ولادة العالم الجديد من دمشق.. بنظرة روسية

المشهد السياسي العربي بدأ يتبدّل بعد كارثة الزلزال في شهر شباط/فبراير التي أصابت سوريا وتركيا>

  • ولادة العالم الجديد من دمشق.. بنظرة روسية
    ولادة العالم الجديد من دمشق.. بنظرة روسية

التعريف السائد للعلاقات الدولية هي العلاقة بين الدول التي تقوم على المساواة والعدل، ويستدل على ذلك أصحاب الاتجاه الليبرالي في الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية انطلاقاً من (حقوق الإنسان) و(حقوق المرأة) و(منع الإبادة الجماعية). ولكن هذا التعريف مجتزأ وقد يقودنا إلى فهم خاطئ، وإلى تحليلات معقّدة في حقل العلاقات الدولية. 

شهد حقل العلاقات الدولية السورية درجة كبيرة من التعقيد، نتيجة عوامل عديدة من بينها تعدد الأطراف العربية التي شاركت في الحرب على دمشق، سواء بطريقة مباشرة من خلال إرسال المقاتلين المتطرفين وتقديم الدعم اللوجستي لتدمير البنية التحتية وتفتيت الروابط الوطنية وزرع أيديولوجيا لتحديد السلوك السياسي المراد في المنطقة، أو بطريقة غير مباشرة من خلال الحرب السياسية والإعلامية لتشويه صورة الحكومة السورية أمام الرأي العام الإقليمي والعالمي. 

للأزمة الروسية الأوكرانية حصة كبيرة في التحوّلات وإعادة تنظيم الصفوف والتكتل مع الحلفاء الأقوياء، فلكل دولة مواردها وامتيازاتها وموقعها الجغرافي الذي تحتاجه دول أخرى. ولا يغيب عن أحد تغيير السلوك السياسي الخارجي لمعظم الدول العربية، التي لم تخرج من عباءة الاستعمار التي ترتكز سياسته على التبعية (أي أن الدول العربية يجب أن تخضع لإرادتنا الكاملة). 

ولكنّ هذا المشهد بدأ يتناثر مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية التي عرّت فيه موسكو النظام الغربي، وواشنطن من ثوب الإمبراطورية التي لا تقهر. فمنذ أول رصاصة أطلقها الجيش الروسي ضد أعدائه سنحت الفرصة للدول في إصلاح علاقاتها، وإعادة تنظيم صفوفها وإعادة حساباتها مع خصومها وحلفائها، وتقديم مصالحها على المصالح الأميركية والغربية تزامناً مع ولادة نظام عالمي جديد يتبلور بقيادة الصين وروسيا. 

المشهد السياسي العربي بدأ يتبدّل بعد كارثة الزلزال في شهر شباط/فبراير التي أصابت سوريا وتركيا، أبرزها التي ظهرت إلى العلن ومنها السعي التركي للمصالحة مع الحكومة السورية، السعي المتواصل لدول عربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، إعادة فتح السفارات والبعثات الدبلوماسية، زيارات لوزراء ووفود برلمانية إلى دمشق. 

ومن ثمّ تقديم مساعدات إنسانية للشعب السوري في محاولة إصلاحية لفتح الطريق أمام تمهيد العلاقات مع الحكومة السورية بعد تقديم بعض الدول العربية على مدار عشرة أعوام السلاح والدعم المادي للمسلحين والمخرّبين. 

هذه الأحداث المتسارعة هي أحداث فاقدة اللون أو بمعنى آخر ما لم تترجم الأقوال على الواقع، لتقود القضايا والأحداث حتى تصل مصائر الشعوب من مآسي الحروب إلى متعة الحياة.

يبرز الدور العربي في علاقته الحالية على عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، ولكن السؤال هل دمشق تسعى للعودة أم العودة تسعى إليها. 

لا بدّ لنا أن نشير إلى الصفعة العربية لأميركا وحلفائها التي بدأت فيها الجزائر والإمارات، في كسر الحصار عن دمشق والذي فتح بالتالي تبدلات واسعة في المنطقة، وتقديم المصالح العربية على المصالح الغربية والأميركية. 

أما عن عودة دمشق فإنها في مكانها والحكومات هي من تأتي إليها، وفيما يخص جولات الوزير المقداد فهي بمثابة الدعوة للصحوة العربية بعد السبات العميق في الأحضان الإمبريالية. 

يبرز للبعض أن العودة إلى الجامعة العربية قيمة مضافة للعلاقات العربية، ولكنّ هذا المفهوم منقوص عن الكمال، وإنما الذي يعطي القيمة الحقيقية هي العلاقات الثنائية بين الدول، فبعد سيطرة الفيتو القطري على الجامعة أصبحت ساحة لتصفية الحسابات وزيادة النعرات والانقسامات. إذاً الهدف ليس الجامعة وإنما التركيز في هذه المرحلة على العلاقات الثنائية التي تقوم على عدة مستويات منها السياسية، والاقتصادية، والثقافية. 

أما عن العلاقات الثنائية فلا بدّ من الحديث عن العلاقات السورية الروسية، وهذه الآصرة لا تأتي من عبث، فالعلاقة قديمة وتعود إلى أكثر من خمسة وسبعين عاماً، مصحوبة بالتعاون العسكري والاقتصادي، نظراً لمكانة روسيا في المجتمع الدولي، ومكانة سوريا الجغرافية المطلة على المياه الدافئة. 

لتتحدّى موسكو بهذه المكانة والمكان النظام الدولي أحادي القطبية الذي يتمثل بعدة أشكال منها السياسي والعسكري وأشدها خطراً الاقتصادي، الذي يؤثر بشكل عام على دول العالم ككل. 

ونظراً للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط وجدت موسكو في دمشق الرحم الذي سوف يلد العالم الجديد، والسد الذي سيصدّع الهيمنة الأميركية.