هل تستطيع دول البريكس إنقاذ الاقتصاد الروسي؟
يعد تكتّل البريكس أو مجموعة البريكس (BRICS) منظمة تأسَّست في العام 2006 من 5 دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ما إن بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حتى سارعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، وعلى رأسهم دول أوروبا واليابان وأستراليا، إلى فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا ضمن سياسة تضييق الخناق عليها. وقد بدا للمتابع كأن سيناريو ضرب الاقتصاد الروسي محضّر له مسبقاً، عبر عملية عزله عن العالم، تمهيداً للضربة القاضية، حيث الاستسلام الذي لا مفرّ منه.
أعلنت الدول الغربية في إطار تشديد عقوباتها المالية على روسيا استبعاد موسكو من نظام "سويفت" المالي العالمي، إذ تمثل جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك شبكة مؤمنة للتراسل لضمان المدفوعات السريعة عبر الحدود. وقد أصبحت آلية أساسية لتمويل التجارة العالمية.
لم تنحصر عقوبات الغرب على روسيا بالجانبين الاقتصادي والمالي، بل استكمل الغرب عزل روسيا فنياً وثقافياً، وأغلق مواقعها في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما "تويتر" و"فيسبوك".
يعد تكتّل البريكس أو مجموعة البريكس (BRICS) منظمة تأسَّست في العام 2006 من 5 دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. يشكل سكان دول بريكس 40% من سكان العالم، وتغطي الدول الأعضاء فيه مساحة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 27% من مساحة اليابسة. يحتل اقتصاد دول البريكس مراتب متقدمة على الصعيد الدولي، ويعدّ المنتدى منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية في عضويته.
روسيا التي تتعرَّض لحملة من العقوبات الغربية غير المسبوقة في التاريخ، دعت تحالف بريكس إلى تمديد استخدام العملات الوطنية ودمج أنظمة الدفع، بعدما عزلتها العقوبات عن النظام المالي العالمي وعما يقارب نصف احتياطاتها من الذهب والعملات الأجنبية، والتي بلغت 606.5 مليارات دولار، في أوائل نيسان/أبريل.
قال وزير المالية الروسي أنطون سيلونوف، في اجتماع وزاري عقده افتراضياً في 8 نيسان/أبريل الجاري مع وزراء المال في مجموعة البريكس، إن "الوضع الاقتصادي العالمي ساء بشكل كبير بسبب العقوبات الغربية"، موضحاً "أن دول بريكس تملك جميع الأدوات اللازمة للتخفيف من سياسة العقوبات على اقتصاداتها والاقتصاد العالمي"، وفقاً لوكالة "رويترز".
صحيح أنَّ دعوة الوزير سيلونوف تهدف إلى مواجهة "الخنقة" الاقتصادية والمالية التي تفرض على بلاده، وإلى كسر طوق العزلة الدولية التي تحاول الولايات المتحدة فرضها، إلا أنّ الإشكالية تكمن في دول البريكس واستعدادها لمساندة روسيا في محنتها، وهي التي عرف اقتصادها نمواً في هذا النظام العالمي الذي تعمد روسيا لإنهائه واستبدال نظام جديد به.
لهذا، اعتبر مصدر مقرّب من صندوق النقد الدولي أنّ الأزمة في أوكرانيا تزيد "خطر تجزؤ الاقتصاد العالمي"، محذراً من أنَّ هذا الأمر، وإن كان حدوثه غير متوقع على المدى القريب، يهدد بزوال جزء كبير من مكتسبات الازدهار التي تحققت على مدى العقود الماضية في كثير من الاقتصاديات الناشئة.
إنَّ الرهان على مجموعة البريكس في الوقت الحالي قد يكون في غير مكانه، ولا سيما أنَّ دول هذه المجموعة تعاني أزمات متلاحقة، قد لا تجعلها دولاً قادرة على الدعم والتحدي، إذ إنَّ الصين تشهد إغلاق أكبر مدنها الصناعية، وتحديداً شنغهاي، جراء عودة تفشي وباء كورونا، الأمر الذي أدى إلى تراجع أرقامها التجارية، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت".
في المقابل، شهدت جنوب أفريقيا فيضانات غير مسبوقة منذ 60 عاماً، أسفرت عن وقوع نحو 400 قتيل. وقد ضربت الفيضانات الساحل الشرقي في منطقة ديربان المطلة على المحيط الهادئ، وتخشى السلطات المحلية أن تصل الخسائر إلى مئات الملايين من الدولارات. من جانبه، وصف رئيس البلاد، سيريل رامافوزا، الفيضانات بأنها "كارثة ذات أبعاد هائلة لم تشهد البلاد مثلها".
أمام تفشي جائحة كورونا في الصين، وكارثة الفيضانات في جنوب أفريقيا، تقف الهند أمام تحدٍّ حقيقي تفرضه جارتاها باكستان وأفغانستان، بعد التغيير الحاصل في أنظمة الحكم في كلا البلدين، الأمر الذي يجعل العلاقة أكثر توتراً مع جارتيها، ما يضع الهند في دائرة التخوف من حرب الحدود، مع التوسع الإسلامي المتطرف المتمثل بحركة "طالبان" وحكمها في أفغانستان. وكما في الهند، كذلك في البرازيل، التي لا يملك اقتصادها القدرة على أداء دور المنقذ لاقتصاد محكوم بالموت السريري، بسبب تفشي جائحة كورونا وما خلّفته من ركود اقتصادي عالمي انعكس على كل الأنظمة.
إنَّ الموضوع لا يتوقف على التعامل والتبادل التجاري بعملات دول البريكس، وفرض روسيا على الدول غير الصديقة شراء نفطها وغازها الطبيعي المسال بالروبل الروسي، بل هو موضوع أوسع، يتعلق بالمواد الأولية والتكنولوجية والتقنية والإلكترونية التي تحتاجها المصانع الروسية لإتمام عملية إنتاجها، والتي يعدّ مصدرها الدول المعاقبة لروسيا، ما يعني عدم قدرة المصانع والمعامل الروسية على الاستمرار لوقت طويل، أو على الأقل التعثّر في عملية الإنتاج أو انخفاضه إلى ما دون المعدل المطلوب.
في ظلّ التوتر الدولي، وعجز دول البريكس عن اتخاذ القرار، أعلن بنك "التنمية الجديد" الذي أنشأته هذه البلدان تعليق المعاملات المالية الجديدة في روسيا، وقال مكتب الخدمة الصحافية للمؤسسة المالية التابعة للبنك: "في ضوء تزايد حالة عدم اليقين والقيود المفروضة، علق بنك التنمية الجديد المعاملات المالية الجديدة في روسيا".
أخيراً، قد لا تتمكن دول البريكس من كسر العزلة عن روسيا، ولا سيما أنَّ موضوع تغيير النظام العالمي لا يكون بعد حرب، كما لا يكون نتيجة قرار يتّخذه رئيس دولة، مهما كان تأثير هذه الدولة في السياسة الدولية.
لهذا، قد لا يكون الروسي اليوم يشعر بـ"الخنقة" الاقتصادية المفروضة على بلاده، إلا أن فرض المزيد من العقوبات، والسعي الأوروبي للتخلي عن مصادر الطاقة من الغاز الطبيعي المسال، قد يجعل اقتصاد روسيا ملاذاً لاقتصاديات ناشئة أو معزولة، لتجد فيها ضالتها، تماماً كما هو القرار المتخذ باستبدال سلع إيرانية بالسلع الأجنبية في الأسواق الروسية. هذا ما يؤكد نمو اقتصاد دول على حساب الاقتصاد الروسي المتعثر.