أوكرانيا وبوتين ومبدأ ترومان
يقول الرئيس الأميركي بوش الابن: "فلاديمير بوتين كان مغروراً في بعض الأحيان، وساحراً في أوقات أخرى، إلا أنه كان صارماً دوماً".
وَقَف الرئيس الأميركي هاري ترومان أمام الكونغرس في 12 آذار/مارس 1947 ليُعلن السياسة الخارجية لِبلاده في احتواء المدّ والضغط السوفياتي على بلدان العالم عن طريق الدعم المالي، وهو ما سُمي "مبدأ ترومان".
بعد مرور الفترة الكافية من الوقت، تأكد المحللون والسياسيون أن الحرب الأوكرانية ستكون حرباً تقليدية بامتياز، تُستخدم فيها الأسلحة البيولوجية التي تمَّ تطويرها خلال عشرات السنوات، إضافة إلى أنها ستكون نموذجاً للحروب الجديدة.
كان لكلّ دولةٍ حربها الصغيرة التي جرَّبت فيها الأسلحة التقليدية. وفي رأيي، إن الحرب التقليدية الأخيرة لروسيا كانت في أفغانستان، التي خرجت منها بعد أن استخدمت أميركا ضدها الفصائل الإسلامية المتطرفة. وقد أضافت بذلك سلاح الإرهاب الديني إلى مجمل الأسلحة التقليدية، علماً أن بوتين كان قلقاً من مشكلة الإرهاب في جواره، والتي عاد الرئيس الأميركي بايدن إلى استفزازه بها، عن طريق خروج أميركا من أفغانستان وإحلال نسخة محدثة من إرهاب "طالبان".
لم ينسَ فلاديمير بوتين ذلك، وكان يدرس التاريخ بنهمٍ ليفهم نقاط الضعف والقوة وطريقة تفكير الخصم الأميركي.
وقد تَوَصَّل إلى عدة نقاط، منها:
- فهم تماماً أنَّ بلاده ما كانت لتصبح دولة عظمى لولا نتائج الحربين العالميتين، لأنَّ الدول العظمى تناقص عددها من مجموعة من الدول ضَمّت في نطاقها دولاً أضفت عليها المجاملة البحتة فقط لقب الدول العظمى إلى دولتين عظيمتين فقط هما: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.
- لَمَس أن موقع روسيا الجغرافي جَعَلَ اعتناق الروس "وَهْم العزلة" أمراً مستحيلاً، إذ ليس لروسيا "حدود طبيعية" تحميها، مثل المحيطات التي تحمي أميركا، إضافة إلى عدم وجود دول محيطة بها.
- عرف تماماً هواجس الدول التي قرّرت أن حماية الولايات المتحدة الأميركية هي الضمان الوحيد ضد السيطرة "الروسية" أو "الصينية"، التي أقنعوهم بأنها ستصبح أمراً خطراً لأي دولة في العالم.
- إن بوتين يعلم تماماً من دروس الحرب العالمية الثانية أن الرئيس ترومان صاغ رؤيته لدور الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية كما يلي: "إذا لاحظنا أنَّ ألمانيا تتقدم في الحرب، فعلينا أن نُساعد روسيا. وإذا رأينا أن روسيا هي التي تنتصر، فعلينا أن نساعد ألمانيا. وبهذه الطريقة، نجعلهم يقتلون بعضهم بعضاً بأكبر قدر ممكن".
إذاً، إن بوتين - الذي كان أول رئيس لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي "FSB" الذي حلّ محل "KGB"، والذي قال عنه الرئيس الأميركي بوش الابن إنه "شخصٌ فخورٌ بنفسه ومحبٌ لبلده. أراد أن تُصبح روسيا ذات نفوذ قوي مرة أخرى، وتمّ وضعه على الدرب"، لا يثق بالمطلق بأميركا، وهو متأكد - على عكس كل الأقوال - أن أميركا، وفق مبدأ ترومان، لن تساعد أي دولة في العالم إلا من خلال ضخ المال والمنح العسكرية، لأنَّ الميزة التي يتمتع بها الأميركيون تتجلى في سخائهم.
يقول الرئيس الأميركي بوش الابن: "فلاديمير بوتين كان مغروراً في بعض الأحيان، وساحراً في أوقات أخرى، إلا أنه كان صارماً دوماً".
بالنسبة إلى بوتين، فإنه حقق الكثير في الحرب الأوكرانية، لأنه أفهم الجميع أن أميركا لن تدافع عنهم إلا بالمال والتنديد والاستنكار فقط لا غير. لا حرب نووية، بل حرب تقليدية فقط. لذلك، تحتاج الدول إلى ساحات لتجربة أسلحتها الجديدة.