الرسالة الإيرانيّة وصلت... والردّ على الردّ حتميّ

الهجوم الإيراني بعد استهداف القنصليّة نقل الصراع إلى مستوى آخر. فما هي إذاً تداعيات الردّ الإيراني على أمن واستقرار المنطقة؟ 

  • محور المقاومة على موعد مع تعقيدات أكبر بعد انتهاء الانتخابات الأميركية.
    محور المقاومة على موعد مع تعقيدات أكبر بعد انتهاء الانتخابات الأميركية.

ليل 13 نيسان/أبريل 2024 كان حامياً على الكيان المؤقت. الاستنفار الأمني والعسكري وإيقاف الملاحة البحريّة والجويّة لم يقتصر على الكيان فقط بل على منطقة الشرق الأوسط بالكامل خوفاً من الردّ الإيراني على استهداف قنصلية إيران في دمشق. فلم تشهد منطقة الشرق الأوسط استنفاراً كاملاً على المستوى العسكري والأمني وإيقافاً للملاحة الجويّة كما حصل إلا إبّان اغتيال الجنرال قاسم سليماني عام 2020، وقبل حرب أكتوبر (1973).

بين اغتيال القائد سليماني واستهداف القنصليّة نقطة اشتراك، وهي مدى خطورة هذه الاستهدافات على الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي في المنطقة. غير أنّ الهجوم الإيراني بعد استهداف القنصليّة نقل الصراع إلى مستوى آخر. فما هي إذاً تداعيات الردّ الإيراني على أمن واستقرار المنطقة؟ 

خطورة مكان الاستهداف وليس التوقيت

في الأول من نيسان/أبريل استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي القنصليّة الإيرانية في دمشق موقعاً عدداً من الإصابات والشهداء، بينهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري العميد محمد رضا زاهدي وسبعة ضباط آخرين. 

سفير طهران السابق في الأردن ولبنان أحمد دستمالجيان، هاجم الاعتداء على القنصلية واعتبره حادثاً مفصلياً سيولّد تداعيات بارزة في المنطقة ويمهّد لمرحلة جديدة.

خطورة الاستهداف في مكانه وليس بتوقيته أو المستهدفين. فأراضي البعثات الدبلوماسيّة تخضع للحصانة الدبلوماسيّة الدوليّة ويعتبر استهدافها تهديداً لأمنها القومي، فجاء الردّ الإيراني سريعاً بعد 13 يوماً. 

الرّد من الأراضي الإيرانيّة

أتى ردّ إيران من داخل أراضيها لتأكيد حقّها المشروع في الدفاع عن النّفس، فقامت بإطلاق مئات المسيّرات وعشرات الصواريخ باتجاه الكيان المحتل في عمليّة أطلق عليها اسم "وعد صادق".

خلق الرد معادلة جديدة على الساحة الدوليّة تمّ إيصالها من خلال أسلوب الهجوم وهدفه، فأكّد قائد حرس الثورة اللواء حسين سلامي أنّ أيّ استهداف صهيوني لممتلكات ورعايا وشخصيّات ومصالح إيرانيّة في العالم سيقابل برد انطلاقاً من الأراضي الإيرانيّة.

الرّسائل الإيرانيّة وصلت

من الرسائل التي حملها الهجوم:

- إيران تستطيع إطلاق صواريخها إلى أراضي الكيان كافة وإصابة أهدافها بدقة من دون الحاجّة لاستخدام أراضٍ أخرى أقرب مسافة مثل اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان، متمسّكة بمشروعيّة حقها بالدفاع عن النفس. والأدلّة هي إطلاقها الصواريخ عن بعد 2000 كلم عن فلسطين، والصور التي أظهرت عبور الصواريخ والمسيّرات فوق الكنيست الصهيوني.

- إيران تستطيع استهداف كامل أراضي العدو في وقت واحد من "إيلات" إلى "كريات شمونه" إلى النّقب. والدليل صافرات الإنذار التي دوّت 720 مرّة خلال ساعات الهجوم، ما أحبط محاولات الكيان المحتل والولايات المتحدة التي سبقت الهجوم في رفع مستوى التوقّعات لتسخيف الردّ بعد حصوله.

- إيران استخدمت صواريخ خيبر4، الذي يبلغ مداه أكثر من 2000 كلم، ومسيّرات شاهد 136 التي تشكّل أحد أهم الترسانة الصاروخيّة.

- تحييد جبهة لبنان، رغم إطلاق مسيّرات من اليمن والعراق، هو للتأكيد أنّ لديها حلفاء لا أذرع تأتمر بها. وبأنّ الاعتداء هو على السّيادة الإيرانيّة ويستدعي رداً مباشراً منها. هذه الرسالة أوصلها الإيرانيون عند اغتيال سليماني حين توقّع الجميع أن يكون الرد عن طريق حزب الله في لبنان.

- كثافة الإغراق الصاروخي كان لإصابة قاعدتين عسكريتين، إحداهما القاعدة الجوية التي استخدمت للاعتداء على القنصلية. فأظهرت القدرات العسكريّة للترسانة الصاروخيّة.

الردّ على الردّ

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل سيتمّ الرد الصهيوني بطريقة تؤدي لاندلاع حرب إقليميّة؟

للإجابة لا بدّ من الالتفات إلى منظورين. الأول هو ما تظهره الصحف والتقارير الأميركيّة والصهيونيّة وبيانات المسؤولين الإيرانيين.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كتبت أنه "من غير المتوقّع حالياً أن تردّ "إسرائيل".. تمّ إلغاء هجوم مضاد محتمل بعد محادثة نتنياهو وبايدن". كما أنّ البيان الصادر عن الرئيس الأميركي بايدن بعد انتهاء الهجوم، بلغته الهادئة غير التصعيديّة، يشير ظاهراً إلى رفض أميركي لأيّ ردّ صهيوني. 

وزير الخارجيّة الإيراني أمير عبد اللهيان صرّح أيضاً، أن إيران لا تعتزم حالياً مواصلة العمليّة الدفاعيّة لكنّها لن تتردّد في حال مواجهة أيّ اعتداء جديد.

الاكتفاء بهذه الوقائع يظهر عدم الذهاب إلى حرب إقليميّة واسعة وتوقّع ضربات محدّدة منخفضة الحدّية. غير أنّ اكتمال الصورة يستدعي قراءة المنظور الثاني من الوقائع، وهو مراقبة مراكز النزاعات الثلاثة الأكثر احتداماً، وهي الصراع الروسي-الأوكراني وبحر الصين الجنوبي ومنطقة الشرق الأوسط.

إنّ إلغاء الهجوم الذي تحدّثت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد يكون ظرفيّاً إلى أجل قريبٍ أو بعيد وليس إيقافاً تاماً لمبدأ الرد، ومن هنا يمكن توقّع ردّ عنيف مباشر على الأراضي الإيرانيّة لمواقع حيوّية وبنى تحتيّة عسكريّة أو الترسانة الصاروخيّة. 

في هذا السياق، يُبطن بيان الرئيس الأميركي بايدن حقيقة التوجّه الأميركي التي لا تظهر من خلال القراءة الأوليّة للبيان. والدليل أتى في البيان نفسه حيث أكّد أنه يدعم الكيان المحتل في وجه "أيّ اعتداء" كما فعل أثناء الهجوم. ما يعني حصول الكيان المحتل على ضوء أخضر أميركي باستخدام أيّ وسيلة ممكنة في حال استهدافها مجدّداً، أو في عمليّة الردّ حتى لو كانت هي المعتدية، إضافة إلى دعم لوجستي وعسكري. 

أمّا نتنياهو فاستحصل على حجّة لتوجيه ضربة لإيران، خاصّة أنه بنى خطّه السياسي على فكرة مواجهتها وإنهاء برنامجها النّووي. فيمكن الاستنتاج أن الضربة كانت مقصودة لفتح جبهة، فإيران قامت بما لم يجرؤ أحد على القيام بمثله منذ العام 1948.

ولا يمكن إغفال القمّة الثلاثيّة التي حصلت منذ بضع أيام بدعوة من البيت الأبيض مع الفلبين واليابان، فقد شكّل اللقاء رسالة أميركيّة واضحة ضد أي تصعيد صيني مفادها "دعم وحزم مقصود"، كما جاء على لسان مسؤولة أميركيّة كبيرة في البيت الأبيض. وعد مصدر أميركي بإصدار بايدن تصريحات قويّة جداً بشأن وحدة اليابان والفلبين والولايات المتّحدة فيما يخص بحر الصين الجنوبي.

وللمناورة الإسرائيليّة-الأميركيّة مطلع السنة الماضية دلالتها، التي تشير إلى نيّة تصعيد أميركي وتنسيق كامل بين الطرفين في الميادين كافة.

كلّ ما سبق يشير إلى أن الولايات المتّحدة في مرحلة الهجوم ولن تتراجع أو تعود الأمور إلى سابق عهدها، وبالتالي التّصعيد على أكثر من جبهة سيكون سيّد الموقف. فمحور المقاومة على موعد مع تعقيدات أكبر بعد انتهاء الانتخابات الأميركية المقبلة حتى لو وصل ترامب إلى سدّة الرئاسة.