أوستن في بغداد.. آمال طويلة الأمد من نافذة زيارة قصيرة

الواضح أن وزير الدفاع الأميركي زار بغداد لتأكيد وجود وبقاء قوات أميركية في العراق ولزمن بعيد، إضافة إلى أهمية العراق للولايات المتحدة

  • أوستن في بغداد، آمال طويلة الأمد من نافذة زيارة قصيرة
    رئيس الحكومة العراقيّة محمد شياع السوداني خلال اجتماعه بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن

تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية سياسياً، الشريك الأبرز والداعم الدولي الأول للعراق بعد عام الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003.

لكن تلك الشراكة لم تكتمل أو تتجسّد على الواقع، بالرغم من التوقيع بين بغداد وواشنطن عام 2008، على اتفاقية شاملة غير محددة بتأريخ، تنقسم إلى جزءين.

الأول: اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تغطي العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وتدخل في مناح أخرى كثيرة من ضمنها البعثات الدراسية وملف التعليم.

الثاني: هو الاتفاق الأمني بين الجانبين ويشتمل على عدة نقاط رئيسية، أولها جدولة سحب القوات الأميركية من بغداد حتى عام 2011، والدفاع عن العراق عسكرياً، إضافة إلى مساعدة بغداد في الشؤون الاستشارية الأمنية والعسكرية والتسليح.

في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بالدورة الثانية التي شهدت سحب الجيش الأميركي من العراق، لم تكن العلاقات العراقية الأميركية سياسياً بأفضل حال، بل وعملت الولايات المتحدة على دعم الاحتجاجات ولم تكن متحمسة لمساعدة العراق في ضرب أوكار تنظيم "داعش" في بداياته، بل وتأخّرت عن تجهيز العراق بصفقات الأسلحة المبرمة والمدفوعة من جانب بغداد. عراقياً اعتبر ذلك تنصّلاً أميركياً من الاتفاق، بل إن أساس هذا الاتفاق لم ينفّذ ويلتزم به بصورة كاملة بل ربما بجزئيات صغيرة لمصلحة واشنطن حصراً.

منذ العام 2011 حتى العام 2020، حصلت متغيّرات استراتيجية أبرزها "داعش" وذلك مهّد لعودة الجيش الأميركي إلى العراق من باب المساعدة بعد الاتفاق على ذلك في اجتماع الرياض الذي حضره رئيس الوزراء حيدر العبادي والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون عام 2017. 

مطلع عام 2020 حصل المستجد الأخطر وهو اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس، وترتّب على ذلك قرار البرلمان العراقي بالإجماع بعد أيام بإخراج كامل القوات الأجنبية من البلاد، ذلك القرار لم ينفذ ولم يصادق عليه ومع أنه يعتبر نافذاً بعد فترة إلا أن السلطات التنفيذية بضغط أميركي لم تعمل على تطبيقه.

حكومة الكاظمي التي جاءت عام 2020، حاولت أن تحدث توازناً مع الولايات المتحدة وتجنيب العراق الصراع الأميركي الإيراني، على المستوى الإقليمي-الدولي كان هناك نجاح بهذا الشأن، لكن السفارة الأميركية وقاعدة عين الأسد وقواعد أخرى في مطار بغداد وأربيل كانت تحت مرمى صواريخ فصائل المقاومة.

مع حكومة محمد شياع السوداني التي قالت من اليوم الأول لها إن العراق ليس بحاجة إلى أي قوات قتالية بل فقط الحاجة تتمحور حول مدربين ومستشارين. يبدو الحال مختلفاً، تبدو واشنطن مستسلمة لفكرة أنه لا يمكنها دعم شخص لمنصب رئيس الوزراء ويبقى خلافاً لتوجّه الفاعل السياسي العراق والشارع بعد فشل الرهان على مصطفى الكاظمي وقبله حيدر العبادي، ويبدو أنها قرّرت أن تتعامل مع من في المسؤولية مهما كانت خلفيات أو آلية وصوله إلى المنصب.

ربما الأسئلة الأكثر تداولاً الآن هي ما أبعاد زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى بغداد؟ ماذا عن خطاب الإطار التنسيقي؟ ماذا عن فصائل المقاومة؟ ومن هو الآن صاحب قرار الحرب والسلم؟

الواضح أن وزير الدفاع الأميركي زار بغداد لتأكيد وجود وبقاء قوات أميركية في العراق ولزمن بعيد، إضافة إلى أهمية العراق للولايات المتحدة، وما عادت واشنطن تضمن بقاءها بالترهيب أو الترغيب، بعد إدخال العراق في المنصة الأميركية العالمية وباتت تتحكّم بسعر صرف الدولار أكثر من أي وقت مضى. 

الإطار التنسيقي وهو المكوّن الأكبر داخل تحالف إدارة الدولة وهو المسؤول سياسياً عن كابينة محمد شياع السوداني، ويبدو هو الآخر استوعب أن مفردات الماضي لن تنفع وهو على رأس السلطة وحدّث من خطابه تجاه واشنطن وترك باب السياسة موارباً، لهدف يتمثل بمصلحة العراق العليا. وفصائل المقاومة هي الأخرى بعد أزمة العراق وشبح الحرب الداخلية قبيل تأليف الحكومة الحالية تبدو على اتفاق مع الحكومة يتمثل في أن تخفف الضغط على الطرف الأميركي في هذه المرحلة على أن تتكفل الحكومة بحل إشكالية الوجود الأميركي في العراق.

خلاصة المشهد تتمثّل في الآتي:

تبدو واشنطن هي الحلقة الأكثر إرباكاً، فهي لم تأخذ ضمانة من أي طرف بعدم استهدافها، ما يعني أن قرار الحرب والسلم ليس بيدها.

براغماتية الإطار التنسيقي وفصائل المقاومة في ترك الساحة للسياسة أجبر واشنطن على التعامل مع حكومة السوداني بل ودعمها، وذلك كان واضحاً من تحركات السفيرة الأميركية في بغداد التي تبني جسوراً للثقة مع مختلف الأطراف العراقيين.

واشنطن استخدمت ورقة الدولار ضد العراق، لكن بسياسة متزنة من بغداد وبعد حوار الجهات الأميركية تم الاتفاق على آلية تخدم مصلحة العراق، واستطاعت الحكومة أن تعيد وضع الدولار إلى ما كان عليه وربما أفضل وإن كان ذلك ربما لن يدوم طويلاً.

بغداد استطاعت أن تنتزع موافقات واشنطن للأفراج عن مستحقات الغاز لإيران وهي مبالغ كبيرة كانت واشنطن ترفض أن تعطى لطهران من باب العقوبات.

المعادلة الآن على الساحة تشير إلى أنه إذا بقيت واشنطن في دعمها للعراق وحفاظها على علاقات متزنة مع بغداد واحترام السيادة العراقية فستبقى الأجواء الأمنية هادئة حتى حين ما يقرّر خلاف ذلك من طرف المقاومة، ونقطة القوات تبحث في الحوار بين بغداد وواشنطن، واذا تنصلت واشنطن من ذلك فهذا قطعاً سينعكس استهدافاً لها ولمصالحها في العراق.