هذا ما بقي من "الجيش" الإسرائيلي!

يبدو نتنياهو في حالة سعار جنوني أفقده علاقته بمنطق الأمور وحقائق الواقع. فالجيش الذي يتمترس خلفه ويهدد به هو تلك النسخة السابقة عن "جيش" كان يُلقَّب بأنه "لا يُقهر"، والذي لم يتبقّ منه اليوم إلا ما يتبقى من عملة باطلة لم تجد من يسحبها من التداول.

  • على امتداد أكثر من تسعة أشهر لا يزال
    على امتداد أكثر من تسعة أشهر لا يزال "جيش" الكيان يراوح عاجزاً عن تحقيق أي هدف.

يُصرّ رئيس حكومة العدو على تسخير "جيش" الكيان لتنفيذ مآرب شخصية تحت ذريعة القضاء على حماس وإعادة الأسرى إلى بيوتهم، لكنّ جلّ ما يريده هو كسب الوقت والنجاة من المصير البائس الذي ينتظره.

شبه الفكرة هذه تحوّلت إلى لازمة يُكررها بنيامين نتنياهو يومياً، حتى وهو في غمرة تفاوضه الإكراهي بشأن صفقة التبادل التي تتضمن إطلاق عدد من الأسرى المحتجزين لدى الطرفين مع نوع مُلتبس من وقف إطلاق النار. 

في هروبه المتواصل إلى الأمام، لا يكفّ عن التلويح بفأس الحرب، مُستأنساً بتصفيق كل من وزير المالية وزير الإدارة المدنية بوزارة الدفاع "بتسلئيل سموتريتش"، ووزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير"، رمزي اليمين المتطرّف القابضين على عنق حكومته، بينما هو لا يقيم وزناً لوقوف الآخرين في الداخل والخارج جميعهم تقريباً ضده، من الرئيس الأميركي جو بايدن ومئات ألوف المتظاهرين في مختلف مدن الغرب الأميركية والأوروبية، إلى المحتجين في الداخل الاسرائيلي المطالبين بإيقاف الحرب وتمرير صفقة التبادل واستعادة أسراهم المحتجزين، وصولاً إلى كبار الأمنيين والعديد من الضباط القادة في "الجيش".

لكن أكثر ما يلفت الانتباه في حفلة الجنون هذه هو اطمئنان نتنياهو للاعتماد على "الجيش" في سبيل تحقيق كل ما يلزمه كي يبقى ويستمر، من هزيمة حماس والقضاء على حزب الله، إلى إعادة مستوطني الشمال، حتى تحويل غزة في النهاية إلى محمية سياحية. فلا رقابة على المخيلة في مثل هذا الوضع. 

الجيش "كيس ملاكمة"

بقليل من التبصّر يبدو الرجل في حالة سعار جنوني أفقده علاقته بمنطق الأمور وحقائق الواقع. فالجيش الذي يتمترس خلفه ويهدد به هو تلك النسخة السابقة عن جيش كان يُلقَّب بأنه "لا يُقهر"، والذي لم يتبقّ منه اليوم إلا ما يتبقى من عملة باطلة لم تجد من يسحبها من التداول.

فعلى امتداد أكثر من تسعة أشهر لا يزال هذا "الجيش" يراوح عاجزاً عن تحقيق أي هدف مما أعلنه، يتمرّغ منهزماً أمام بضعة آلاف (فقط) من المقاتلين في جبهة لا يزيد طولها على 14 كلم. والأكثر إثارة للتساؤل هو اندفاع نتنياهو وجماعة اليمين المتطرف الملتفين حوله (وعليه) إلى المراهنة على هذه القوة العسكرية التي "تحوّلت، بحكم مُجريات الحرب وحوّلت البلد معها، إلى كيس ملاكمة"، بحسب الإعلام العبري ذاته، و"وصلت إلى صفر ردع"، كما يقول القائد السابق للقوات البرية، اللواء في الاحتياط "يفتاح رون تال". 

وهذا ليس بالأمر المستغرب إذا أخذنا في الاعتبار الدور السياسي الذي يعمل نتنياهو على تسخير الجيش لتأديته. "فكل ما يجري منذ أشهر طويلة ليس سوى قتال لأسباب سياسية حزبية فقط"ــ والكلام لوزير الأمن الداخلي السابق "عومر بارليف"ــ إذ إن الحرب انتهت عملياً منذ زمن، ومن دون توقف القتال بصورة واضحى ونهائية، لن يعود الأسرى، ولن يعود السكان إلى الشمال".

العديد والعتاد والمعنويات...

الحقيقة أن تسخير القوة العسكرية النظامية لخدمة الغايات السياسية الشخصية، ليست أكبر مشاكل جيش الكيان. فهو يعاني (فقط) النقص في العديد والعتاد وفي المعنويات...

و نقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر عليا في المؤسسة العسكرية اعترافها، لمرة نادرة وربما غير مسبوقة، بوجود نقص كبير في ثاني أهم سلاح لديها بعد الطيران، وهو دبابات ميركافا، "فخر" الصناعة العسكرية الإسرائيلية، والتي يجري تصنيعها في الداخل. كذلك، فالوقائع تُظهر أن الضرورات الميدانية أعادت إلى العمل نموذجاً قديماً من ناقلات الجند (الملالة M113)، كانت القيادة أمرت بإخراجها من الخدمة وإبدالها بناقلات الجند الحديثة من طراز "النمر" (Panther) والتي جرى تدمير أعداد كبيرة منها، بحيث لم يعد المتوافر منها كافياً لتلبية المهمّات. 

وهذا ليس كل شيء. فالخسائر بالآليات يمكن تعويضها على المدى البعيد، أما المشكلة الحقيقية فتتمثل بالعنصر البشري الذي يتعسّر تعويضه عندما ينقص... ونقص كثيراً. والجدير بالذكر أنه، خلال الأشهر الأولى من الحرب، نشرت "يديعوت أحرونوت" تقريراً غريباً عن خسائر جيش الاحتلال في الحرب، قالت فيه إن عدد الجنود الجرحى بلغ نحو 5 آلاف، بينهم ألفان على الأقل أصبحوا في عداد المعوّقين"... لكن الصحيفة ما لبثت أن سحبت تقريرها هذا، لتعيد نشره مع أعداد للمصابين أقل من ذلك كثيراً.

في المقابل، كشفت صحيفة "هآرتس"، في المرحلة ذاتها، أن ثمة فجوة كبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي يعلنه الجيش الإسرائيلي، وما تظهره سجلات المستشفيات. وإذ أشارت إلى أن العدد الذي أعلنه الجيش (في حينه) هو 1600 جريح، أظهرت القوائم التي أعلنتها المستشفيات أنها استقبلت 4591 جريحاً خلال الفترة نفسها. وهنا تُسأل الرقابة العسكرية.

ثم تأتي قضية حاجة "الجيش" الى مزيد من المتطوعين... وهذا ما اضطر القيادات إلى العمل على إطالة مدة الخدمة العسكرية الإجبارية لمجندي الاحتياط، ثم المغامرة فوق ذلك بمواجهة معضلة تجنيد الحريديم، والتي لم تنتهِ فصولاً بعد.

وخلال الأسبوع الثالث من تموز/يوليو الحالي، صدر تقرير عن معهد "سياسة الشعب اليهودي" أظهر انخفاض الثقة بالجيش الإسرائيلي بصورة كبيرة، بحيث أعرب 55 % من اليهود عن "ثقة منخفضة"، بينما أبدى 80% من الإسرائيليين اليمينيين، عدم الثقة.

تلك عينة محدودة من الحقائق المريرة التي تكشف ظهر جيش الكيان، وتُثقل كاهله، وتُعجزه عن تأدية المهمّات المنوطة به. هذا من دون الإتيان على ذكر الذين عوّقتهم المعارك والفارين من الخدمة والمنتحرين والذين أًصيبوا بأمراض نفسية وسلوكية تحول دون جدارتهم بحمل السلاح.

وتبقى الحقيقة عارية تحت الشمس: هذا هو الجيش الذي يراهن نتنياهو عليه ويهدد به المقاومة في فلسطين المحتلة وفي لبنان.