدة التي سمتها "إسرائيل" لتكون قلعتها الصهيونية المتقدمة والقوية في المنطقة، وصدمت اللوبيات والشركات والمؤسسات التي عملت لعقود على دعم الكيان، فكانت النتيجة أن ما بنوه ودعموه انهار خلال ساعات فقط أمام المئات من المقاتلين المحاصرين منذ سنوات. وهنا، كما نعتقد، انقسم الصراع الآن بين 4 تيارات رئيسية متباينة القوى، ولكنها معنيةٌ بوجود هذا الكيان أو بزواله.

التيار الأول هو الدولة العميقة والثابتة برغم تغير الإدارات الأميركية، إذ إن هذه الدولة، ومنذ تحييد بريطانيا عن التأثير في إدارة الكيان المؤقت، تفردت بتلك الإدارة، وذلك باعتبارها صانعة السياسات الأميركية والمسيطرة عليها، من خلال نفوذها القوي والمهيمن نتيجة ثقل أقطابها، سواء كانت هذه الأقطاب شركات صناعة وتجارة الأسلحة والذخائر أو شركات تجارة النفط أو غيرهما.

وبما أن قوة واستمرار فاعلية هذه الأقطاب لا يتحقق إلا بأمرين، أولهما السيطرة على معظم ثروات العالم، وخصوصاً النفطية منها، وثانيهما هو إبقاء العالم بحالة توتر وصراع وحروب، لذلك كان ولا يزال من الضروري وجود الكيان كقاعدة تساعد في تحقيق هذين الهدفين.

من هنا، فإن هذا القطب هو المعني الأول بالدفاع عن الكيان، حتى بدماء الجنود الأميركيين، وهذا ما حصل في حرب تشرين عام 1973، حين شكل جسراً جوياً تدخل بنتيجته الدبابات والجنود الأميركيون إلى ساحة القتال بشكل مباشر وفوري ضد الجيش السوري. والأمر نفسه تكرر بعد عملية "طوفان الأقصى"، إذ وصلت البوارج وحاملات الطائرات الأميركية خلال ساعات إلى مياه المتوسط، بما فيها السفن التي تحمل السلاح النووي. وبطبيعة الحال، فإن هذا التيار يرى أن قوته واستمراره هو رهن وجود الكيان الصهيوني. لذلك، سيدافع عنه حتى الرمق الأخير.

التيار الثاني هو اللوبي الصهيوني، وهذا الطرف عماده رأس المال والعقيدة الصهيونية المتطرفة ودعم الكثير من شعوب وقادة العالم الغربي، بمن فيهم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الذي أعلن بكل صراحة أنه صهيوني. هذا التيار قد يختلف بالتكتيك مع التيار الأول، ولكنه يتلاقى معه بالاستراتيجيا التي تحتم وجود الكيان الصهيوني كطرف مهيمن بالقوة على كامل المنطقة. ولذلك أيضاً، فهذا التيار معنيٌ بالدفاع عن الكيان بكل سلطته وماله ونفوذه.

التيار الثالث هو اللوبي اليهودي المتطرف الذي يقوم على قوة المال وعلى العقيدة الدينية المتطرفة، والذي يتبنى مقولة أن الله وعدهم من خلال التورات بدولة سموها أرض الميعاد تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل. ومن الملاحظ أن أحزاب هذا التيار الموجودة في فلسطين المحتلة هي التي تسيطر الآن على الحكومة الإسرائيلية، وتقوم بتوظيف قوتها السياسية للتحكم في مفاصل الحكم، الأمر الذي يمكنها من التأثير في هوية "إسرائيل" بشكل مطلق.

 وبما أن هذا التيار يتمسك بالنصوص التي يقول إنها وردت في التوراة والتلمود، ويعمل بتعاليم الحاخامات، ويجمع على أن الله وعدهم بدولة على أرض فلسطين، لذلك سيقاتلون حتى النهاية لتحقيق هذا الهدف على أنه وعد إلهي غير مكترثين بالعدل ولا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، بما فيها حق العيش. لذلك نراهم الآن يقومون بتلك الإبادة الجماعية في فلسطين كخطوة لتنفيذ أمر ربهم كما يعتقدون.

التيار الرابع، وهو التيار اليهودي "المعتدل". هذا التيار يعتمد على أسس جيدة مثل الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. صحيح أنه التيار الأضعف والأقل تأثيراً في مستقبل الكيان، ولكن نجاحه بالتعاون والتنسيق مع بقية أطياف المجتمعات الغربية، وخصوصاً الجاليات العربية، ساهم ولا يزال في تصحيح الصورة الشعبية الغربية التي رسمتها بقية التيارات حول "إسرائيل" وأضاء على مظلومية القضية الفلسطينية. وقد يكون مؤثراً في التظاهرات التي تجري حالياً في الغرب، وخصوصاً في ميادين الجامعات.

ومن الملاحظ أن تأثير هذا التيار يكبر بشكل سريع وواسع. ولعل الغالبية فيه تعتقد أن وجود هذا الكيان بشكله وعقيدته وممارساته وجغرافيته أصبح عبئاً ثقيلاً وعاملاً خطيراً، ليس على داعميه أو على اليهود فقط، بل على معظم دول العالم أيضاً.

أخيراً، وبما أن الضعف العابر لا يغير الحق الثابت، وبما أن تيار محور المقاومة هو التيار الأكثر قدرة على تغيير واقع الكيان المؤقت، وبما أن هذا التيار تجاوز مرحلة الضعف العابر ليدخل مرحلة القوة الفعالة في الدفاع عن حقها الثابت، ولا سيما أن المحور بات مدعوماً من قِبل دول عظمى تعمل بشكل دؤوب على تغيير نظام القطب الواحد، وبما أننا نؤمن بقدرات هذا التيار، لذلك نعتقد أن القول الفصل سيكون له في مستقبل بيت العنكبوت الذي يقبع فوق أرض فلسطين.