لا ماء كافياً في دمشق.. السوريون أمام تهديد العطش الصيف الحالي
تعاني دمشق من أزمة مياه حادة بسبب شح الأمطار واستنزاف الموارد، ما دفع السكان إلى اللجوء لتقنين قاسٍ في المياه وسط ضعف القدرة على الشراء. وتفاقمت الأزمة على مستوى البلاد نتيجة العجز المائي الكبير، وتضرر البنية التحتية.
-
لا ماء كافياً في دمشق.. السوريون أمام تهديد العطش الصيف الحالي
لثلاثة أيام كاملة؛ بقيت السيدة آمال فرج (48 عاماً) تنتظر وصول مياه الشرب إلى منزلها في منطقة الصناعة وسط العاصمة السورية، كي تملأ الدِلاء التي تكفي عائلتها لعدة أيام، قبل الموعد المقبل لتزويد المنطقة بمياه الشرب مجدداً، وذلك في ظل التقنين الحاد الذي تعيشه دمشق منذ أسابيع، على وقع شح الموارد المائية الذي أعلنت عنه المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها الشهر الماضي.
"لقد أصبح انتظار وصول المياه تقليداً يومياً في منزلنا"، تقول فرج للميادين نت وقد أنهكها الحال الذي وصلت إليه، وتضيف: "منذ أسابيع نواجه ظروفاً استثنائية فيما يتعلق بترشيد استخدام المياه، حيث نعمل على تخزين المياه في ساعات الوصل للاستفادة منها في أوقات القطع، كما أصبح الاستحمام مرة واحدة أسبوعياً فقط برغم دخول فصل الصيف، أما مياه الشرب فنلجأ في كثير من الأحيان إلى شراء العبوات الكبيرة لتأمين حاجتنا".
وتتابع فرج حديثها: "هناك تفاوت كبير في أوقات التقنين بين منطقة وأخرى داخل دمشق، وهذا يتطلب حلولاً من الجهات المعنية لوضع آلية عادلة في التوزيع، كما يجب مراعاة الظروف المعيشية الصعبة للأهالي، الذين لا يملكون القدرة على شراء المياه بشكل مستمر".
حالة الطوارئ
في نيسان/أبريل الماضي، أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق وريفها "حالة الطوارئ" قبيل قدوم فصل الصيف، نتيجة نقص كميات الأمطار التي هطلت على البلاد خلال فصل الشتاء، وكشف مدير المؤسسة أحمد درويش أن الهطل المطري على مدينة دمشق انخفض هذا العام إلى نسبة 23%، وهي أقل نسبة تم تسجيلها منذ العام 1958، وما يُفاقم الأزمة سوءاً هو استنزاف الآبار الاحتياطية التي يتم الاعتماد عليها بشكل رئيسي لتغذية المدينة.
وفي هذا السياق اتخذت المؤسسة إجراءات طارئة تضمن إعداد برنامج لتزويد العاصمة دمشق وريفها بالمياه حسب التضاريس، والتوزع الجغرافي لكل منطقة.
وقالت المؤسسة في بيان لها: "انطلاقاً من الحرص على استمرار وصول المياه لنحو 1.2 مليون مشترك في دمشق وريفها، في ظل شح الموارد المائية لهذا العام، وانخفاض الهطولات المطرية، سيتم اتخاذ بعض الإجراءات الطارئة وتعديل برنامج التزويد لمدينة دمشق وريفها".
وأكدت المؤسسة أنها ستعلن عن برنامج التزويد التفصيلي لكل منطقة وستحدّثه بشكل دوري، عبر قنواتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أطلقت المؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق حملة توعية بعنوان "بالمشاركة نضمن استمرار المياه"، بهدف ترشيد استهلاك المياه، وتغيير ثقافة التعامل مع المياه والحفاظ عليها وتخفيف الهدر قدر المستطاع.
وفي إطار السعي للحفاظ على المياه ومنع الهدر قدر المستطاع، أكد مدير المؤسسة أنه سيتم التشدد بتطبيق غرامات مالية بحق المخالفين، وتشمل العقوبات وفقاً للنظام، استخدام مياه الشرب لغير أغراض الشرب، كرشّ الشوارع والأرصفة، ويفرض النظام غرامة 50 ألف ليرة سورية لغسيل السيارات، وغرامة 200 ألف ليرة سورية لاستخدام مياه الشرب للمسابح الخاصة، وتضاعف الغرامات السابقة في حال تكرارها.
وحول التقنين الحاد في المياه داخل دمشق، يؤكد المواطن فيصل الحمد (39 عاماً) للميادين نت أن المشكلة ليست في برنامج تزويد أحياء العاصمة بالمياه، وإنما في عدم توافق هذا البرنامج مع أوقات الوصل الكهربائي، وغالباً ما يكون تزويد المياه في أوقات انقطاع التيار الكهربائي، ما يحرم الكثير من المنازل من وصول المياه إليها، وهذا الأمر يتطلب تنسيقاً بين مديريتي الكهرباء والمياه لمعالجة هذه المشكلة.
ويشير الحمد إلى أن بعض المنازل والأبنية عالجت مشكلة وصول المياه خلال فترات التقنين الكهربائي، من خلال تركيب مضخّات كهربائية تعمل باستخدام ألواح الطاقة الشمسية، لكن هذا الخيار غير مُتاح أمام الشريحة الأكبر من الدمشقيين، نظراً لارتفاع تكلفته وانخفاض القدرة الشرائية للأهالي.
ما هي مصادر المياه في دمشق؟
تعتمد العاصمة دمشق في مخزونها المائي على الهطولات المطرية، التي تغذي المصادر المائية الرئيسية في كل من "نبع الفيجة" وآبار "نبع بردى" و"حاروش"، و"وادي مروان" و"جديدة يابوس" في ريف دمشق، ويغذي المدينة وغوطتها نبعان استراتيجيان هما "الفيجة" و"بردى".
يقع "نبع بردى" على بعد 40 كيلو متراً من العاصمة، وينطلق منه "نهر بردى"، الذي يسير من منطقة "وادي بردى" في ريف دمشق الغربي إلى الريف الشرقي، ويبلغ طوله من منبعه حتى مصبه 65 كيلو متراً، وينضم إليه عند بلدة "عين الفيجة" نبع "الفيجة".
بالمقابل، يتدفق نبع "الفيجة" من سفح جبل "القلعة"، في بلدة "عين الفيجة" غربي دمشق، والتي تبعد حوالى 12 كيلومتراً عن العاصمة، وترتفع عن سطح البحر 890 متراً، وتحيط بها جبال شاهقة، مثل جبل "الهوّات" من الشرق، وجبل "القلعة" من الشمال، وجبل "القبلية" من الجنوب.
ويتميز هذا النبع بغزارته ونقاوته العالية، حيث أكدت الدراسات العلمية أن مياهه تُعدّ من أنقى المياه في العالم، نظراً لتكوّنها في طبقات صخرية كلسية طبيعية بعيدة عن مصادر التلوث.
العجز المائي في سوريا
لا يقتصر الواقع المائي السيئ على العاصمة دمشق فقط، وإنما يتعدى ذلك ليكون بمثابة أزمة حقيقية تواجهها البلاد، حيث تؤكد الإحصائيات أن سوريا تُعاني من عجز مائي يقدّر بنحو 1.1 مليار متر مكعب، بسبب انخفاض معدلات الهطولات المطرية، واستمرار موجات الجفاف وتوسع رقعة التصحر.
كما أن حصة الفرد من المياه باتت تقلّ عن خط الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنوياً، ما يضع البلاد أمام تحديات متزايدة في تأمين احتياجات السكان من المياه، سواء للاستهلاك البشري أو الاستخدام الزراعي والصناعي.
وتعتمد سوريا في تأمين المياه العذبة على نهري "دجلة" و"الفرات"، اللذين ينبعان من الأراضي التركية، ويمتدان إلى عمق الأراضي العراقية، إلا أن انخفاض نسبة الأمطار وإقامة تركيا لعشرات السدود عليهما، أدى إلى انخفاض كميات المياه الواصلة إلى سوريا والعراق.
كما أدّت الحرب في سوريا إلى تضرر البنية التحتية المرتبطة بمياه الشرب وشبكات الصرف الصحي، وحول هذا الأمر كشف كريستوف مارتن، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا قبل أيام، أن ثماني منشآت رئيسية لمياه الشرب في البلاد تضررت بشدة بسبب الحرب.
وفي سياق متصل، كشفت وزارة الموارد المائية السورية أن كلفة تأهيل شبكات توزيع مياه الشرب في البلاد تتراوح بين 500 و700 مليون دولار أميركي، وهو رقم كبير لبلد لا زال يواجه آثار الحرب، وخزائنه خاوية، واقتصاده متهالك.
دور إسرائيلي مشبوه!
بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر عام 2024، بدأت "إسرائيل" عمليات توغّل واسعة في الجنوب السوري قرب المنطقة المتاخمة للشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة، وتحديداً في منطقة "جبل الشيخ"، حيث توجد المصادر المائية الاستراتيجية للدولة السورية، وفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على "نبع بانياس" وعدد من الينابيع والسدود مثل "سد المنطرة".
كما سيطرت "إسرائيل" على "عين الزيوان"، وهو ينبوع جوفي دائم الجريان، ويغطي قرابة 1.5% من مياه الجولان الزراعية، وصولاً إلى منابع نهر "الرقاد" الذي يعتبر الرافد الرئيسي لنهر اليرموك، وينبع من مرتفعات الجولان ويمر عبر مناطق عازلة، ويغطي نحو 8% من موارد الجنوب المائية.
وفرض جيش الاحتلال سيطرته أيضاً على مجرى نهر اليرموك، أطول أنهار سهل "حوران"، وينبع من ريف درعا الغربي قرب "جباتا" ويصبّ في نهر الأردن، وتُغطي مياهه نحو 20% من مصادر الجنوب السوري، كما وصلت القوات الإسرائيلية إلى "سد الوحدة"، أهم خزان مائي مشترك بين سوريا والأردن، بسعة 110 ملايين متر مكعب، وتعتمد عليه محافظات درعا والرمثا وإربد، ويغطي قرابة 10% من احتياجات الجنوب السوري والشمال الأردني.