ما الدوافع الحقيقة التي أدت إلى "طوفان الأقصى"؟
المقاومة بحسب مجريات الواقع الميداني، قادرة على إطالة أمد المعركة، بالتالي استنزاف العدو، وإغراقه في "رمال غزة". فالوقت لا يمضي لمصلحة قوات الاحتلال وكذلك الميدان.
قبل إنجاز المقاومة الفلسطينية لعملية "طوفان الأقصى" في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، تصدّرت مسألة تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، واجهة التطورات السياسية على مستوى المنطقة قبيل التاريخ المذكور، بالتالي إنهاء القضية الفلسطينية.
وفي موازاة ذلك وقبل العملية أيضاً، كان الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض سيطرته على نحو ربع مساحة القدس، من خلال محاولة الاستيلاء على أحياء القدس القديمة، التي تعود ملكيتها للفلسطينيين، تحديداً العقارات ذات سندات الملكية القديمة، التي تعود إلى زمن الاحتلال العثماني للمنطقة.
والدليل القاطع على إمعان العدو في عمليات السطو على الأراضي المقدسيّة، يوم حاول السطو على حي "الشيخ جراح" الواقع في الجانب الشرقي من "المدينة القديمة" في بداية ربيع العام 2021.
غير أن هذا العدو فشل يومها في تحقيق مطامعه الاستيطانية، فلم يكن يعلم، أن لدى مالكي العقارات في الحي المذكور، سندات ملكيةٍ من السلطات الأردنية تثبت ملكيتهم لتلك العقارات، يوم كانت القدس الشرقية تحت سلطة المملكة الهاشمية، ما قبل حرب العام 1967. وكلّ ذلك يصبّ في هدفٍ واحدٍ، ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية.
وتمهيداً لتحقيق هذه الغاية أي (ضرب القضية)، وفرض "الاعتدال" في مختلف الدول العربية، بمعنى أوضح، أي "تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الغاصب"، اندلع في المنطقة ما عرف بـ "الربيع العربي" بإدارة غربية ودعم مباشر من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب والترك، الذي أدى إلى إضعاف مختلف الدول العربية، الموالية للغرب وسواها على حدٍ سواء، وبذلك صارت "إسرائيل" الأقوى في المنطقة، أضف إلى ذلك، فقد انتقلت "المرجعية العربية" إلى الخليج، من القاهرة إلى الرياض.
أمام هذا الواقع المرير، كان لا بدّ للمقاومة الفلسطينية من القيام بعملية "طوفان الأقصى"، رغم توقّعها لا بل تأكّدها بأن الأثمان لن تكون قليلةً أبداً، من جراء هذا الإنجاز التاريخي.
فاختارت المقاومة الظرفين المناسبين للعملية، من الناحيتين الميدانية والاقتصادية. وهنا يذكر أن الكيان يمر بظروف اقتصادية ومعيشية دقيقة، حيث يشهد ارتفاعاً في أسعار السلع الاستهلاكية، وتشهد عاصمته "تل أبيب" ارتفاعاً في أسعار وإيجارات العقارات. ولا ريب أن هذا الواقع الاقتصادي يسهم في دفع الصهاينة إلى الهجرة من الكيان، لذا عملت حكومته على دعم بعض السلع الاستهلاكية، لترغيب المستوطنين بالبقاء في الكيان.
وسط هذه الظروف، وفي ليل الـ 6 من تشرين الأول/أكتوبر، استدعت قيادة المقاومة 1200 مقاتل، لتنفيذ العملية البطولية، وتركت لهم حرية الخيار في المشاركة في العملية، أم عدمها. لكن جميعهم أبدوا الرغبة والاندفاع في المشاركة، وكان "فجر الانتصار" في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، يوم اقتحم رجال المقاومة غلاف غزة، بالدراجات النارية وبعض الآليات الخفيفة، ليس إلا. وكانت المفاجأة بسرعة انهيار قوات الاحتلال تحت ضربات المقاومين، الذين قتلوا وجرحوا وأسروا مئات الجنود الصهاينة. فقد ذكرت بعض المعلومات أن عددهم بلغ نحو 700 جنديّ.
ولعل أبرز ما حقّقته هذه العملية، هو تسديد ضربة قوية للمشروع الأميركي في المنطقة، وهو تفوّق "إسرائيل" على الدول العربية، كإحدى أبرز نتائج "الربيع العربي"، كما ورد آنفاً. وإلا لماذا أتى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ثلاث مرات إلى الكيان الغاصب، خلال عشرة أيام فقط، لشدّ أزره، لو لم يكن يستشعر بالخطر على المشروع الأميركي في المنطقة؟
أما في شأن ارتدادات هذه العملية على غزة والغزيّين، فمن الطبيعي أن يكون الاجتياح البري لغزة، كردّ فعل انتقامي من العدو الإسرائيلي على إنجاز "طوفان الأقصى"، وارداً في الحسبان، لا بل مؤكّداً لدى المقاومة، التي ستستنزف العدو في غزة. وفعلاً هذا ما حدث، فلم يلتحم جنود الاحتلال مع المقاومين في القطاع حتى الساعة، فقوات الاحتلال لا تزال تحاول التقدّم نحو عمق القطاع، مدعومةً بألف مدرعة، خسرت منها أكثر من مئتي دبابة مع طاقمها، منذ بدء العملية البرية على غزة في نهاية الشهر الفائت.
ولا تزال المقاومة تمطر عمق الكيان الصهيوني بالصواريخ، وتكسب بالنقاط، خصوصاً في إثر ازدياد مشاعر الغضب لدى "الإسرائيليين" الذين يطالبون حكومتهم بوقف الحرب، وإجراء صفقة تبادل للأسرى مع المقاومة الفلسطينية، في وقتٍ لم تحقّق فيه قوات الاحتلال أي إنجاز ميداني يذكر في غزة، سوى إظهار بعض "الإنجازات" الصورية، كعرض صور بعض جنود "لواء غولاني الصهيوني" في مبنى البرلمان في غزة، على سبيل المثال لا الحصر.
وسط هذا الفشل العسكري لـ "جيش" الاحتلال، يتوقّع خبراء عسكريون ومحللون استراتيجيون أن يستمر في عدوانه أكثر أربعة أسابيع على أبعد تقديرٍ، كونه يستنزف من عدة جبهات، من غزة، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، واليمن من جهة البحر الأحمر. ناهيك بالاستهداف المتواصل للمقاومة العراقية لمواقع قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا، في إثر عملية طوفان الأقصى من دون انقطاع، كردٍ على الدعم الأميركي لـ "إسرائيل" في عدوانها على غزة.
وفي الخلاصة، الأكيد أن المقاومة بحسب مجريات الواقع الميداني، قادرة على إطالة أمد المعركة، بالتالي استنزاف العدو، وإغراقه في "رمال غزة". فالوقت لا يمضي لمصلحة هذا العدو، كذلك الميدان. ومن البديهي أن ما بعد "طوفان الأقصى" ليس كما قبله، ومشتبه من يعتقد أن المسار السياسي سينطلق في فلسطين من دون المقاومة الإسلامية، ومن يأتي على ظهر دبابة "إسرائيلية" على "القطاع"، حتماً ستتعامل معه المقاومة على أنه مجرّد عميل.