ماذا ينتظر الخليج بعد الفخاخ الأربعة؟

آن الأوان لتصحيح خطيئة العزلة التي ارتكبها بعض الخليج بتوجيه أميركي وباتت العودة لحضن الأمة العربية الملاذ الآمن قبل فوات الأوان.

  •  الحدث الأخير فهو مفتاح المرحلة المقبلة لوضع حدّ لمخططات ستطال الخليج (أرشيف).
    الحدث الأخير فهو مفتاح المرحلة المقبلة لوضع حدّ لمخططات ستطال الخليج (أرشيف).

هذه اللحظة التي أرادتها أميركا طوال سنوات فجرّبتها في السعودية والإمارات والآن في قطر، ليست المرة الأولى التي تقع فيها بعض دول الخليج في فخّ الخداع والابتزاز الأميركي والإسرائيلي.

تعتبر دول الخليج من أكثر البلدان إنفاقاً في مجال التسلّح والتقنيات، حيث دائماً تسوّق أميركا لبعضها قصة "الوحش الإيراني" لتبقى تحت رحمة مبرّرات القواعد الأميركية هناك.

ارتكاز خطير

ارتكزت دول خليجية على سياسة دائمة غير قابلة للتغيير أو التعديل وهي أنّ إيران عدوّ وأنّ أيّ ثورات عربية في المنطقة ستكون مسماراً في نعش سيادتهم، وأنّ حقاً فلسطينياً في دولة مستقلة سيكون مدخلاً لخراب يحرق المنطقة، فذهبت دول هناك تتداعى لأخذ قرار مفصلي.

بات تركيز تلك الدول في تعزيز مجلس التعاون الخليجي على حساب جامعة الدول العربية التي بات إضعافها مهمة أساسية وتمهيدية لمخططات مهمة تراها بعض دول الخليج مفيدة لها لعزل ملفاتها عن العرب بتعزيز العمق الخليجي، وذلك للتخلّص من أعباء ومشكلات وملفات الدول العربية الفقيرة أو التي فيها حروب أهلية أو التي هي على تماس مع "إسرائيل"، ويرى الأميركي الهدف نفسه من تعزيز مجلس التعاون على حساب الجامعة أنه تمهيد للاستفراد بالدول العربية وتوسيع "إسرائيل" وتغيير خريطة "سايكس بيكو".

أما الأميركي فحرص كلياً على إبقاء الخليج تحت رحمته العسكرية والأمنية والسياسية وحتى الحياتية بحجة حمايته من الوحش الإيراني، فباتت استعارة الهيبة والسيادة والإنتاج والتسلّح هي سمة هذه الدول، فلا إنتاج فيها لسلاح ولا لغذاء ولا لدواء، حتى النفط بات تحت قبضة شركات أجنبية، وهذا نجحت فيه أميركا بشكل كبير، بينما انعزلت دول خليجية تدريجياً عن واقع العرب بإعلامهم وسياساتهم التي تبرمجت على أنها عواصم "اتفاقيات أبراهام" والوساطة والسلام والازدهار والمؤتمرات الدولية والحفلات والألعاب الرياضية.

وفي واقع الأمر هو تدجين أميركي باحتراف جعلهم معزولين بل ومقيّدين بكلّ ما يقرّره جنرالات القواعد الأميركية، فلا هم دول ولا سياسة ولا سيادة، حيث خالفت دولتان منهم وهما الإمارات والبحرين قرار جامعة الدول العربية الصادر في قمة بيروت 2002 بمنع إقامة علاقات مع "إسرائيل" إلا بعد تطبيق مبادرة السلام العربية التي تنصّ على قيام دولة فلسطينية مقابل التطبيع، وكانت دولة من المجلس وهي قطر فتحت علاقاتها مع "إسرائيل" منذ 1996، ما يؤكّد أنّ سياسة عزل الخليج عن الواقع العربي عميقة ليتمّ التحكّم في المشهد.

الفخاخ الأربعة

وعد الأميركي دولاً خليجية بالحفاظ على أمنها وجعل القواعد الأميركية على ترابها عنوان الأمان والازدهار، إلا أنه وفقط في ستة أعوام أثبت الأميركي أنّ أمن "إسرائيل" وقواعده هو ما يهمّه، فحفّز الخليجيّين على إطلاق عاصفة الحزم ضدّ اليمن ليضمن بيعهم السلاح وإشعارهم بالخوف دوماً بل وأوقعهم في الفخّ، حيث السعودية تعرّضت للقصف اليمني من دون ردع جويّ من الأميركي الذي يشرف على كلّ الدفاعات الجوية، وباتت "أرامكو" مسرح قصف يومي، بينما الآن يتمّ تفعيل كلّ هذه الدفاعات لمنع صاروخ متوجّه إلى "إسرائيل".

وفي فخّ ثانٍ باتت الإمارات مسرح قصف يمني وصل إلى مطار دبي ولم يمنع الأميركي هذا التهديد، بل واستخدمه لمزيد من الابتزاز، ولن نتحدّث عن اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي وأفراد الموساد الذين اخترقوا الأمن والسيادة.

وفي فخّ ثالث وقعت قطر؛ حيث تمّ ترويع الآمنين حينما باتت قاعدة "العديد" مسرح إجرام بتسليح الإسرائيلي الذي هاجم إيران ويصعّد الإبادة في غزة ويقصف دول الجوار، فكانت الدفاعات الجوية بمزاج الأميركي ليحمي قواعده.

وفخ رابع كبير واضح خطير له ما بعده وسيتكرّر وهو قصف إسرائيلي بسلاح أميركي خرج من قاعدة العديد وقواعد أميركا في الخليج؛ ليقتل ويصيب مواطنين خليجيين قيل لهم إنها قواعد أمن لكم، بينما قال ترامب وهو يتفقّدها إنها قواعد قوة لأميركا تجلب من خلالها من تشاء إلى طاولة الذئب في إطار السلام.

نأت بعض دول الخليج بنفسها عن ملفات شائكة في المنطقة العربية، وشارك بعضها في تفعيل الفوضى الخلّاقة ظناً منهم أنّ النار لن تصلهم وأنّ عواصمهم خليجية وليست عربية كي تصل إليها صواريخ أميركا بيد "إسرائيل"، جاءت ضربة قطر لتقول لكلّ الخليج "نحن نقصف عواصم العرب فأنتم ضمن اللائحة ولا تحديث على عالم ثالث في عيوننا حتى لو رصّعتم قواعدنا بالذهب".

ماذا بعد..

مما لا شكّ فيه أنّ بعض إعلام الخليج هو من أدخل إلى منازل العرب صوت الإسرائيلي المخادع بحجة السلام، وإعلامهم الذي جعل الطفل ينسى أنها خريطة فلسطين وبات لا يرى فيها إلا الضفة وغزة وبات اسمها "إسرائيل"، وإعلامهم هو الذي صرف مليارات الدولارات على تقزيم العلماء ورفع الراقصين والمثليّين واللقطاء وحفلات الغناء وتقديس الرويبضة، وإعلامهم من بات يسمّي الجاسوس كاتباً والخائن مؤرّخاً، وإعلامهم من كانت دعايته ضد الفلسطينيين في أهمّ محطات التحرّر أنهم جوعى واليأس يقتلهم، فكانت برامجهم "صناعة الموت" الموجّهة أميركياً وإسرائيلياً، وأنهم مَنْ فتحَ الأجواء والمياه والموانئ والاقتصاد لاحتلال باتت طائراته تكسر كرامة وتكشف هشاشة خطابات عن السيادة والدفاع.

لم يشفع لهم ذلك ولن يشفع، فخطط "إسرائيل" التوسّعية ستحرمهم أهم مرتكزات الحياة، ففي "إسرائيل" محاضرات تعلّم أجيالهم أنّ العربي يجب أن يعود للحمير والبغال وأنّ على شعب الله المختار أن يسيطر على آبار النفط وثروة الغلمان، في "إسرائيل" بات تفكير عميق بأنه كما ترامب يأخذ أموالهم فيجب أن نزيد مسار النار عليهم بالقوة فنأخذ ما نريد، ونتنياهو كرّرها عدة مرات "نحن سنحمي أيّ دولة ستكون معنا"، يعني أن تدفع لهم.

هذا الذي كان معزولاً يقاومه الفلسطيني باتت طائراته تضرب عواصم العرب وتمهّد لتوسّع الجغرافيا وأخذ الأموال.

كلّ هذا حدث، ولكن حتى لا يستمر بات لزاماً وفرضاً لحماية ما تبقّى من هيبة أن يستدرك قادة دول مجلس التعاون الخليجي أنّ المضادات الجوية والدبابات والطائرات والغذاء والدواء يجب أن يصنع في ديارهم، وأن تتوقّف فقاعة الوهم الذي عاشوه أنهم أرض الأمان، لا مكان آمن هناك وخاصة بعد فتح شهية الأميركي والإسرائيلي على أموال وثروات المنطقة، ومع اقتراب أزمة اقتصادية عالمية ستصبح دول الخليج أكثر استهدافاً وابتزازاً إذا لم تستعدّ من الآن بكلّ السبل.

أما على صعيد الحدث الأخير فهو مفتاح المرحلة المقبلة لوضع حدّ لمخططات ستطال الخليج، فلم تعد كذبة "الوحش الإيراني" تنطلي على شعوب الخليج، ولم تعد كذبة "الحليف الأميركي" مصدر أمن شخصي ونفسي واقتصادي لهم، ولذلك بانتظار ردّ حاسم سيبنى عليه شكل المنطقة، وأول تصحيح للمسار يكون بوقف حرب "إسرائيل" على الفلسطينيين ودول الجوار والتي سوّقتها عديد قنوات الخليج أنها حرب على حماس ومحور إيران، وهي الدول نفسها وإعلامها الذي استضاف القاتل على أرضها وشاشاتها وعرّفته أنه ضيفها من القدس و"تل أبيب".

آن الأوان لتصحيح خطيئة العزلة التي ارتكبها بعض الخليج بتوجيه أميركي وباتت العودة لحضن الأمة العربية الملاذ الآمن قبل فوات الأوان، ولا يكون ذلك إلا بإلغاء التطبيع وشلّ الأجواء والمياه وقرارات سياسية حاسمة لحقّ الفلسطينيين في دولة لطالما حظيت باهتمام خطابي غير عملي في مؤتمرات وقنوات الخليج وما أكثرها.

نقطة فاصلة ستحدّد مسار المنطقة، فإما تُلجِم مشروع نتنياهو بـ "إسرائيل الكبرى" وتجلب الأمن للمنطقة وإما ستكون مدخل التوحّش بلا حدود في كلّ بقعة، وحينها لا تمنع بئر نفط ولا قناة إعلامية طائرة أميركية يقودها إسرائيلي توجّهه خرافات تلمودية أنه على حقّ بإعادة رسم الخريطة وشطب شعوب من سجلها المدني وهندسة جديدة لجغرافيا بمقاس حاخام.