ملفان سياديان: "أمن عام لبنان" بين قبرص وملف النازحين؟!

الأمن العام اللبناني بتوجيهات ومتابعة اللواء إلياس البيسري بدأ بالعمل لإطلاق أوسع عملية مسح شاملة لوجود السوريين وتسجيلهم وفرزهم بين شرعيّ وغير شرعيّ.

  • الأمن العام اللبناني يطرح عدة صيغ لتأمين عودة النازحين إلى بلدهم.
    الأمن العام اللبناني يطرح عدة صيغ لتأمين عودة النازحين إلى بلدهم.

فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة والجنوب اللبناني وقائع متسارعة أمنية وسياسية. كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إمكانية استخدام "إسرائيل" لمطار قبرص منطلقاً لطائراتها الحربية في حال نشبت حرب كبرى، وحذّر من أن ذلك سيُدخلها في موقع المشارك ما يستوجب الردّ.

هذه الأحداث دفعت بالمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري متابعة الأمر وتداعياته وإجراء مباحثات لأخذ ضمانات من السلطات القبرصية على التأكيدات التي صدرت عن أكثر من مسؤول فيها أولها رئيس الجمهورية، لعدم السماح لأيّ خرق لسيادة لبنان من قبل دولة صديقة، لها مع لبنان باع طويل من العلاقات المستقرة. 

بالتوازي يعمل اللواء البيسري على ملف لا يقلّ أهمية، بل هو من أكثر الملفات خطورة وإلحاحاً وهو ملف النازحين السوريين في لبنان. فبالإضافة إلى المخاطر الأمنية من وجود بعض المدسوسين، تفرض الظروف المعيشية حالها على الواقع اللبناني المتهاوي اجتماعياً وسياسياً ومالياً ومؤسساتياً.

في لبنان نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري يستهلكون يومياً أكثر من 400 ألف ربطة خبز، 350 ميغاوات كهرباء، أكثر من 130 مليون ليتر ماء، أكثر من 100 ألف فرصة عمل في مختلف قطعات الإنتاج في لبنان، 90 بالمئة استشفاء في المرافق الصحية اللبنانية -على حساب الأمم المحتدة، إضافة إلى تحويلات مالية إلى الخارج تقدّر بنحو 65 مليون دولار شهرياً.  

أعطى مجلس الوزراء الضوء الأخضر لجهاز الأمن العام للمباشرة بتطبيق الخطة لمعالجة موضوع النازحين، وتقوم الخطة على المباشرة بعملية تسجيل النازحين في الدوائر اللبنانية المختصة بعد أن تخلّفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن تسليم الداتا الحقيقية ضمن المهلة التي أعطاها لها الأمن العام، كما أن الضغوط الأوروبية حاصرت القرارات الحكومية المتعلقة بتنظيم أوضاع النازحين السوريين في لبنان، عبر التهديد بقطع العلاقات الثنائية، إلا أنّ مصلحة لبنان تطلّبت اتخاذ إجراءات صارمة لا مجال فيها لأي مقايضة.

الأمن العام اللبناني بتوجيهات ومتابعة اللواء إلياس البيسري بدأ بالعمل لإطلاق أوسع عملية مسح شاملة لوجود السوريين وتسجيلهم وفرزهم بين شرعيّ وغير شرعيّ، وتجميع الداتا، وقد تمّ صرف مبلغ   50 مليار ليرة لها، أي ما يعادل نصف مليون دولار، وقد بدأ الأمن العام بتحضير المراكز، وشراء الأجهزة التقنية، لتبدأ بعد ذلك عملية المسح على الأرض في كلّ المناطق اللبنانية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والبلديات المحلية كافة، في الأماكن المكتظة أو ذات الحساسية العالية. 

نظريّاً تبلّغت مفوضية اللاجئين من الأمن العام عزمه القيام بتولّي الملف خصوصاً أن لبنان وقّع عام 2003 على مذكّرة تعطيه هذا الحقّ (مذكّرة التفاهم التي وقّعتها المفوضية مع وزارة الداخلية والأمن العام في 2003، والتي تؤكّد أن لبنان ليس بلد لجوء، وتنصّ على عدم السماح لأيّ شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية بأن يتقدّم بطلب لجوء لدى المفوضيّة بعد شهرين على دخوله).

تتوقّع مصادر اللواء إلياس البيسري أن تأخذ هذه العملية بين شهرين وثلاثة أشهر للتنظيم والفرز، ولن تعطى الإقامات إلا لمن تتوافر فيه الشروط القانونية، وسترحّل كلّ الحالات غير القانونية، بمعنى الداخلين خلسة إلى لبنان.

أما لجهة ترحيل المخالفين فسيتمّ ذلك بالتعاون مع السلطات السورية، ما يتطلّب التواصل مع السلطات المعنية السورية، وهي مهام ستكون على عاتق المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري من خلال زيارات سيقوم بها إلى دمشق لعقد اجتماعات مع المعنيين من أجل تسهيل تنفيذ الخطة.

وتبقى عدة تساؤلات لا مفرّ من طرحها. الأمن العام اللبناني يسعى جاهداً للوصول إلى حلول جذرية، وهو يطرح عدة صيغ لتأمين عودة النازحين إلى بلدهم، والحكومة اللبنانية أعطت توجيهاتها، إلا أن انقطاع الحوار الجدي بين بيروت ودمشق وعدم التواصل المباشر العلني على مستوى المسؤولين يترك هامشاً لإفشال أي خطة لاستكمال الملف. 

فالتعاون السياسي الغائب وعدم الدعم الخارجي ينذران بأن ملف العودة لم يحن توقيته، كما أن المخاوف تتزايد من عرقلة المفوضية لمهام الأمن العام من خلال الطلب من السوريين المسجّلين لديها بعدم إعطاء أيّ معلومات وبالتالي عدم التعاون.

ومع تأكيد رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس في اتصال جرى بينه وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل شهرين أن دمشق ترحّب بعودة النازحين، كذلك التنسيق بين الحكومتين للوصول إلى حل لهذا الملف، يبقى على لبنان التوافق على خطة تواصل رسمية مع الحكومة السورية لطرح خطط تسهيلية من الجانب السوري أيضاً، من شأنها أن توقف مواصلة عامل النزوح من سوريا إلى لبنان من جهة، وتسهّل عودة الشبان السوريين من لبنان إلى سوريا من جهة أخرى، وفق ما يتناسب مع شروط تتوافق مع حياتهم باستثناء طبعاً المتورّطين بالدماء السورية.