فلسطين تنتصر رقمياً عام 2021 على الرغم من التضييق والحظر

بعد مرور عامٍ حافلٍ في فلسطين، وعلى الرغم من تضييق منصات التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني، تمكّن الفلسطينيون من تحقيق انتصار لافت في الحرب الرقمية.

  • فلسطين تنتصر رقمياً عام 2021 على الرغم من التضييق والحظر
    فلسطين تنتصر رقمياً عام 2021 على الرغم من التضييق والحظر

لا يُخفى أن عام 2021 كان عاماً فلسطينياً بامتياز، بحيث شهد محطات أساسية ومفصلية في تاريخ القضية، أبرزها معركة "سيف القدس" وتحرُّر أسرى سجن جلبوع. هذه الأحداث كان صداها عالياً في مواقع التواصل، بحيث تفاعل الناشطون مع مجمل الأحداث التي شهدها الشعب الفلسطيني، والأسرى أيضاً. لكن هذا الحضور الرقمي شهد تضييقاً كبيراً من جانب أصحاب المنصات، غير أنه يمكن القول إن فلسطين انتصرت أيضاً رقمياً، على الرغم من كل التضييق على المحتوى لإخفاء صوت الحق.

بدءاً بقضية حيّ الشيخ الجراح ومعركة "سيف القُدس"، مروراً بنفق الحريَّة، وصولاً إلى معركة الأمعاء الخاوية، تصدّرت فلسطين منصات التواصل الاجتماعي في فترات متفرقة من هذه السنة، إذ حصدت الملايين من المتفاعلين تحت وسوم: #فلسطين_قضيتي؛ #أنقذوا_حيّ_الشيخ_جراح؛ #فلسطين_تنتصر، وغيرها.

قابل التفاعلَ الرقمي مع القضية، حصارٌ إلكترونياً على المحتوى الفلسطيني، أو أي محتوى داعم له، الأمر الذي يعكس تآمر أصحاب المنصات ضد أصحاب القضية، وقلق الاحتلال الذي يخاف الشواهدَ.

مواقع التواصل الاجتماعي.. ساحة جديدة للنصر  

يسعى الاحتلال الإسرائيلي لمحاربة القضية الفلسطينية في كل الوسائل الممكنة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويستغلّ قدراته الإعلامية من أجل مخاطبة الشعوب ومحاولة تلميع صورته، بالاعتماد على الخداع  في سرد رواياته من أجل تبرير عدوانه.

حقّقت فلسطين في الإعلام الرقمي هذا العام انتصاراً مهماً على كل منصّات مواقع التواصل الاجتماعي، عبر تسجيل قفزة نوعية ظهرت بالتزامن مع الأحداث المتواترة في غزة والمدن الفلسطينية المحتلة.

ويمكننا القول إن فلسطين انتصرت رقمياً في 4 مستويات: 

أولاً، رفع قضيَّة حيّ الشيخ جراح إلى العالم لتصبح الترند العالمي الأول في مختلف منصات التواصل، كما أن المؤثّرين العرب، وخصوصاً الفلسطينيين الناشطين في المنصات، جعلوا قضية حي الشيخ جراح تشغل الرأي العام العالمي من خلال مشاركة الأحداث الداخلية عبر الصور والفيديوهات، تحت وسم #أنقِذوا_حيّ_الشيخ_جراح. 

ثانياً، حلَّقت معركة "سيف القدس" هذا العام في الفضاء الرقمي على نحو بارز، فكان الدور الأهم للناشطين الفلسطينيين بصورة خاصة، بالإضافة إلى كل الناشطين في العالم، إلى جانب الجهات الرسمية ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، في كشف زيف الإعلام الإسرائيلي وإظهار مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة.

ثالثاً، سجَّل أسرى نفق الحريَّة الستة هذا العام تفاعلاً كبيراً ظهر بصورة واضحة في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب استثنائية الحدث البطولي في التاريخ النضالي للأسرى. فالتضامن والتفاعل مع هذه القضية كانا واسعين جداً، حتى أخذت بُعداً عالمياً، على نحو أعطى هذه القضية زخماً إلكترونياً هائلاً أربك الاحتلال. 

رابعاً، في موضوع التطبيع، كشفت مواقع التواصل الاجتماعي زيف المطبّعين، الذين باعوا أوطانهم وقضيتهم، فكانت هناك حملات إلكترونية كبيرة ندّدت بالتطبيع مع الاحتلال، وأثبتت أن الشعوب العربية لا تزال مع قضية فلسطين وتخالف خطوات أنظمتها. 

عنصرية ممنهجة ضد المحتوى الفلسطيني

كان التضييق على المحتوى الفلسطيني واضحاً هذا العام على غرار الأعوام السابقة، فإن عدداً كبيراً من الناشطين العرب في منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً منصَّتَي "فيسبوك" و"تويتر"، تعرّضوا إمّا لإنذارات بالحظر، وإمّا لحظر موقّت، وإمّا لإغلاق لحساباتهم، بسبب مواقفهم التضامنية مع فلسطين وانتقادهم العدوان الإسرائيلي. وتكرَّرت الشكوى نفسها، ولا تزال، من جانب كثيرين من المستخدمين لتلك المنصات.

نُشر تقرير في موقع The Intercept، يتحدّث عن قيام "فيسبوك" بتغيير بعض خوارزمياته التي يستخدمها في الرقابة على المحتوى الذي ينشره مستخدمو التطبيق، من دون أن يعلن تلك التغييرات ويشرحها.

لكنْ، بحسب التقرير، يمكن اختصار ذلك التغيير الذي قام به "فيسبوك"، في ربط كلمة "صهيوني" باليهودية وبـ"إسرائيل"، بمعنى أن أي محتوى يوجه انتقاداً إلى الصهيونية يعتبره "فيسبوك" ضمنياً أنه انتقاد لليهودية ولـ"إسرائيل"، ثم يصنّفه بأنه محتوى يحض على نشر العنف والكراهية، ويقوم بحذفه وحظر حساب صاحبه.

يواجه كل من "فيسبوك" و"إنستغرام" مزاعم بالرقابة بعد الإزالة المتقطعة والواسعة النطاق للمنشورات الأخيرة من المستخدمين المؤيدين للقضية الفلسطينية، وخصوصاً الذين وثّقوا حالات العدوان التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي.

وأصدرت شركة "إنستغرام"، في الـ 7 من أيار/مايو الماضي، بياناً بعد حذف ميزة قصص "إنستغرام" و"الهايلايتس"، بسبب مشكلة فنية أثّرت في عمل المنصة. وأفاد البيان "نحن نعلم بأن بعض الأشخاص يواجه مشاكل في تحميل القصص وعرضها، وهو ما يُعَدّ  مشكلة فنية عالمية واسعة الانتشار، ولا تتعلق بأي موضوع معيّن، ونحن نعمل على حلها الآن... نأسف من جميع المتضرّرين، وخصوصاً أولئك الذين ينشرون الوعي لأسباب مهمة على الصعيد العالمي".

لكن عدداً من الناشطين لم يقتنع برد المنصّة، مشيراً إلى أن المشكلة كانت متعمّدة، وأن المنصة تعمّدت هذه المشكلة الفنية من أجل حذف كل المحتوى الذي يوثّق ما يحدث في الداخل الفلسطيني.

في المقابل، أدى تطبيق "تيك توك" دوراً بارزاً في المعارك بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، وخصوصاً في حي الشيخ الجراح، بحيث بدأ الأمر من خلال نشر مقاطع احتجاج تحت هاشتاغ #SaveSheikhJarrah، في إشارة إلى التهديد بإجلاء عائلات فلسطينية في القدس المحتلة. وحصد كثير من الفيديوهات ملايين المشاهدات من حسابات عربية وأجنبية، ليكون التطبيق الأول الذي يتقدم فيه محتوى التضامن مع قضية كبيرة، مثل قضية فلسطين. 

وفي السياق نفسه، ظهر تطبيق "كلوب هاوس"، وهو تطبيق صوتي مفتوح، يجمع بين المحادثات الحية والمقابلات الجماعية، ويتيح لمستخدميه مشاركة أفكارهم بشأن الموضوعات المتعددة، وبناء صداقات ضمن مجموعات للدردشة.

جذب هذا التطبيق شبكات إعلامية وصحافيين وناشطين فلسطينيين وعرباً، فأطلقوا عبره أندية وغرفاً تعنى بالقضية الفلسطينية ومستجداتها، في أبعادها المحلية والإقليمية. وناقشوا، في جولات استمر بعضها عدة ساعات، مواضيع وقضايا فلسطينية مهمة وآنية، تجاهلتها غرف الأخبار في الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. ونتجت من بعض هذه النقاشات حملاتٌ تضامنية واسعة.

إن الوجود العربي، وخصوصاً الفلسطيني، في تطبيق "كلوب هاوس" شكّل ظاهرة مميزة وجديدة في الاستفادة من التطور التقني، واختراق الحدود التي وضعها الاحتلال. وأثبت هذا التجمع الفلسطيني أنه يسعى لجمع شتاته.

عموماً، على الرغم من القيود الرقمية التي فرضها أصحاب منصات التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني، وخصوصاً في أثناء معركة "سيف القدس"، استطاع الفلسطينيون والمتضامنون مع القضية أن يلتفّوا حول هذه المحاذير، وتمكّنوا من رفع الصوت عالياً من خلال العالم الرقمي المفتوح، والذي سمعه العالم بأكمله، في وقت يحاول الاحتلال وداعموه طمسه وتزييف حقائقه.

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.