بين أبراج 11 سبتمبر الأميركية وأبراج غزة!

تقف أميركا ومن يناصرها عاريَين من القيم الإنسانية، ويجد الناس واشنطن حيث التناقض والاختلال في الموازين والمحاباة بكل عنجهية وصلف من دون أن يكون لفعلها وجاهة تتستّر بها وتغطّي سوأتها.

  • قصف أبراج غزة.
    قصف أبراج غزة.

في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر من عام ألفين تم تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك، وبعده قامت الدنيا ولم تقعد، وجندت أميركا العالم لمحاربة ما يسمى الإرهاب، وقامت باحتلال أفغانستان، ثم العراق، ومارست هناك، عبر هذه الذريعة، كل صنوف القتل والتدمير والإرهاب، وصنّفت العالم: إمّا معها في حربها هذه على "الإرهاب"! وإما ضدّها. وصارت أميركا تبدو كأنها ومن معها الصفّ العالمي الذي وقع ضحيّة لـ"الإرهاب"، وبالتالي خوّلتها هذه الصفة أن تحارب "الإرهاب" وفق الطريقة التي تراها ملائمة، ولها الحق في أن تصنّف العالم وتديره على هذا الأساس، عبر كل الطرائق التي تلائم مقاسها وتتحرّك بحسب ما تراه أهواؤها.

وعندما ننظر إلى أبراج غزة نرى هول المفارقة. بداية قيل إن الذي قام بهذا الفعل هناك هو تنظيمات إرهابية. ماذا نقول هنا عن كيان يدّعي أنه "دولة"، فيمارس على الملأ إرهاب الدولة، معروف العنوان والهويّة، بكلّ صلف لا يخشى أن يوصم بالإرهاب وأن يلاحَق من جانب دعاة حقوق الانسان وكل القيم الإنسانية التي تتصف بها البشرية هذه الأيام، يرتكب الجريمة بكل غطرسة وعنجهية ولا يخشى في ذلك لومة لائم، ولا أن تتحرّك ضده هذه الدول التي تدّعي محاربة الإرهاب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.

أين ما تدّعيه هذه "الدولة" من القنابل الذكّية التي تصيب بدقّة جراحية؟ هذا الفعل يؤكد أنها مجرّد عصابة إجرامية لا تزيد ولا تقلّ. هي عبارة عن كتلة إرهابية لا تعرف من الحياة إلا ممارسة الإرهاب والعدوان، وهي بهذا الفعل تلخّص تاريخها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وأنها قامت على الإرهاب ولم تتمكّن من الأرض التي احتلتها في فلسطين إلا عبر استخدام كل الوسائل الإرهابية، فلا يمكن أن يتصوّر أحد أنّ شعب فلسطين خرج من دياره هائماً على وجهه بعد أن ترك بياراته ومدنه وقراه من إرهاب قليل، بل كيل له من الإرهاب ما دفعه إلى هذه الهجرة الجماعية المريعة؟!

هذه الأيام نعيش التجربة من جديد، بصورة أبشع وأشد ضراوة من تلك المجازر المريعة التي هجّرت شعباً بأكمله واقتلعته من مدنه وقراه ليعيش الشتات ومخيمات اللجوء منذ خمسة وسبعين عاماً.

أميركا طالبت كل دول العالم بأن تدين ما تعرّضت له من هجمات، واليوم هي ليس فقط لا تدين، بل تقف بالباع والذراع وتتماهى مع المجرم وتقدّم إليه الدعم بلا حدود، ماديّاً وسياسياً، وتحبط أي محاولة في مجلس الامن لإدانة هذا الإرهاب.

وأكثر من هذا الذي عودتنا عليه، فإنها هذه المرّة هي التي تحارب بكل إمكاناتها الاستخبارية والعسكريّة، وتقوم بذلك بمباشرة فجّة ووقحة ومن دون أن تحسب لأحد أيّ حساب، وخصوصاً الدول العربية والإسلامية المتحالفة معها. 

أميركا جيّشت تحالفاً دوليّاً، وقادت حملة ضدّ من قام بتفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، واليوم هي تقف بكل ما لديها من قوة ونفوذ مع المجرم!! تقف مع من يقوم جهاراً وعلانية بهذه الجريمة، تمارس ازدواجية معايير ساحقة، كأن العالم ذاكرته قصيرة ولا يقارن بين موقفها وما فعلته عندما أصابها الإرهاب! وبين ما تقوم به من دعم للإرهاب الذي تمارسه ربيبتها بلا حدود. 

وهنا تقف أميركا ومن يناصرها عاريَين من القيم الإنسانية، ويجد الناس واشنطن حيث التناقض والاختلال في الموازين والمحاباة بكل عنجهية وصلف من دون أن يكون لفعلها وجاهة تتستّر بها وتغطّي سوأتها، فأي قيم إنسانية تمثّلها وهي تقف بهذه الصورة الفظّة والقاسية والمريعة والمتناقضة؟

لن تعدو صورتها صورة رجل الكاوبوي الذي يحترف القتل والإجرام وصورة ذاك الإنسان الأبيض الذي أقام صرحه على جماجم ما يزيد على ثمانين مليونا من الهنود الحمر، الذين أبادهم من دون أي رحمة، أو صورة ذاك الذي يلقي القنابل الذريّة على المدن اليابانية فيبيد ويشوّه مئات الألوف من البشر، أو ذاك الإرهاب الذي قضى على ملايين البشر في العراق وأفغانستان بحجة محاربة الإرهاب، فمارس الإرهاب عليهم أضعافا مضاعفة. 

إن ما يقوم به هذا الكيان النازيّ الفاشيّ اللقيط، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة، من تدمير وقتل وإرهاب، وتدمير لتلك الأبراج السكنية التي تتفنّن في هدمها ماكينته العسكرية المذخّرة بالسلاح الأميركي الفتّأك، بصورة مريعة، ما هو سوى دليل ساطع على إرهاب العصابة التي تأخذ شكل "الدولة"؛ إرهاب يثبت أنهم أفلسوا من أن يكون لهم حضارة إنسانية تستحق الاحترام، بل هي على العكس تماماً لا تمتّ إلى الحضارة الإنسانية بصلة، وهي عبارة عن كتلة إجرامية لا تعرف إلا الجريمة وقتل الحضارة الإنسانية وممارسة الإرهاب.

كذلك، فإن هذا التوصيف الموضوعي الدقيق لما هي عليه حالهم ينطبق تماماً على الولايات المتحدة. ونحن، إذ نؤكد هذا، فإننا نبني ذلك على تصريحات واضحة لا تحتمل التأويل لكبار مسؤوليهم من الرئيس ووزير الخارجية والدفاع، وكان آخرها قبيل استئناف العدوان الأخير، تصريح وزير الخارجية الأميركي، وقوله "إن قرّرت إسرائيل مواصلة الحرب فسندعمها ونكون معها". وهذا ليس مجرّد ضوء أخضر، وإنما هو الشراكة الكاملة في العدوان.

والمطلوب من الأمة المستضعفة أن تلمّ شعثها وأن تصطف مع قضيتها المركزية، كل بحسب إمكاناته ومقدّراته، ولو بالموقف السياسي وقطع العلاقات وتقديم المساعدات الإنسانية، عبر معبر رفح الحدودي المصري الفلسطيني.

وهذا أضعف الإيمان لأن المطلوب أكثر من هذا كثيراً. وإذا أردنا أن نعرف الكثير فلننظر إلى ماذا يقدّم معسكر الطرف الثاني إلى الكيان. فالدعم الكامل من مقتضيات مصالح المنطقة لأن هذا العدوان يتمدّد ويطال كل دول المنطقة. فعلى سبيل المثال، الدعم الإسرائيلي الهائل لإثيوبيا في بناء السدّ الذي يجفّف النيل ويحرم مصر من حقوقها المائية.

ألا يدفع هذا مصر إلى دعم المقاومة الفلسطينية؟ مجرّد مثال، وهذه فرصة لمصر للرد على العدوان على مياهها في النيل. وقس على ذلك. فمحاولة تهجير الفلسطينيين تضرّ بالدولتين المجاورتين لفلسطين: مصر والأردن.