إرث عماد مغنية في المقاومة.. كيف أسس لمعركة لا حدود لها؟

كيف ساهم الشهيد الحاج عماد مغنية في تغيير معادلات الصراع من لبنان إلى فلسطين المحتلة؟ وكيف تبلور دوره في تدريب الأجيال داخل حزب الله في الحرب الأخيرة؟

  • معادلة ردع واحدة من لبنان إلى فلسطين المحتلة.
    معادلة ردع واحدة من لبنان إلى فلسطين المحتلة.

انقلب السحر على الساحر عقب استشهاد الشهيد القائد الحاج عماد مغنية على يد العدو الإسرائيلي بتاريخ 12-2-2008 بعد مطاردة دامت لأكثر من عقدين وتبادل للمعلومات لأكثر من 40 جهازاً استخباراتياً عالمياً، على رأسها الموساد والـ"سي آي أي"، فكتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس بتاريخ 18/2/2008: "سلسلة تصفيات القيادة على يد "إسرائيل" كلّها عمليات أثارت نشوة الانتصار، إلا أنها سرعان ما تبدّدت فلم تجلب علينا سوى عمليات انتقامية قاسية ومؤلمة في إسرائيل والعالم اليهودي، وظهور وتنامي عدد لا يُقاس من البدائل التي لا تقلّ قدرة عن أسلافها وتفوّقها مهارة أحياناً."

فكيف ساهم الشهيد الحاج عماد مغنية في تغيير معادلات الصراع من لبنان إلى فلسطين المحتلة؟ وكيف تبلور دوره في تدريب الأجيال داخل حزب الله في الحرب الأخيرة؟

"صانع البطولات الأسطورية"

منذ طفولته، أظهر الحاج عماد ذكاءً استثنائياً وروحاً قيادية، حيث تميّز بثقة عالية بالنفس ونباهة زائدة. برزت هذه الصفات بصورة أكبر خلال شبابه عندما بدأ يتأثّر بمعاناة الجنوب اللبناني وفلسطين المحتلة، مما دفعه إلى الانضمام إلى حركة فتح، وفي العام 1982 انتقل إلى صفوف حزب الله، حيث بدأت تتشكّل ملامح شخصيّته الجهاديّة.

كان الحاج عماد يدرك أهمية الذكاء والسرية ويمتلك قدرة استثنائية على التخطيط والتكيّف مع متطلّبات كلّ مرحلة، مما جعله يتقدّم سريعاً في العمل العسكري والأمني، وهي ميزات جعلته العقل المدبّر وراء أولى العمليات الاستشهادية، وهي عملية الشهيد أحمد قصير التي استهدفت مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور وأودت بحياة 76 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً، لتكون الضربة الأقسى التي يتلقّاها الاحتلال منذ اجتياحه للبنان.

وفي عام 1983، ارتبط اسمه بتفجير مقرّ المارينز والقوات الفرنسية في بيروت، الذي أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً و58 جندياً فرنسياً. أصبح منذ ذلك الحين أحد أبرز المطلوبين للولايات المتحدة، معتبرين أنه "الثعلب" الذي عجزوا لفترة طويلة عن الإمساك به، ووصفه العدو الإسرائيلي بـ "المخطّط الممتاز، الرأس الخلّاق".

نقل المقاومة إلى حالة توازن الردع مع العدو الإسرائيلي

كان الحاج عماد مغنية القائد والمخطّط والمهندس في الشؤون العسكرية والأمنية، حتى العام 2006 التي تحقّق فيها نصر حاسم وواضح، وخلال سنوات جهاده، عمل على إدخال برامج التطوير والتدريب والتسليح والجاهزية والعتاد على أنواعه.

كما عمل على الإعداد لحرب تستمر شهوراً طويلة لا أسابيع، واستخدام قدرات وآليات جديدة، وساهم في تدريب وتجهيز عشرات الآلاف من المقاومين ونشرهم وفق تنسيق خطط معيّنة، وفهم كيفيّة عمل الجيش الكلاسيكي.

معادلة ردع واحدة من لبنان إلى فلسطين المحتلة

بعد كلّ ما أُنجز في العام 2006 أراد الحاج الشهيد عماد مغنية استكمال ما تمّ تحقيقه عبر نقل تجربة المقاومة إلى فلسطين المحتلة وتقديم الخلاصات التي خرجت بها المقاومة، وتقييم أداء العدو ونقاط قوته وضعفه للفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة.

وكلّ ذلك يأتي في إطار قاعدة العمل لديه القائمة على أنّ "في فلسطين المحتلة إمكانات بشرية هائلة يجب العمل على حسن توظيفها في معركة فاصلة لا بدّ أنها آتية ولو بعد حين".

مع الشهيد السيد حسن نصر الله

التقيا للمرة الأولى في بعلبك، حيث استقرّت مجموعات لحرس الثورة الإيراني لتقديم الدعم المادي والعسكري والتدريب أثناء نشأة حزب الله، كان الشهيد السيد حسن نصر الله مسؤولاً تنظيمياً ونشأت علاقة برباط جهادي متين مع الشهيد الحاج عماد مغنية، فهما شريكا المصير في المقاومة وقيادتها في التخطيط والتنفيذ حتى تحقيق نصر الـ 2006.

"منظومة قائمة على الفرد"

"المنظومة كلّها تعتمد على الفرد، يجب أن تكون قدراته مميّزة، قدرة على التقدير واتخاذ القرار، والإدارة والقتال الفردي بنسبة عالية". بهذه العقيدة، جعل الحاج عماد من كلّ مقاوم وحدة قائمة بذاتها، وهذا ما تجسّد في الحرب الأخيرة التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان.

في الأيام الأولى للهجوم البري، قدّمت وحدة الرضوان، التي سُمّيت تيمّناً بالحاج عماد، نموذجاً في بلدة عيترون، حيث استطاع مقاومان فقط محاصرة عشرين جندياً إسرائيلياً في كمين محكم.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت تفاصيل الحدث بتاريخ 22-11-2024: "استمرت المعركة 14 ساعة، بعد هجمات جوية مكثّفة على قرية عيترون تمهيداً للاقتحام، دخل ستة جنود من الجيش إلى منزل شبه مهدّم يُشتبه بوجود أسلحة فيه، فكانت المفاجأة أنّ مقاتلَين من حزب الله كانا مختبئين بين الركام، وما إن دخل الجنود حتى أمطروهم بالنيران وألقوا القنابل اليدوية."

وروى أحد جنود العدو الذين شاركوا في المعركة تفاصيل الصدمة: "ذهبت مع فرقة لإجلاء رفاقنا، وفجأة وجدنا أنفسنا محاصرين، ما يقارب عشرين جندياً وضابطاً، استمرت المواجهة لساعات طويلة، أدت إلى مقتل 6 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين".

اضطرّ بعد ذلك العدو إلى استدعاء طائرة مسيّرة لقصف المنزل، في محاولة يائسة لإنهاء المواجهة. انتهت المعركة باستشهاد المقاومَين، لكنّ وقعها كان أبعد من مجرّد اشتباك محدود، هي مواجهة مع مقاومة تقوم على مبدأ أن يكون كلّ مقاتل قادراً على اتخاذ القرار في اللحظة الحاسمة من دون الحاجة إلى توجيه مركزي، ممّا يضمن استمرارية المقاومة حتى في أكثر الظروف تعقيداً، وهي عقيدة قتالية أثبتت فعّاليتها ميدانياً هندسها الحاج عماد.

وهذا ما أكده الشهيد السيد حسن نصر الله حين قال: "في أيّ حرب مقبلة، لن ينتظركم عماد مغنية واحد، ولا عدة آلاف من المقاتلين، لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدرّبين، المجهّزين، الحاضرين للشهادة."

لم يكن الشهيد الحاج عماد مغنية شخصاً استعراضيّاً، بل كان منذوراً للشهادة، مما جعل منه أسطورة في الوعي الشعبي، وجعل من دمائه ودماء كلّ القادة طريقاً إلى النصر.