إنهم يختلفون على طريقة ذبحنا لا أكثر
ليس موضوع رفح سوى قضية اختلاف حول تصور تفصيلي بين شريكين في المعركة لطبيعتها، كما يمكن أن ينشأ الاختلاف ذاته مثلاً بين عضوي هيئة أركان العدو.
شارك بلينكن، في جولته السادسة في المنطقة، في اجتماع المجلس الحربي للعدو الصهيوني، تماماً كما فعلها أول مرة في أول جولة بعد 7 أكتوبر. كان واضحاً أن الاجتماعين، الأول والأخير، ليسا ضمن بروتوكولات مرعية بين الدول، بل بين شركاء في الحرب: يناقشون الخطط معاً، ويقررون معاً، بل ويقاتلون معاً.
الجسر الجوي لم يتوقف منذ 8 أكتوبر، والجسر البري من القواعد الأميركية المنتشرة في أراضي الأنظمة التابعة لم يتوقف، والبواخر المحملة بالذخائر أيضاً لم تتوقف. لكل ذلك، ولغيره، الإمبريالية الأميركية؛ التوصيف الأدق سياسياً وفكرياً للولايات المتحدة، شريك رئيس في حرب الإبادة ضد شعبنا.
ليست تلك المشاركة سوى لغرض نقاش طبيعة الحرب على شعبنا في غزة، والخطط والآليات وحجم الدمار وأعداد القتلى والنتائج العسكرية والتغطية السياسية والقانونية.
صفقة التبادل موضوع آخر. تلك قضية يحملها مدير المخابرات المركزية، ويتنقل بها بين العواصم التابعة للضغط على حماس والمقاومة لتحقيق التبادل، من دون وقف العدوان، ومن دون الانسحاب، ومن دون عودة النازحين. تلك قضية بيرنز. أما بلينكن، فلم يأتِ إلا للمشاركة في التخطيط للحرب على شعبنا في رفح.
ليس موضوع رفح سوى قضية اختلاف حول تصور تفصيلي بين شريكين في المعركة لطبيعتها، كما يمكن أن ينشأ الاختلاف ذاته مثلاً بين عضوي هيئة أركان العدو.
بالنسبة إلى نتنياهو، الكذاب الكبير كما يسمونه في الإعلام الصهيوني، والجعجاع الأكبر أيضاً، كما بدا خلال حرب الإبادة، فقد رفع سقف أهدافه كثيراً منذ البداية، فكانت المقاومة معولاً لدفن تلك الأهداف بتصفيتها وتحرير أسراه. أكثر من ذلك، إذ إنهم يتحدثون في الإعلام الصهيوني عن عودة 5 آلاف مقاتل للمقاومة إلى شمال القطاع الذي ادّعى الصهاينة مراراً أنهم انتهوا منه!
واليوم أيضاً، يعود لرفع السقف مجدداً في موضوع رفح (الانتصار المطلق على حماس هو عبر العملية البرية في رفح). تبدو رفح كأنها مخرجه من ورطته في وحل غزة ومقاومتها البطولية، وكأن لسان حاله يقول: لندخل رفح ولنعلن الانتصار المطلق ولننتهِ في الحرب. هذا سيوفر له، في تصوره، فرصة ادعاء "نصر ما" ينزله عن شجرة سقوفه العالية التي لم يحقق منها ما أعلن، وربما، بحسب ما يريد، يعفيه من دخول السجن لجملة القضايا الجنائية التي تلاحقه، فينقذ مستقبله السياسي؛ همه الأول والأخير.
أما بيت الإمبريالية الأميركية الأبيض فهو يريد أيضاً سحق حماس والمقاومة كما أعلنوا مراراً، ويريدون ضمان أمن "إسرائيل" كما أعلن بلينكن، ويريدون استعادة مكانتها وسمعتها وحمايتها مستقبلاً من نفسها كما قالوا، ولذلك يريدون "قتلاً أقل"، وهذا سيخدم محاولتهم استعادة ثقة الشارع والناخب الأميركي بهم، وخصوصاً داخل الحزب الديمقراطي.
يوماً ما، أعلنوا أن معدل 150 قتيلاً مدنياً فلسطينياً يومياً يمثل تغيراً في السلوك العسكري الإسرائيلي! كانوا كأنهم يهللون للرقم! كأن لسان حالهم كان يقول: لا بأس بـ150 إذاً، ولكن أكثر سيسبب الحرج لنا. شهداء شعبنا مجرد أرقام في حسابات المجرمين في البيت الأبيض وكيان الصهاينة.
ربما اجتماع بلينكن في جولته السادسة سيغير من تحليلات بعض المحللين عبر بعض الفضائيات الذين يبالغون كثيراً في حجم الاختلاف بين الإمبرياليين الأمريكيين والصهاينة. فليس هناك "أزمة تتعمق بين البلدين"، وليس هناك "تناقض سياسي"، ولا "خلافات جوهرية"، ولا "مرحلة جديدة في العلاقات"، كما يتردد. صدقية تلك التوصيفات لا بد من أن تدعمها مؤشرات حقيقية، فيما المؤشرات تدعم عكسها تماماً، والأهم استمرار الدعم العسكري والسياسي والدولي للإبادة والمشاركة فيها.
عندما يعلن البيت الأبيض وقف الجسور الجوية والبرية والبحرية لنقل الذخائر، وعندما يستصدر قراراً بوقف العدوان من مجلس الأمن تحت طائلة المطالبة بتطبيق البند السابع، وحين يسحب مستشاريه وخبراءه العسكريين ويقف الدعم الاستخباري، حينها يكون للتوصيفات أعلاه معناها.
غير ذلك هي بالحد الأدنى قراءة غير دقيقة لحجم التلاقح البنيوي بين الأيديولوجيتين والمشروعين الاستعماري الغربي الأبيض، وممثله الأبرز الولايات المتحدة، والصهيوني الأشكنازي.