القمة الأفريقية – الأميركية.. صورة واشنطن الضائعة

من دون شك أن التحرك الأميركي جاء رداً على توسع الحضور الصيني، وخصوصاً اقتصادياً وتجارياً، ووصول روسيا إلى أفريقيا.

  • القمة الأميركية الأفريقية.. في سياق أولويات الأخيرة والتنافس الدولي
    القمة الأميركية الأفريقية

أعادت القمة الأميركية الأفريقية الثانية، والتي استضافتها العاصمة واشنطن، إحياءَ تساؤلات بشأن موقع الولايات المتحدة في سياق القوى الدولية لتعزيز النفوذ في أفريقيا، ولاسيما مع نجاح قوى منافسة كالصين وروسيا في بسط حضورها بصور متنوعة في دول القارة، كما لم تغب قوى حليفة لواشنطن، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا أو حتى تركيا، عن مشهد التنافس الدولي على القارة، التي وصفتها الإدارة الأميركية نفسها بأنها قارة المستقبل.

وبينما يكتسي التنافس الدولي على الساحة الأفريقية وجهاً اقتصادياً، فإن البعد الثقافي لا يبدو غائباً، فالقوى المتنافسة تحمل رؤى أيديولوجية أو حتى دينية متباينة، الأمر الذي يُضفي على التنافس بعداً أعمق من مجرد صراع اقتصادي على قارة تمتلك وفرة في الموارد الطبيعية.

ويرى محلّلون أن عودة الولايات المتحدة إلى القارة الأفريقية لن تكون سهلة، فواشنطن تعود إلى الساحة الأفريقية بعد أن أدارت ظهرها لدول القارة طوال أعوام، فلقد انعقدت القمة الأميركية - الأفريقية الثانية في واشنطن خلال الفترة الممتدة من الـ13 حتى الـ15 من كانون الأول/ديسمبر من عام 2022. وتُعَدّ القمة، التي حضرها 50 مسؤولاً من الدرجة الأولى في القارة الأفريقية، أكبر تجمع دولي في واشنطن منذ ما قبل انتشار جائحة كوفيد – 19. وتعهّدت واشنطن، قبيل انطلاق القمة على لسان مستشارها القومي، جاك سوليفان، تخصيص 55 مليار دولار لتعزيز التعاون مع دول القارة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

الدوافع والتنافس

القمة الأولى كانت قبل 8 أعوام، وتوقّفت القمم الأميركية الأفريقية بعدها. لماذا تذكّرت واشنطن الآن عقد القمة؟ الحقيقة هي أن النفوذ الأميركي في أفريقيا بدأ ينحسر أو يخرج منها، وأن الصين وروسيا وألمانيا، وحتى إيران وتركيا و"إسرائيل" ودولاً خليجية، بدأت تتمدد في أفريقيا. والإدارة الأميركية فعلت ذلك مضطرةً، وأتت (بالجُملة) بـ50 رئيس دولة أو رئيس وزراء أفريقياً، لكنهم رجعوا بخُفَّي حنين، كأن الرئيس الأميركي بايدن كان يحاول أن يقول إنه يفعل شيئاً تجاه أفريقيا، لكنها قفزة في الهواء. وهذا ما نراه واضحاً من خلال بيان الختام من البيت الأبيض. حتى في الولايات المتحدة نفسها. وفي العاصمة واشنطن، لم يسمع بشأن القمة أحد، إلّا بعد مشاهدة إغلاق بعض الطرقات حول البيت الأبيض.

مصر وسد النهضة

إن حضور الرئيس السيسي لم يساهم في إثارة موضوع سد النهضة أو تدخّل أميركا في هذا الأمر، مع حضور إثيوبيا وقدرتها على الضغط عليها، لكن الولايات المتحدة الأميركية لم تفعل شيئاً ولم تتطرق إلى الموضوع، وخصوصاً أن الرئيس السيسي التقى، خلال المؤتمر، قادة المنظمات اليهودية الأميركية، وهم يتمتعون بنفوذ كبير جداً على أثيوبيا. فهذه المنظمات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، في استطاعتها الضغط على إثيوبيا للوصول إلى حل عادل، إذا كان هذا الأمر من الأولويات، لكننا رأينا خيبة أمل كبيرة في هذا الموضوع.

سأل الصحافيون وزير الخارجية الأميركي، في لقاء معهم بعد المؤتمر، عن سدّ النهضة والوساطة بين مصر وإثيوبيا، وكان رده: أن هذا موضوع خاص بين إثيوبيا ومصر، وعليهما أن تجدا الحل. ومعنى ذلك أن الأميركيين نأوا بأنفسهم عن محاولة الضغط على أيّ من الطرفين من أجل إيجاد الحل لموضوع السد. وكذلك، فإن أغلبية بنود البيان، الذي صدر عن المؤتمر، تتحدث عن حقوق الطفل والمرأة والتنمية البشرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني. وهذه الأمور تُعَدّ في مجمل الدول الأفريقية من المحرَّمات، ومعظم من يقوم بهذه الأمور أو يشجعها من المنظمات داخل الدول الأفريقية يقبع في سجون أنظمة تلك الدول، ويُتهَم بأنه يتعامل مع السفارات وعملاء لأميركا والغرب عندما يتحدث عن حقوق المرأة أو الطفل وحقوق الإنسان والتنمية وحتى حقوق التعليم.

الإدارة الأميركية تخلّت، بعد عامين، عن الحصار الذي كانت تمارسه على مصر والرئيس السيسي، فلقد كان بايدن يتجنّب لقاء السيسي. وبناءً عليه، حظيت مصر بجرعة دعم أميركية، وهذا هو الإنجاز الوحيد لمصر. لم نجد نجاحاً لإثيوبيا، لكن لمسنا فشلاً سياسياً لمصر في موضوع سد النهضة.

هل أثبتت أزمات أفريقيا فشل دبلوماسية واشنطن؟ 

استدعى بايدن رؤساء الدول الأفريقية، ولم يكن في إمكان أحد منهم ألّا يحضر. صافحوا الرئيس الأميركي، والتقطوا الصورة التذكارية، وهذا يكاد يكون الإنجاز الوحيد. يؤكد خبراء أن القمة لا تعبّر عن حماية المصالح الأميركية فقط، بل تستهدف حماية الأنظمة التابعة للمعسكر الغربي، والتي كانت تُدار من جانب الاتحاد الأوروبي.

تحدّثت أميركا عن 55 مليار دولار مساعدات لأفريقيا على مدى 3 أعوام، أي بمعدل 18.3 مليار دولار فقط كل عام في قارة أفريقيا، التي تعاني الجوع والتصحر والحروب والمؤامرات، مع العلم بأن أوكرانيا تحصل على ما يزيد على 10 مليارات كل شهر في هذه المرحلة.

من القرن الأفريقي، إلى الصحراء، إلى الساحل الأفريقي والمناطق التي تُخْليها فرنسا، لم تستطع أميركا حتى الآن أن تملأ الفراغ الذي تركته وتتركه فرنسا، بل تقوم فرنسا بتوريط أميركا من خلال الانسحاب من دون تنسيق مع الدولة التي توجد فيها قواتها، ولا مع القوات الأميركية في القارة الأفريقية.

هناك فشل دبلوماسي وانحسار أميركي بسبب تجاهلها، ولمدة 4 أعوام لأفريقيا ودولها من جانب الرئيس السابق دونالد ترامب. فالرئيس الحالي، جوزيف بايدن، لم يكن في عجلة من أجل ملء الفراغ الذي تركه سَلَفه. 

أميركا شعرت بأنها انقطعت عن أفريقيا، وأنها تناستها، واعترف بذلك بعض المسؤولين الأميركيين، الذين قالوا "إننا كان يجب أن نستمر في عقد القمم بعد آخر قمة عام 2014".

هل توقف القمة نفوذ بكين المتصاعد في أفريقيا؟ 

من دون شك أن التحرك الأميركي جاء رداً على توسع الحضور الصيني، وخصوصاً اقتصادياً وتجارياً، ووصول روسيا إلى أفريقيا، فلقد رأينا في الآونة الأخيرة، في عدد من الدول الأفريقية، مظاهرات نُظِّمت لتأييد روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وانتقاد للسياسات الفرنسية والأميركية. وبالتالي، فإن هذا مؤشر على أن الولايات المتحدة الأميركية وصلت إلى قناعة بأنها غابت عن هذه المنطقة، التي تحتوي على ثروات طبيعية هائلة. فهي تملك، على سبيل المثال لا الحصر، 40 % من ذهب العالم. لكن، إلى أي مدى ستستطيع أميركا تغيير الموقف الصيني أو إضعافه، وخصوصاً أن الصين تتمدد أيضاً في اتجاه الدول العربية، وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة من خلال القمم الثلاث التي عُقدت في المملكة العربية السعودية (الحليف التقليدي لأميركا). وهذا يدل على شعور عدد من دول العالم بأخذ منحى التعددية القطبية، ومنها دول كبرى في أفريقيا، مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا.

تعلم الولايات المتحدة بأن العالم يتغير، لكنها لم تعترف بذلك علناً إلّا في أواخر عام 2021 عندما قام الجنرال مبلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بالقول: إن هناك الآن تعددية على مستوى العالم، لكن أميركا لا تزال تعتقد أنها الدولة الأقوى على المستوى العالمي والنفوذ الأكبر، وهي ترى في الصين وروسيا تهديداً لمصالحها، وأن الدور الذي تؤدّيه الدولتان في أفريقيا ومناطق أخرى من العالم يهدّد هذه القيادة الأميركية.