الزيارة الاستراتيجية لرئيسي إلى الرياض: نحو تشكيل تحالف وتكتل إسلامي لدعم غزة

انخرطت طهران وبشكل فعّال بمحادثات صريحة وجدية مع السعودية، وهما اليوم يتجهان نحو بناء شراكة استراتيجية ترجّح التنمية على التنافس الجيوسياسي.

  • رئيسي في السعودية.
    رئيسي في السعودية.

تقام الأحد قمة طارئة واستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في الرياض لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد دخول هذا العدوان يومه الـ36. وتأتي القمة في ظلّ تحوّل دراماتيكي في الحرب على غزة، إذ تقوم "إسرائيل" بمحاصرة أغلب المستشفيات في القطاع لإخراج القطاع الصحي عن العمل بشكل تام. وكما تأتي هذه القمة الهامة غداة قمة عربية أخرى بناء على طلب كل من السعودية وفلسطين، أقيمت السبت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر في العاصمة السعودية الرياض. 

يحضر الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" شخصياً القمة الإسلامية في الرياض، مما يطرح العديد من التساؤلات حول الأهمية الاستراتيجية لمشاركة الرئيس الإيراني في هذه القمة، وتداعيات التعاون الإسلامي المشترك على مستقبل الحرب الشعواء ضد قطاع غزة، ومستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ودور الدول الإسلامية في هذا الصراع.

زيارة استراتيجية واستثنائية

يمارس العدو الصهيوني حرب إبادة جماعية ضد شعب فلسطين في قطاع غزة، وعلى الرغم من أن محور المقاومة بمجموعاته وفصائله المختلفة ساهم من الناحية العسكرية بحفظ جميع الجبهات الإسرائيلية مشتعلة، سواء في الجبهة الشمالية في الحدود مع لبنان أو في جبهات اليمن وجنوب سوريا والعراق، إلا أن الموقف السياسي العربي والإسلامي كان ضعيفاً للغاية. وظهر هذا الضعف على مستوى الاجتماع السابق لمنظمة التعاون الإسلامي في 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث فشلت الدول الإسلامية في إقناع العالم بممارسة ضغوط على "إسرائيل" لوقف إطلاق النار. 

كما فشلت المجموعة العربية في الأمم المتحدة كذلك بتحقيق هدنة إنسانية في قطاع غزة. وبالطبع يعود إفشال جميع هذه الجهود إلى الموقف المخرّب للولايات المتحدة التي ترفض أي عملية وقف لإطلاق النار، وتصرّ على دعم "إسرائيل" بشكل غير مشروط في جرائمها اليومية في غزة.

في ظلّ ذلك، قرّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المشاركة في القمة المقبلة في الرياض للإعلان عن أن إيران لا توفّر جهداً في التعاون مع الدول الإسلامية لوقف إطلاق النار، ووقف الجرائم الإسرائيلية ضد غزة. وهذه هي الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى السعودية منذ آب/أغسطس 2012. وتدلل هذه الزيارة كذلك على أن قضية قطاع غزة والانتهاكات التي يتعرّض لها المسلمون هناك تقع على رأس أولويات الجمهورية الإسلامية في إيران، ولذلك ستكون المشاركة بأعلى مستوى دبلوماسي.

قبل أيام زار رئيس الوزراء العراقي السوداني طهران حاملاً معه رسالة أميركية تحثّ طهران على البقاء على الحياد في الأزمة الحالية. ولكن القائد الأعلى للثورة الإسلامية قرأ ما خلف السطور في هذه الرسالة، وهو يعلم جيدأ بأن ما تطلبه الولايات المتحدة هو أكثر من البقاء على الحياد. الولايات المتحدة و"إسرائيل" تريدان الاستفراد بالشعب الفلسطيني وتصفية قضيته إلى الأبد. إن القائد الأعلى يفهم جيداً حجم المؤامرة التي تحاك ضد فلسطين، ويقرأ جيداً حجم المساعدات المالية والعسكرية الأميركية لـ "إسرائيل"، هذه المساعدات التي حوّلت الولايات المتحدة إلى شريك أساسي في التصفية العرقية للشعب الفلسطيني في غزة. 

ولذلك عبّر القائد الأعلى عن موقفه من هذا الصراع بالقول لرئيس الوزراء العراقي بأن: "الكيان الصهيوني لم يكن بامكانه مواصلة القتال لولا الدعم العسكري السياسي الأميركي له، كما أن واشنطن تعتبر شريكة الصهاينة في جرائمهم ضد غزة".

ولذلك، وفي الوقت الذي يهدّد فيه وزير التراث الإسرائيلي بضرب غزة بالقنابل النووية، وفي الوقت الذي ترسل فيه الولايات المتحدة حاملات الطائرات "جيرالد فورد" و"يو أس أس أيزنهاور" والغوّاصة النووية "أوهايو" إلى منطقة الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي تبلغ فيه إدارة بايدن الكونغرس الأميركي بأنها سترسل قنابل دقيقة بقيمة 320 مليون دولار إلى "إسرائيل"، يقرّر إبراهيم رئيسي المشاركة في القمة الإسلامية شخصياً للتدليل على خطورة الموقف من جهة، ولقيادة جهود إسلامية بمشاركة الدول الإسلامية الفاعلة مثل السعودية لوقف الجرائم بحقّ الشعب الفلسطيني.

إعادة الحسابات السعودية

قبل أيام من العملية التاريخية لطوفان الأقصى، صرّح القائد الأعلى بتصريح مرتبط بعملية التطبيع العربي-الإسرائيلي. وبالاستناد إلى المثل العربي القائل: "في العصور القديمة كانت النصيحة تساوي جملاً"، فقد شبّه القائد الأعلى الساعين إلى التطبيع مع العدو الصهيوني بمن يراهن على الحصان الخاسر. لم تحمل كلمات القائد الأعلى أي لغة تهديدية أو لغة تحذيرية، بل كانت كلماته عبارة عن نصائح مهمة لدول الجوار للحيلولة دون وقوعها في فخ التطبيع مع الكيان الصهيوني. 

وهنا تجب الإشارة إلى أن الحديث عن قرب تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل" اقتصرت على وسائل الإعلام الغربية، إذ كان واضحاً للغاية بأن النقاط الخلافية بين السعودية و"إسرائيل" كانت ستحول دون عقد الصفقة لسنوات عديدة. 

لقد أظهرت الوحشية الإسرائلية تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كيف أن "إسرائيل" لا تبحث عن شركاء في منطقة الشرق الأوسط، بل هي تبحث عن توابع لها. إذ أن جلّ ما تريده هو الاستفراد بالشعب الفلسطيني ومنع الدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية من تحقيق أيّ مكاسب سياسية، كالتوافق على عقد هدنة إنسانية لإيصال المساعدات إلى القطاع وأهله. 

لقد فهم صانعو السياسة الخارجية السعودية وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان الذي يؤمن بالواقعية السياسية، بأن "إسرائيل" بوصفها عاملاً مزعزعاً للاستقرار الإقليمي، وبوصفها الرافض الأكبر لعملية السلام وإحقاق الحقوق، ستكون كذلك عائقاً أمام تحقيق رؤية السعودية 2030، والتي بناها ولي العهد السعودي على أولوية التنمية والازدهار والتنويع الاقتصادي. 

وعلى عكس "إسرائيل"، لقد انخرطت طهران وبشكل فعّال بمحادثات صريحة وجدية مع السعودية، وهما اليوم يتجهان نحو بناء شراكة استراتيجية ترجّح التنمية على التنافس الجيوسياسي، ولذلك فقد أصبح واضحاً بأن مشروع التطبيع مثله مثل مصير نتنياهو السياسي ولّى إلى غير رجعة.

من جهة أخرى وبالاستناد إلى التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة التي تحضّ على استخدام سلاح يوم القيامة (السلاح النووي) ضد قطاع غزة، فقد فهمت السعودية رفض "تل أبيب" المطلب السعودي المحوري في المفاوضات مع الولايات المتحدة، والذي تمثّل بضرورة حصول الرياض على برنامج نووي سلمي مخصص للأغراض السلمية. 

إن ما تحاول أن تقوم به "إسرائيل" هو الحفاظ على التفوّق العسكري في المنطقة، وهي أبداً لم تتخلَ عن حلم قيام "إسرائيل" الكبرى من النهر إلى النهر، ولذلك فهي لم ولن تتوانى عن استخدام السلاح النووي ضد أي دولة (حتى ولو كانت السعودية نفسها) تخالف الطموحات التوسعية الإسرائيلية، أو تخالف الجرائم التي ترتكبها على الأراضي الفلسطينية. ولذلك فإن منع الدول الإقليمية وعلى رأسها السعودية من امتلاك برنامج نووي سلمي يعتبر خطاً أحمر لن تتراجع عنه "إسرائيل" أبداً.

ختاماً، تعتبر مشاركة رئيسي في القمة الإسلامية في الرياض تجسيداً عملياً للسياسة الخارجية الإيرانية التي رسمها إبراهيم رئيسي وباركها القائد الأعلى، والتي قامت على أساس "دبلوماسية الجوار"، إضافة إلى التحرّك لبناء تحالف إسلامي قوي ومستدام يدافع عن القضايا الإسلامية المشروعة حول العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

إن مشاركة إبراهيم رئيسي ستكون مشاركة تاريخية واستنثائية، كونها تتحرّك نحو تشكيل دعوة إسلامية موحّدة بقيادة إيران والسعودية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووقف عمليات القتل الجماعي بحق الشعب الفلسطيني، وكونها مقدّمة هامة نحو إفشال مشروع التطبيع العربي-الإسرائيلي الذي ترغب الولايات المتحدة و"إسرائيل" من خلاله بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين. كما قد تكون هذه المشاركة منطلقاً نحو تعاون مستمر ودائم بين الدول الإسلامية قد يفضي إلى تحالف إسلامي قوي ومتماسك.