"غوغل تعبث بالحقيقة".. تقنية "Veo-3" تثير قلق الخبراء

يحذّر خبير مغربي من أنّ ما يثير القلق اليوم هو أنّ العملية الإبداعية لم تعد تتطلّب وجود كاتب سيناريو أو مخرج أو طاقم تصوير، بل يكفي تزويد الذكاء الاصطناعي بنص بسيط ليُنتج محتوى متكاملاً بصيغة بصرية.

  • أعلنت غوغل عن العديد من التقنيات الحديثة، من بينها نموذج Veo 3 الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لصنع الفيديوهات.
    أعلنت غوغل عن العديد من التقنيات الحديثة من بينها نموذج Veo 3 الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لصنع الفيديوهات.

أثار إعلان شركة غوغل عن إطلاق أداة "Veo-3"، القادرة على إنتاج فيديوهات فائقة الواقعية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الابتكار، الذي لا يفصل بينه وبين الحقيقة سوى خيط رفيع، موجة من التحذيرات داخل الأوساط التقنية المغربية.

 وعبّرت هذه الجهات عن قلق متزايد من حجم التحدّيات التي تفرضها هذه التكنولوجيا، خاصة في ظل ضعف البنية القانونية التي تؤطّر مثل هذه الابتكارات.

فمع الانتشار المتسارع لمقاطع مصمّمة بعناية تحاكي الواقع إلى حدّ يصعب على المستخدم العادي تمييزها عن المشاهد الحقيقية، ترتفع الأصوات المنادية بضرورة التحرّك العاجل لمواجهة تداعيات هذه التحوّلات الرقمية، التي باتت تهدّد ليس فقط الخصوصية الفردية والحقوق الفنية، بل تمتد آثارها لتطال نزاهة الحياة السياسية ومصداقية المعلومات داخل الفضاء العامّ.

الخطوة تهديد للإبداع

وفي السياق، قال الطيب الهزاز، خبير دولي في مجال الأمن السيبراني والمعلوماتي، إنه منذ إطلاق برنامج "Veo-3" قبل 48 ساعة فقط، تمّ تداول مقاطع مصوّرة على الإنترنت تبدو حقيقية تماماً، ليتضح لاحقاً أنها من إنتاج الذكاء الاصطناعي.

واعتبر أنّ "غوغل" لجأت إلى هذه الخطوة بعدما فشل برنامجها "Gemini" في منافسة أدوات مثل "ChatGPT"، مشيرًا إلى أنّ "Veo-3" يمثّل نقلة تكنولوجية مذهلة لكنها محفوفة بالمخاطر.

وأضاف الهزاز، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ هذه التقنية قد تتحوّل إلى تهديد مباشر في المغرب إذا لم يُسَنّ قانون يواكبها، خصوصاً وأنها قادرة على إنتاج أفلام ومسلسلات ومشاهد حيّة لأشخاص حقيقيين، ما قد يضرّ بالحقوق الفردية والإبداعية، ويجعل من الصعب حماية الخصوصية وحقوق الفنانين.

 العملية الإبداعية لم تعد تتطلّب وجود بشر!

 وقال المتحدّث ذاته إنّ ما يثير القلق اليوم هو أنّ العملية الإبداعية لم تعد تتطلّب وجود كاتب سيناريو أو مخرج أو طاقم تصوير، بل يكفي تزويد الذكاء الاصطناعي بنص بسيط ليُنتج محتوى متكاملاً بصيغة بصرية. واعتبر أنّ هذا التحوّل يحمل في طيّاته خطراً كبيراً على مستقبل الإبداع والحقوق الفكرية، إذ سيصبح من السهل الاستغناء عن مئات الوظائف المرتبطة بالمجال الفني، من التأليف إلى الإخراج.

وحذّر الخبير الدولي في مجال الأمن السيبراني والمعلوماتي من الأثر النفسي والاجتماعي على المغاربة، قائلاً: "إذا كنّا نعتبر أنّ المؤثّرين يشكّلون خطراً على الوعي الجماعي، فإنّ هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أخطر بكثير، لأنه لا يتوقّف عند التأثير، بل يصنع واقعاً مزيّفاً بالكامل يصعب كشفه".

وأكد أنّ إمكانية تطوير أدوات تقنية لتمييز الفيديوهات المزيّفة واردة من الناحية التقنية، لكن تبقى الإشكالية في مدى توفّر هذه الأدوات لعامّة المواطنين، لافتاً إلى أنّ "الأشخاص العاديين لن يكون بمقدورهم التمييز بين الفيديو المفبرك والحقيقي، وهذا يفتح الباب أمام استغلال واسع لهذه التقنية لأغراض مشبوهة".

واستدل الهزاز بفيديو شاهده على الإنترنت يظهر فيه شخص يتحدّث الدارجة المغربية بطلاقة، إلى درجة جعلت المشاهد يعتقد أنه فعلاً مغربي. وأضاف أنّ الذكاء الاصطناعي بلغ مرحلة متقدّمة تمكّنه من تقليد اللهجات بدقة، وهو ما يزيد من خطورته في السياقات المحلية.

تحوّل خطير ومشكلات أخلاقية وقانونية

من جهته، قال حسن خرجوج، خبير معلوماتي متخصص في الشؤون الرقمية، إن إطلاق"Veo-3" يُعدّ استجابة قوية من غوغل لتعويض تراجع مكانتها أمام منافسين مثل OpenAI.

واعتبر أنّ البرنامج الجديد يمثّل نقلة نوعية في الذكاء الاصطناعي، لأنه يتيح إنتاج فيديوهات واقعية للغاية اعتماداً على وصف بسيط أو تخييل، مع إمكانية تركيب هذه المقاطع في فيديوهات متكاملة ذات مضمون سردي.

وأوضح خرجوج، في تصريح لجريدة "هسبريس" الإلكترونية، أنّ هذا التقدّم التكنولوجي يحمل جانباً إيجابياً من حيث الابتكار، لكنه أيضاً يفتح المجال أمام مشكلات أخلاقية وقانونية، خاصة إذا تمّ استخدام هذه الفيديوهات لأغراض تضليلية أو احتيالية.

Veo-3 إنذار مبكر يستدعي التحرّك العاجل

وعن إمكانية التمييز بين الفيديوهات الحقيقية والمفبركة، أشار المتخصص في الشؤون الرقمية إلى أن المستخدمين لا يزال بإمكانهم التمييز بين النوعين في الوقت الحالي، غير أن غوغل أعلنت عند إطلاق "Veo-3" أنّ هذا التمييز سيصبح شبه مستحيل خلال الأشهر القليلة المقبلة. وأضاف أنّ هذا التصريح يُعدّ بمثابة إنذار مبكر، يستدعي تحرّكاً عاجلاً من المؤسسات التشريعية في مختلف الدول، ومن بينها المغرب.

وأكد أنّ الإشكال لا يتعلّق فقط بالتقنية في حدّ ذاتها، بل بمدى وعي المواطنين بها. وقال: "إذا لم يُرفع منسوب الوعي الرقمي لدى المغاربة، فإننا سنجد أنفسنا أمام واقع يُشكّل فيه التزييف العميق قناعات مجتمعية يصعب تصحيحها لاحقاً".

وشدّد خرجوج على أنّ أولى الخطوات التي يجب أن تتخذها الدولة هي سنّ تشريعات فعّالة تواكب هذه الطفرات الرقمية، لكنه استدرك قائلاً إنّ هذه القوانين لن تكون مجدية ما لم يتمّ إشراك المتخصصين في صياغتها. وأوضح: "نحن نُستدعى فقط للندوات أو المؤتمرات، بينما القرارات تُتخذ في غيابنا، وهذا خلل يجب تصحيحه إذا أردنا مواكبة التطوّرات التكنولوجية بشكل فعلي".

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي ومصادرة النصوص كيف يؤثر ذلك على عمل المؤلفين؟

وكشف المتحدّث لجريدة "هسبريس" الإلكترونية عن محاكاة واقعية قام بها، حيث زوّد أداة "Veo-3" بصورة غير واضحة لوجهه، من دون إدخال أي بيانات صوتية، ورغم ذلك تمكّن البرنامج من استكمال ملامح وجهه بدقة، واستخرج صوتاً مطابقاً لصوته الحقيقي استناداً إلى بيانات متاحة على الإنترنت، لينتج مقطع فيديو يُظهره وكأنه يتحدّث شخصياً.

ومن خلال ما اطلعت عليه الصحيفة، بدا الفيديو كأنه فعلاً شيء حقيقي، سواء من حيث الحركة أو النبرة!

 

اخترنا لك