رغم وقف النار في لبنان، حزب الله، ماضٍ في إسناد غزة
يجب أن ننظر إلى وقف النار في لبنان على أنه فرصة لإعادة تسليط الضوء على مظلومية غزة وحرب الإبادة الصهيونية ضدها، حيث زاغت أنظار العالم عنها نتيجة تصاعد وتيرة حرب لبنان.
نجحت مساعي وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني من جهة ولبنان من جهة أخرى، بعد 416 يوماً من جبهة الإسناد التي فعّلها حزب الله من صبيحة اليوم التالي للسابع من أكتوبر 2023، وبعد 71 يوماً من مواجهة العدوان المفتوح على لبنان.
هدف حزب الله من وراء تفعيل جبهة الإسناد هو (تخفيف التركيز والجهد العسكري الصهيوني عن غزة) لمنع العدو من القضاء على المقاومة فيها، مقدّمة للهدف التالي والأكبر والمعلن وهو إنهاء العدوان على غزة من خلال ربط إيقافها بإنهاء جبهة الإسناد في لبنان، الذي لم يتحقّق.
وسبب عدم تحقّقه ليس تقصيراً من حزب الله، حاشا وكلا، حيث إنّ الحزب قدّم الغالي والنفيس وكلّ ما يملك في سبيل تحقيق هذا الهدف لكنّ حسابات الحقل لم تتناسب مع حصاد البيدر وذلك لجملة من الأسباب أبرزها:
- أنّ "إسرائيل" بعد طوفان الأقصى شعرت بخطر وجودي واجهتنا على أثره بالقوة ومزيد من القوة من دون أيّ رادع، وفي ظهرها العالم كلّه، وفي ظلّ صمت دولي وعربي وإسلامي شعبي ورسمي.
- وأسباب أخرى تتعلّق بحالة المناعة التي اكتسبتها "إسرائيل" من جرّاء كسر الحواجز التي كانت تخشاها، فمثلاً كان يؤلمها في السابق مقتل جندي أو اثنين، بعد السابع من أكتوبر ونتيجة قتل زهاء 800 جندي في اليوم الأول أصبحت تنظر لخسارة جندي أو اثنين أو خمسة في اليوم بمعارك الميدان عدداً محمولاً ومستوعباً، وكذلك الأمر بالنسبة للأسرى.
- هذا بالإضافة إلى خط الإمداد العسكري واللوجستي والمادي والمالي الأميركي والعربي، حيث تقوم عدة دول عربية منها الأردن والسعودية والإمارات بإمداد الكيان الصهيوني يومياً بقرابة الألف شاحنة محمّلة بالاحتياجات والبضائع كتعويض عن إغلاق أنصار الله في اليمن مضيق باب المندب أمام حركة الملاحة المتوجّهة للعدو الصهيوني.
كلّ هذا يدفعنا لتفهّم موقف حزب الله في توجّهه نحو الاستجابة لمسار سياسي لإنهاء هذه الجولة من المواجهة مع الكيان المؤقت، حيث إن الخسائر التي تلحق بالمقاومة في إثرها تفوق المكاسب، وهنا تكمن ضرورة إيقاف الخسارة وهذا جزء من الربح بل هو الربح بعينه.
ولكنّ هذا يتطلّب من المقاومة في لبنان أيضاً عدم عقد أيّ اتفاق لا يلبّي شروطها ومصالحها وثوابتها اللبنانية، حيث إنه بعد كل هذه التضحيات من المجحف أن تخرج باتفاق أقلّ من ذلك الذي أعقب عدوان تموز عام 2006، وباعتقادي هم متنبهون إلى ذلك.
كما أنه من الجور والظلم أن يتمّ رمي حزب الله بما لا يطيق نتيجة قراره المؤلم والضروريّ هذا، حيث أعلم أنه قرار (كمن يتجرّع كأس السُمّ الملوّث بقبول القرار) كما قالها نصّاً الإمام الخميني، رحمه الله، قبل إنهاء الحرب العراقية الإيرانية معلّقاً على قرار الأمم المتحدة 598 القاضي بذلك عام 1988.
خاصة أن جبهة إسناده لم تتوقّف ولن تتوقّف، وسيبقى إسناده للمقاومة الفلسطينية بالدعم المادي والعسكري وبالمال والقدرات والتقنيات والخبرات حاضراً وفاعلاً وسنرى أثره في الميدان، فمن المعلوم أنه لم يقدّم أحد في هذا العالم بعد إيران مثلما قدّم حزب الله لفلسطين منذ تأسيسه حتى يومنا هذا، وخاصة بعد طوفان الأقصى. كيف لا وهو من جاد بقادته وعلى رأسهم سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله وخيرة مقاتليه.
إضافة إلى أننا في هذا الصدد أيضاً بحاجة إلى الحفاظ على لبنان ومقاومته، وبقائه سنداً قوياً وعمقاً كبيراً لغزة ومقاومتها.
كما يجب أن ننظر إلى وقف النار في لبنان على أنه فرصة لإعادة تسليط الضوء على مظلومية غزة وحرب الإبادة الصهيونية ضدها، حيث زاغت أنظار العالم عنها نتيجة تصاعد وتيرة حرب لبنان، إضافة إلى أنّ الهدوء في لبنان قد يساهم في تعزيز الوصول لإنهاء الحرب في غزة.
وفي الختام، تبقى هذه جولة صحيح أنها انتهت، لكن تذكّروا أنّ حزب الله هذا الذي اضطرّت "إسرائيل" صاغرةً إلى أن تعقد اتفاقاً معه هي نفسها التي تعاملت معه بنبرة استعلاء وأنه قد انتهى وانكسر بعد هجوم البيجر واغتيال القادة واستشهاد الأمين العام، ولكنه هو نفسه الذي ردّ كيدها إلى نحرها وواجه العدوان بقوة واقتدار، واستطاع إفشال كلّ المؤامرة التي كانت تستهدف كسره، وخرج من هذه الحرب أشدّ بأساً وأمضى عزيمة وأقوى شكيمة.