أوكرانيا تبدي استعدادها للتفاوض مع روسيا... ما أبرز شروط موسكو لإيقاف الحرب؟

الشروط المعلنة من قبل موسكو لن تناسب الغرب وأوكرانيا بشكل كامل، ومن السذاجة الافتراض أنّ أوروبا سوف تتخلّى عن موقفها وتتفاوض مع الكرملين، لكن هناك عوامل قادرة على تغيير التوجّهات الغربية.

  • استعداد كييف للتفاوض.. قرار جدّي أم مجرد مراوغة؟
    استعداد كييف للتفاوض.. قرار جدّي أم مجرد مراوغة؟

شكّل إعلان وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، استعداد بلاده التفاوض مع روسيا لتحقيق السلام وإنهاء الحرب من الصين، إشارة واضحة إلى تغيّرات سياسية تلوح في الأفق الدولي، خصوصاً مع تصدّر المرشّح والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المشهد في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الفشل الغربي في إيقاف التقدّم الروسي على جبهات القتال في أوكرانيا.

وهذا الإعلان الأوكراني هو الأول من نوعه منذ بدء العملية العسكرية الروسية في 24 شباط/فبراير 2022، بعدما كانت كييف ترفض دورياً، بشكل مبدئي وبإصرار وضغط غربي، التفاوض مع موسكو حتى انسحاب كلّ القوات المسلحة الروسية إلى حدود عام 1991 وعودة سيطرة السلطات الأوكرانية على القرم ودونباس.

استعداد كييف للتفاوض.. قرار جدّي أم مجرد مراوغة؟

في الوقت الراهن تبدو كييف في موقف لا تحسد عليه خصوصاً في ظلّ التقدّم العسكري الروسي على مختلف الجبهات القتالية، وازدياد الخسائر العسكرية في العديد والعتاد، ناهيك عن المخاوف الأوكرانية الجدية بشأن المستقبل السياسي والعسكري المجهول الذي ستواجهه خلال الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث تتعزّز لدى النظام الأوكراني هواجس من تقليص الدعم العسكري والمادي الغربي لها، ولا سيما في حال تمكّن ترامب الوصول إلى سدّة الرئاسة الأميركية، الذي وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وفي سياق متصل، يرجع الإعلان الأوكراني إلى أسباب كثيرة أهمها الإخفاقات المتتالية على الجبهات، التي تساهم بظهور مخاوف من أن القوات المسلحة الأوكرانية قد لا تتمكّن من الصمود في وجه الهجمات الروسية خلال الخريف المقبل، ووصول زيلينسكي إلى إدراك تامّ من أن السلام يمثّل خشبة الخلاص بالنسبة لمصيره ومستقبله السياسي.

من جهة أخرى، شهدت بعض العواصم الدولية نشاطاً دبلوماسياً في هذا الإطار، حيث كثّفت أطراف مختلفة جهودها سعياً منها لإيجاد صيغة مماثلة لحلّ الصراع الأوكراني، ما شكّل ضغطاً إضافياً على كييف في محاولة لتليين موقفها العنيد والرافض للتفاوض، وبغض النظر عن الأسباب الموضوعية والذاتية، فمن الواضح أن كييف ليست لديها أدوات تواصل مباشرة مع موسكو، حيث تعمل بكين وعواصم أخرى على تأدية هذا الدور.

وفي المقابل، يشير بعض الخبراء الروس إلى أنّ الإعلان الأوكراني الأخير قد يكون مجرد "ضجيج إعلامي" منسّق يهدف لـ "جسّ النبض" الروسي بشأن المفاوضات وإمكانية إقناع روسيا بالمشاركة في قمة سلام أخرى، أو محاولة إيقاع موسكو مجدّداً في فخّ المراوغة لتحقيق خروقات عسكرية من خلال إعادة كييف تجميع قواها المسلحة وتنظيم هجوم عسكري مضاد جديد، لكنّ موسكو أدركت هذه الأساليب بعد نتائج آخر مفاوضات بين الجانبين حصلت في إسطنبول، حيث أقدمت روسيا على خطأ استراتيجي وقتها تمثّل بسحب القوات العسكرية الروسية القريبة من كييف كبادرة "حسن نيّة" للتفاوض.

روسيا مستعدّة للتفاوض ولكن بشروطها

أكدت روسيا مراراً وتكراراً من على لسان مسؤوليها انفتاحها على التفاوض مع أوكرانيا بشأن إنهاء الحرب، موضحة أن ذلك يمكن أن يحصل شريطة أن تؤخذ كييف في الاعتبار الوضع الفعلي والحقائق الجديدة، وتجلّى ذلك من خلال تقديم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحات جديدة للسلام وحلّ النزاع، فما هي شروط موسكو؟

يمكن تقسيم الشروط والمقترحات الروسية إلى عامّة وفرعيّة، فالأولى تطرّق إليها الرئيس بوتين وتضمّنت الاعتراف بوضع شبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيه كمناطق تابعة لروسيا، وضمان حيادية وعدم انضمام أوكرانيا لأيّ أحلاف وخلوّها من أيّ أسلحة نووية، وتجريدها من السلاح وإزالة النازية، وإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا، ورفض الجانب الأوكراني هذه المبادرة.

أما الشروط والمطالب الأخرى التي تتمسّك بها موسكو وتحاول فرضها في المفاوضات فهي اعتراف الدول الغربية بحصانة وشرعية النظام الروسي، إلغاء قرارات المحكمة الجنائية الدولية، بما فيها الدعاوى والتهم الموجّهة للمسؤولين والضباط الروس في ما يخصّ الجرائم العسكرية المزعومة في أوكرانيا، رفع جميع العقوبات عن منشآت الطاقة الروسية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال، ضمان الحفاظ على الاتفاقات المرتبطة ببيع موارد الطاقة عبر المنصة التركية إلى الدول الأخرى، تنظيم آلية عمل مشروع خط أنابيب الغاز باكو ـــــ أوروبا الذي ينقل الغاز الروسي إلى باكو ومنها إلى الدول الأوروبية (10 مليارات متر مكعب)، وذلك من خلال توقيع اتفاقية بين الشركة الحكومية الأذربيجانية "سوكار" وشركة إمداد روسية تكون بديلاً للاتفاق السابق مع شركة "غازبروم". بالإضافة إلى ضمان حرية عبور سفن النفط والشحن التابعة لشركات النقل الروسية في البحار الدولية.

لا شكّ أنّ المقترحات والشروط المعلنة من قبل موسكو لن تناسب الغرب وأوكرانيا بشكل كامل، ومن السذاجة الافتراض أنّ أوروبا سوف تتخلّى عن موقفها وتتفاوض مع الكرملين، لكن هناك عوامل قادرة على تغيير التوجّهات الغربية التي باتت تعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة، ويتجلّى ذلك من خلال تزايد شعبية اليمين المتطرّف في العديد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى وجود دول في الاتحاد الأوروبي تميل إلى خيارات موسكو، وفي مقدّمتها هنغاريا، وبالتالي يمكن للدول الغربية أن تضغط على كييف للخضوع لبعض الشروط. 

أما موسكو التي توجد اليوم في موقع القوة والهجوم، كما تمتلك شرطاً يقوّي وضعها حتى قبيل بدء المفاوضات وتتعلّق بهوية المفاوض، حيث يعدّ الكرملين زيلينسكي رئيساً غير شرعي ومنتهي الصلاحية القانونية، وبالتالي تؤكد وجود طرف شرعي للتفاوض معه، حيث يشكّل هذا الأمر معضلة أخرى للغرب، كما ستحاول موسكو من جهة أخرى ربط المفاوضات المقبلة بنتائج مفاوضات الأمن الجماعي مع الغرب، وذلك للحصول على ضمانات مكتوبة توقف توسّع وامتداد حلف شمال الأطلسي نحو الأراضي الروسية.