انتصار واستنزاف في غزة وجنوب لبنان... ماذا عن الجبهة السورية؟

سوريا ما زالت تعاني من تبعات الحرب ضد الجماعات التكفيرية المموّلة من "تل أبيب"، وواشنطن ودول غربية لكل منها أجندات ومصالح من جراء ما يحصل على الأراضي السورية منذ عام 2011.

  • جبهات مقاومة عدة تفتح النار على العدو الإسرائيلي نصرة لأهلنا في غزة.
    جبهات مقاومة عدة تفتح النار على العدو الإسرائيلي نصرة لأهلنا في غزة.

لم تنحصر الحرب ضد الكيان الغاصب في بقعة جغرافية واحدة منذ أن عرفها العالم المعاصر، بل كانت تمتد بين الحين والآخر إلى جبهات عدة متفرقة، سواء أكانت حرباً مباشرة مع الكيان، أو بطريقة غير مباشرة من خلال عملائه في المنطقة، أو عبر الخلايا التي يعمل على تنشيطها للقيام بالدور نفسه، ولكن بزيّ مختلف. 

تتعدد الجبهات وغاية العدو واحدة في المضمون، مختلفة في الشكل والمكان، حروب جرى توظيفها لتشخيص الواقع في كل منطقة لتغييره وطمس شواهده التاريخية لكل جزء من أجزائه، فذاك العدو الغاصب للأراضي الفلسطينية لم يحسن تقدير قوة المشاعر الدينية والثقافية، فكانت عملية طوفان العزة والكرامة التي انتهت بفضح مدى هشاشة هذا الكيان وإجرامه، وأما دمشق فقد عبر عليها عقد ونيف من مواجهة الاستيطان التكفيري لتجريدها من مصادر هويتها الثقافية وإلحاقها في الركب المهيأ، فمن لا يطبل للكيان الصهيوني يصمت عن استبداده، وتلكم بيروت التي لم تفلح محاولاتهم في تغريبها باسم التطوير والتحديث على طراز الغرب وعلمنة مفاصل الدولة والمجتمع، بعد هذا كله رأينا كيف تدافع الشعوب عن وجودها وهويتها المهددة ودفاعاً عن الوجود الجمعي العربي.

منذ عملية "طوفان الأقصى" البطولية للمقاومة في فلسطين، والكيان الغاصب يتكبّد خسائر فادحة على المستويين العسكري والاقتصادي، وتراجع في مستوى الرضى عن الحكومة التي يقودها نتنياهو، التي أصبحت عبئاً على المستوى الداخلي بسبب سوء إدارتها للأزمة المحاطة بالكيان، إذ لقي المئات مصرعهم وجرح الآلاف وأسر العشرات من جنود الاحتلال، وإجلاء عشرات الآلاف من سكان المغتصبات وأضرار جسيمة لحقت في القطاع الاقتصادي، والتي تقدر بنحو 200 مليار دولار نتيجة تدهور قيمة الشيكل، والشلل التام الذي لحق بحركات الطيران وقطاعي الطاقة والسياحة.

أما على الصعيد الخارجي فقد أصبحت "إسرائيل" ثقيلة الكاهل على الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الغرب المنهك اقتصادياً من خلال دعمه لأوكرانيا بالمليارات التي أنفقها على تسليحها، إضافة إلى الأزمة الخطيرة في العلاقة المتدهورة بين بايدن ونتنياهو بشكل مطرد منذ بدء الحرب، بسبب الأجندة السياسية المختلفة وأهداف الحرب المتضاربة.

جبهات مقاومة عدة تفتح النار على العدو الإسرائيلي نصرة لأهلنا في غزة، كالهجمات التي نفذتها القوات اليمنية في حركة أنصار الله في البحر الأحمر وفي العمق الفلسطيني، من صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة واستهداف للسفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.

والجبهة الجنوبية في لبنان التي شهدت تصعيداً كبيراً في الآونة الأخيرة، مع تكثيف الطيران الحربي الإسرائيلي هجماته على مناطق عدة في لبنان، فيما تستمر المقاومة (حزب الله) في هجماتها ضد قوات الاحتلال يومياً، وتلحق الخسائر في الجنود وتجهيزاتهم العسكرية المتطورة، مع فراغ تام في المستوطنات الشمالية في حرب استراتيجية يقودها الحزب تحت مسمى استنزاف "إسرائيل" وتشتيت "جيشها".

وفي السياق السياسي، فقد نقلت صحف عبرية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يزور واشنطن، وهو الذي يعدّ الأكثر تشدداً بين أعضاء كابينيت الحرب في ما يتعلق بإبعاد المقاومة عن الحدود، واستجداء بايدن للحصول على دعم أميركي واسع لـ"إسرائيل" لتوسيع القتال على الجبهتين في القطاع والجبهة اللبنانية، وحضّه الرئيس الأميركي على الضغط على طهران في وقف هجمات المقاومة اللبنانية باعتراف ضمني بأن "إسرائيل" خسرت الكثير من جراء هجمات حزب الله.

وسط هذه التطورات، يبقى السؤال: ماذا عن الجبهة السورية، وموقفها من الحرب المستعرة في غزة وجنوبي لبنان؟ لا يخفى على القاصي والداني أن سوريا ما زالت تعاني من تبعات الحرب ضد الجماعات التكفيرية المموّلة من "تل أبيب"، وواشنطن ودول غربية لكل منها أجندات ومصالح من جراء ما يحصل على الأراضي السورية منذ عام 2011.

لدمشق كانت هنالك نظرة مختلفة في التعاطي ودخول الحرب بشكل مضمر وبإستراتيجية (ضرب الرأس)، فمنذ بدء الحرب الظالمة على غزة ازدادت الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا، في حرب مفتوحة ومعلنة ضد واشنطن الداعمة الرئيسية لـ"إسرائيل"، حيث شهدت مناطق شمال وشرقي سوريا هجمات بشكل دوري ويومي على القواعد العسكرية الأميركية في دير الزور والبوكمال والحسكة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وأبرزها قتل ثلاثة جنود من عناصر الجيش الأميركي وأصيب أكثر من 35 آخرين من جراء استهداف قاعدة في الأردن، بالقرب من الحدود السورية، ما أدى إلى تعالي الأصوات في الكونغرس حول جدوى وجود تلك القوات هناك من الأساس والمطالبة بسحبها، مسارعة إلى إجراء محادثات مع بغداد قد تفضي إلى سحب قواتها من العراق، ودراسة إدارة بايدن سحب قواتها من سوريا أيضاً. 

هذه الإجراءات في السياسة الخارجية لإدارة بايدن لا تغير شيئاً في موقف دمشق، التي لطالما كانت سباقة في رفض أي استعمار في المنطقة، والدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية لتحرير كامل أراضيها، والوقوف مع أي جبهة لمواجهة المخططات الصهيونية واستعادة الأراضي السورية المغتصبة كاملة.