"يا الجمالك سومري".. البصرة كما رأيتها

في جنوبي العراق فتحت مدينة البصرة أبوابها لزوارها، الذين توافدوا عليها للتعرف إليها، وحضور بطولة خليجي 25، وهناك كان العراق رمزاً للكرم والحضارة والتاريخ.

  • البصرة في عيون زائريها..  بيت كبير للوافدين إليها ومفتاح حضارة العراق
    ما يمكن قوله عن البصرة والعراق يصعب اختصاره في بعض الكلمات

فتحت البصرة ذراعيها للزوار مع بداية عام 2023، وكانت البيوت برّاقة وجذابة لكل من حضر للتعرف إليها ومتابعة أحداث بطولة "خليجي 25". وربما إذا أردنا وصف البصرة وتجسيدها في هذه الفترة، لاستعرنا بعض الكلمات من أغنية فاضل عواد، والتي جاء في مطلعها "يالجمالك سومري ونظرات عينك بابلية"، لأن البصرة، بكل ما فيها، كانت وما زالت مرآة للتاريخ وزينة للعراق.

عندما تصل إلى البصرة ستجد لافتات عُلقت على جدران المدينة في مختلف الزوايا؛ لافتات كُتبت فيها عبارات ترحيب بمختلف اللهجات. ومن هنا، ستلمس مباشرة أن البصرة فتحت أبوابها لاستقبال زوارها.

"عين غطا وعين فراش".. كرم أهل البصرة

  •  جلس ضيوف من الكويت إلى إحدى الطاولات فرفض موظفو المطعم تقاضي ثمن الطعام

بعد وصولك إلى البصرة ومعاينتك لافتاتها ستشعر بدفئها واحتضانها لك، وستقرأ في مختلف الشوارع شعار "عين غطى وعين فراش"؛ إذ إنه عند مقابلتك أول شخص بصري ومبادلتك الحديث معه، ستدرك أن الشعار نابع من القلب، لأنه بمجرد معرفته أنك لست من البصرة وقادم من خارجها، سواء من داخل العراق أو خارجه، ستسمع منه تحية وعبارات مثل "يمنا اليوم أو خطارنا"؛ وهي دعوة إلى ديارهم. أما "خطارنا" فتعني ضيوفنا.

ويوماً بعد يوم في البصرة، ستشهد كرم أهلها أكثر، لأن هناك نوعاً من التباري في ذلك، فبيوتهم مفتوحة، إذا لم يكن لديك أي حجز في فندق. وإن كنت جائعاً فستجد الطعام ممدوداً أمامك، سواء كنت في منازل أهلها أو حتى في الشارع.

يقول أحد زوار البصرة، وهو قادم من بغداد، إنه استقلّ سيارة الأجرة وذهب إلى الحلاق، وحل ضيفاً على واحد من أهل البصرة، فلم يرضَ مضيفه أن يدفع أي "دينار"، حتى إن مضيفه بالغ في كرمه، ولم يقبل أن يدفع ضيفه ثمن السجائر.

اقرأ أيضاً.. مستضيفة "خليجي 25".. البصرة وأهميتها في اقتصاد العراق

ومع كل شخص تقابله سيروي لك قصة جديدة عن كرم أهل البصرة وروحهم الجميلة. ففي أحد المطاعم مثلاً، جلس ضيوف من الكويت إلى إحدى الطاولات، فرفض موظفو المطعم تقاضي ثمن الطعام، وقرروا جمع حاصل الفاتورة وتقسيمها فيما بينهم.

بطولة "خليجي 25"، وحضور الإعلام في البصرة على "مُود" البطولة، كما يقولها أهل العراق، أي من أجل البطولة، لم يكن سوى فرصة لأهل البصرة في إظهار كرمهم وروحهم الجميلة إلى العالم.

الثقافة والأدب في شارع الفراهيدي

  • يفتح شارع الفراهيدي أبوابه في كل يوم جمعة عند الساعة الثالثة ظهراً بتوقيت العراق

عندما يُذكر اسم الخليل بن أحمد الفراهيدي تتبادر إلى الأذهان قواعد العروض وقواعد اللغة العربية. ويتذكر العرب رجلاً اشتُهر بفطنته وذكائه. ويضاف إلى اسمه في البصرة لقب "البصري"، إذ يسمونه الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري. ولأن أهل البصرة، مدينة العلم، يعرفون قيمة الفراهيدي، وتربوا على اسمه، كان لا بد من تسمية شارع باسمه.

شارع الفراهيدي، واحد من أكثر الشوارع تميزاً في البصرة، بحيث يفتح أبوابه في كل يوم جمعة، عند الساعة الثالثة ظهراً بتوقيت العراق، وفيه مجموعة من المحال التي بُنيت على شكل الشناشيل، وهي البيوت القديمة في البصرة، وهناك يجتمع الأدب والثقافة والفن.

اقرأ أيضاً.. البصرة تستقبل "خليجي 25".. حيث يلتقي دجلة والفرات بالتاريخ والحضارة

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by الميادين | Al Mayadeen (@almayadeen.tv)

تضيع الكلمات في وصف شارع الفراهيدي. لكن، لا شك في أنه واحد من أغنى شوارع البصرة، بسبب ما فيه من كُتب وثقافة. ففي الشارع يجتمع الصغار والشبان والكبار، ليلتقوا ويتحدثوا إلى بعضهم البعض، ويناقشوا أفكار الكتب.

وفي جوهر هذا الشارع أمر أساسي، هو نشر الثقافة والمحافظة على إرث البصرة، من الفراهيدي إلى غيره من أعلام العراق والبصرة، على امتداد الزمن وتفادي تجهيل الشباب. مثلاً، إن كنت لا تملك ثمن الكتاب، فيمكنك استعارته مجاناً ثم إعادته، كما يتم توزيع آلاف الكتب مجاناً سنوياً، وهناك أيضاً مسرحٌ وقاعة لإقامة الندوات، فضلاً عن مساحات للفن، وفي هذه المساحة تحضر فلسطين.

فلسطين في قلب البصرة

في الوقت، الذي يزحف بعض الأنظمة إلى إلغاء فلسطين ونزعها، وتدخل "إسرائيل" في منهاج بعض الدول التربوي، يرفض شبان العراق كل أفكار التطبيع والمروجين لها، ففلسطين مزروعة في قلوب شبان البصرة.

يظهر آدم، وهو شاب من منطقة الزبير في البصرة، بقميص كُتب عليه فلسطين بالإنكليزية وبتخطيط عربي. يتحدث بشغف عن قضية فلسطين وما تمثله للشعب العراقي والشاب العراقي، على وجه الخصوص، ويشدد على أن نزع قضية فلسطين صعب جداً، بل مستحيل.

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by الميادين | Al Mayadeen (@almayadeen.tv)

وفي شارع الفراهيدي، تطل نور برسومها، لتعكس فلسطين في فن شبان البصرة. رسمان تعرضهما: واحد لخريطة فلسطين وفي قلبها القدس، وآخر لخريطة فلسطين المغروسة في الأرض. تتحدث نور عن ألوان الرسم وأبعادها، عن الزيتون والثبات في الموقف الموالي لفلسطين والمتمسك بقضية الأرض وبقضية فلسطين.

وبكلمات شاعرية مليئة بالعاطفة، تطل فرح وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية، قائلة إنها كلما شعرت بالبرد ترتدي الكوفية، لأنها تذكرها بـ"أمها" فلسطين، "التي يملأنا ذكرها بالدفء".

البصرة وعناق مع تاريخ العراق

  • يحتاج العراق إلى رواية، بل أكثر، لوصف كرم أهله والحديث عن تاريخه وثقافته وإرثه الاجتماعي

عندما نتحدث عن العراق، فنحن نتحدث عن تاريخ عامر؛ نتحدث عن موطن الحضارات وتاريخها على امتداد أعوام مديدة، من قبل الميلاد إلى ما بعده، وصولاً إلى يومنا هذا. وفي جنوبي العراق في ملتقى النهرين (دجلة والفرات)، ظهرت الحضارة، وكان حضور الحرف هناك، والقانون وسَن القوانين التي تنظم حياة الإنسان. 

في متحف البصرة الحضاري، يمكنك أن تشاهد تاريخ البصرة وتتعرف إليه. ففيه أكثر من 2000 قطعة أثرية يعود تاريخها إلى 5000 عام قبل الميلاد، موزعة على 4 قاعات، هي القاعة السومرية، والبابلية، والآشورية، وقاعة البصرة. وفي كل قاعة ستشاهد تطور حضارة عن التي سبقتها.

لكن، عند معاينة مقتنيات المتحف، ستكتشف أن هذه الحضارات كانت صاخبة بأفكارها ونظامها. مثلاً، هناك أحجار حُفر عليها عقود زواج، وهناك مسامير حجرية عليها نقش من اللغة القديمة لتحديد الملكية، ومخطوطات حُفرت على الأحجار فيها تنظيم مدني وثقافي واجتماعي.

ما يمكن قوله عن البصرة والعراق يصعب اختصاره في بعض الكلمات، أو في بعض النصوص. في بلد غني بدجلة والفرات، غني بالفراهيدي وأبي نواس، غني بشاعر العراق والبصرة بدر شاكر السياب، غني ببغداد والبصرة وسامراء وأربيل وجميع مُدنه، ربما يحتاج العراق إلى رواية، بل أكثر، لوصف كرم أهله، والحديث عن تاريخه وثقافته وإرث الاجتماعي.

اقرأ أيضاً.. خليجي 25.. "الدبلوماسية الرياضية" ومفاتيحها السياسية والاقتصادية