آموس هوكشتاين.. مبعوث أميركا باسم "إسرائيل"
مناصب عديدة ترّأسها هوكشتاين مرّر خلالها المنافع لـ "تل أبيب" (موطنه الأوّل)، وعمل بشكل حثيث خدمة لمصالح "إسرائيل" التي تُعدّ الحليف المقدّس أساساً لأميركا.
ليس عبثاً أن تختار الولايات المتحدة الأميركية آموس هوكشتاين مبعوثاً لها في الشرق الأوسط منذ أعوام طويلة، وليس عبثاً أن يحطّ الرجل في المنطقة في زيارات مكوكيّة منظّمة بمسمّيات عديدة، ولا سيما بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.
خلال 10 أشهر من عمر الإبادة الاسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة ومساندة حزب الله للمقاومة الفلسطينية وللمدنيّين في القطاع عبر ضرب المواقع والتجمّعات والمستوطنات الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة، حطّ هوكشتاين في العاصمة اللبنانية بيروت خمس مرات تحت مسمّى الجهود الدبلوماسية منعاً لتوسّع الحرب، وبدلاً من الضغط على "إسرائيل" لوقف الإبادة في غزة كان همّ هوكشتاين - كمبعوث أميركي في العلن ووسيط إسرائيلي في الخفاء - ألّا يتماهى موقف الحكومة اللبنانية مع موقف حزب الله الذي يربط وقف الحرب في الجنوب بوقف إطلاق النار في غزة، وسعى في زياراته المتكرّرة الى تنفيذ القرار الدولي 1701، سعياً إلى قطع الطريق عن إمكانية توسّع الحرب، في وقت ينذر فتح الجبهة اللبنانية إذا حصل، باضطرار أميركا للرمي بثقلها المالي والعسكري، ما يعني تمويل وإدارة حرب واسعة إضافة إلى حرب أوكرانيا المكلفة.
وفي جولاته المكوكيّة العديدة السابقة إلى لبنان بين عامي 2022-2023 أدى هوكشتاين دور "عرّاب" حلّ النزاع البحري بين لبنان و"دولة" الاحتلال. وكان قد ظهر اسم هوكشتاين أيضاً كمبعوث لدى الإدارة الأميركية لمناقشة مستقبل غزة، بما في ذلك مصير الغاز الموجود قبالة سواحلها.
من هو هوكشتاين؟
آموس هوكشتاين ليس مجرّد شاب أميركي عادي، بل هو في الأصل إسرائيلي وُلِد لأبويْن أميركيَّيْن يهوديَّيْن في أراضي فلسطين المحتلة في كانون الثاني/يناير عام 1973، وخدم في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي لثلاث سنوات بعد أن أنهى الثانوية العامة، قبل أن ينتقل إلى العاصمة الأميركية واشنطن ويعمل في الكونغرس مع الحزب الديمقراطي، ومن ثمّ تولّى عدّة مناصب أبرزها وكيل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة (2011 - 2014)، ومن ثمّ صار مبعوثاً خاصاً بالنيابة للشؤون الدولية للطاقة في وزارة الخارجية الأميركية (2014 حتى 2016).
مناصب عديدة ترّأسها هوكشتاين مرّر خلالها المنافع لـ "تل أبيب" (موطنه الأوّل)، وعمل بشكل حثيث خدمة لمصالح "إسرائيل" التي تُعدّ الحليف المقدّس أساساً لأميركا.
مبعوث أميركي منذ تسعينيات القرن الماضي
ظهر اسم آموس هوكشتاين في الشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي، وعمل في الكواليس وعبر القنوات الدبلوماسية لمصلحة "إسرائيل"، وكانت في جعبته دائما تسوية حدود "إسرائيل" وتأمين الاستقرار لها وتحقيق مصالحها لبقاء وجودها، وحضر هوكشتاين في المنطقة قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
زار هوكشتاين العراق عام 1991 مع وفد من العاملين في الكونغرس ليس للنظر في أوضاع الشعب الذي واجه عقوبات اقتصادية صعبة أو للنظر في وضعهم الإنساني، بل كانت المصلحة وراء زيارته، بحسب ما أكد الدبلوماسي الألماني هانز غراف سبونيك في كتاب له أصدره عام 2006، هي إمكانية توطين بضعة آلاف من الفلسطينيين في وسط العراق مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن نظام صدام حسين، لكنه فشل في ذلك.
بعد 15 عاماً، حطّ هوكشتاين مجدداً في العراق، لكنه حضر آنذاك بصفة مبعوث خاص للولايات المتحدة ومُنسِّق شؤون الطاقة الدولية تحت إدارة باراك أوباما لمناقشة نفط كردستان، وتوصّل إلى عدّة اتفاقات لتصدير النفط الكردستاني إلى تركيا وأوروبا، وأقنع الإدارة الأميركية بذلك، وحصلت "إسرائيل" على نصيبها هي الأخرى عبر ميناء عسقلان في حزيران/يونيو 2014.
ومن بعدها جال هوكشتاين في دول عديدة ليتبيّن لاحقاً أنّ جلّ أهدافه تحقيق أمن الطاقة الإسرائيلي في محاولة لإدماج "تل أبيب" أكثر في محيطها، ومن ثمّ تطبيع العلاقات وتوطيدها مع الدول العربية.
هوكشتاين وترويج النصر لـ "إسرائيل"
للمرة الأولى منذ قيام "دولة" الاحتلال على أراضي فلسطين، تقوم مسيّرات بالتحليق فوق المستوطنات. "هدهد" حزب الله الذي أرعب "إسرائيل" بعد تصويره كلّ المواقع الاستراتيجية في المستوطنات الشمالية ما أسفر عن إرباك إسرائيلي بشكل كبير لم تشهده "تل أبيب" منذ عام 1948 وأثّر بشكل مباشر على المستوطنين وثقتهم بحكومة الاحتلال.
وبفعل ضربات حزب الله وما رجع به "الهدهد" من المستوطنات، تعطّل القطاع السياحي في الشمال الذي يدخل إليه سنوياً أكثر من مليون سائح، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي.
يسعى آموس هوكشتاين إلى الفصل بين جبهتي جنوب لبنان وغزة، وإرساء تهدئة بين حزب الله و"إسرائيل" بمعزل عمّا يجري من مجازر في القطاع. لكنّ فصل الجبهتين ليس ما يمكن أن يوافق عليه الحزب، وأمينه العام السيد حسن نصر الله الذي كان واضحاً منذ فتح جبهة الإسناد، إذ يؤكد الحزب أن لا تهدئة قبل وقف الحرب بشكل كامل على قطاع غزة وانسحاب "الجيش" الإسرائيلي وعودة أبناء غزة إلى مناطقهم.
مصير جبهات الإسناد يرتبط بغزة
كلّ الجهود والمساعي التي يبذلها المبعوث الأميركي الإسرائيلي آموس هوكشتاين للتهدئة بائت بالفشل، خاصة وأن الرجل نفسه يعلم أنّ عليه الضغط على بلده الأول "إسرائيل" وداعمته الولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، لينتهي بعدها تلقائياً إطلاق النار في كلّ جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق.
وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن واشنطن و"تل أبيب" نفسها لا تريدان أن تعترفا بالإبادة في غزة، رغم أنّ "إسرائيل" تحاكم في محكمة العدل الدولية في لاهاي بدعوى ارتكاب الإبادة في القطاع والممارسات القمعية المتصاعدة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
ورغم ذلك تمدّ واشنطن "تل أبيب" بمزيد من الأسلحة الفتّاكة التي أسفرت عن ارتقاء نحو 40 ألف شهيد فلسطيني في غزة معظمهم من النساء والأطفال منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وبلغت صفقة التسليح الأخيرة لـ "إسرائيل" ما يزيد عن 20 مليار دولار، وشملت مقاتلات أميركية من نوع "أف-15"، وذخائر دبابات من عيار 120 ملم ومركبات تكتيكية وصواريخ "أمرام" المضادة للطائرات ومدافع هاون شديدة الانفجار.