كليات الطب في العراق.. ملجأ الطلبة الأول هرباً من البطالة

يزاحُم الطلاب العراقيون للحصول على مقعد في كليات الطب في البلاد، لكونها باتت الكليات الوحيدة التي توفر فرصة عمل بعد التخرج.

  • كليات الطب في العراق.. ملجأ الطلبة الأول هرباً من البطالة
    كليات الطب في العراق.. ملجأ الطلبة الأول هرباً من البطالة

يحار عاصم نوري (57 عاماً) كيف له أن يجمع أقساط كلية ابنته للسنة المقبلة. ففي سنتها الأولى بكلية الطب في إحدى الجامعات الأهلية، باع هذا الأب سيارته، واضطر أن يأخذ قرضاً من البنك بفوائد كبيرة كي يستطيع إدخالها كلية الطب.

فرغم حصولها على معدل 97.29 في السادس العلمي، لم يؤهلها ذلك لدخول كلية حكومية؛ بسبب إقبال أغلب الطلاب من ذوي المعدلات العالية على كليات الطب وكل الفروع المتصلة بها، لكونها باتت الكليات الوحيدة التي توفر فرصة عمل بعد التخرج.

تَزاحُم الطلبة للحصول على مقعد في المجموعة الطبية دفع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية إلى رفع الحدود الدنيا للمعدلات في العام الدراسي الحالي 2022/2023،  وجعلت القبول في جامعة بغداد مثلاً هو 100,7 للطب العام و99,12 لكلية طب الأسنان ومعدل 98,39 لكلية الصيدلة. أما الكليات الأهلية فتقبل الطلبة في الاختصاصات المذكورة أعلاه بما يقل عن 20 درجة عن محددات وزارة التعليم.

يعود عاصم، وهو الأب لثلاث بنات عندما التقت به الميادين نت، ليقول إن ابنتيه عندما وصلتا إلى المرحلة الجامعية لم يكن الوضع كما هو الآن، فلكل اختصاص كان هناك فرصة للعمل. لكن، في الوقت الحالي، وبعد تزايد أعداد الخريجين بشكل كبير مع قلة فرص التوظيف، لم تعد لباقي الاختصاصات أهمية في سوق العمل، "لذلك ضغطت على نفسي من أجل أن تدخل ابنتي الصغيرة كلية تمكنها من إيجاد عمل محترم وبمردود مادي جيد بعد تخرجها".

هذه ليست حالة فردية، إذ  تريد آلاف العوائل  لأبنائها مستقبلاً مضموناً، ويطمح  الطلبة أنفسهم بعد أن لاحظوا ما آلت إليه أوضاع البلد من تفشي البطالة وكيف أُجبر الخريجون على العمل "إن وجد طبعاً" وفق عاصم، في مجالات بعيدة عن اختصاصهم.

سيف المعمار، خريج هندسة اتصالات، تحدث للميادين نت قائلاً: "منذ تخرجي في عام 2010 وأنا أحلم أن أعمل بتخصصي، بعدما تغيرت حياتنا، إذ صار لتقنيات وهندسة الاتصالات مجالات واسعة باعتبارها لغة العصر. ولكن، بعد كل هذه السنين، لم أحظَ بتعيين حكومي بسبب سياسات الحكومة في إدارة الدولة، وتفشي الفساد والرشوة في ملف التعيينات".

وأضاف: "عملت في مجال العلاقات العامة في مؤسسات أهلية عدة، وكنت معرضاً لإنهاء خدماتي لأبسط وأتفه الأمور، والتي قد تصل أحياناً إلى مزاج رب العمل السيئ".

ويكمل سيف حديثه بحسره بسبب "ضياع كل هذه السنين" كما يعبّر: "صارت لدي رغبة في الالتحاق بكلية ذات تخصص طبي؛ لأنها الجانب الوحيد المتبقي في العراق الذي قد تحصل من خلاله على عمل مضمون. وقانون وظيفي يحميك من ظروف الحياة المتقلبة في بلد لم تستقر فيه الحال يوماً".

التحق سيف بإحدى الجامعات الأهلية المسائية - تخصص الأشعة والسونار، رغم صعوبة وضعه المادي والعائلي، "فأنا متزوج ولديّ صبي وبنت وأسكن مع أهلي، إضافة إلى أقساط الدراسة المرتفعة، والتي تصل إلى 3 آلاف دولار في السنة، يضاف إليها المصاريف الأخرى. ولكن، وأنا في السنة الرابعة من الدراسة، آمل أن أجد  وظيفة تسند وضعي المعيشي الذي بات صعباً في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد أزمة الدولار التي نعاني منها منذ سنتين، وتراجع قيمة الدينار أمام الدولار وارتفاع الأسعار أثر بشكل كبير". 

من جانب آخر، ربما يتبدد حلم سيف بتحقيق ما يريد، إذ تؤكد الإحصاءات الأخيرة وجود ما يقارب 40 كلية بتخصصات طبية تُخرج سنوياً آلاف الطلبة الذين باتت الحكومة عاجزة عن توفير فرص تعيين لهم، إضافة الى ما يقارب 60 كلية صيدلة.

في تصريح سابق له، يقول عضو لجنة الصحة في البرلمان العراقي السابق جواد الموسوي: "في عام 2027، سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من 95 ألف طبيب مختص عدا خريجي الكليات الطبية الساندة (التمريض- الأشعة والسونار- تقنيات طبية وغيرها)، وإن عدد كليات الطب في العراق صار يتجاوز ما هو موجود في بريطانيا.

في هذا السياق، قال البروفيسور أحمد هاشم حسين، وهو صيدلاني ومختص في الصناعة الدوائية وعميد كلية "العميد" سابقاً إن "ما دفع الوزارة إلى توسعة القبول في مقاعد الدراسة الطبية هو الإقبال الكبير على هذه الكليات، إضافة إلى فتح الكليات الأهلية لمقاعد الدراسة الطبية، والتي غالباً ما تكون متساهلة في تطبيق معايير القبول، فَهَمُّ الكليات الأهلية هو الربح، وأحياناً يكون على حساب العلمية، وأغلبها إن لم تكن كلها تعود ملكيتها إلى سياسيين ومتنفذين، وهم يطوّعون الشروط حسب مصلحتهم".

ويضيف: "اليوم، هناك تخمة في عدد المعينين في القطاع الطبي الحكومي تصل إلى عدم توفر مكان لهم داخل المؤسسات الصحية، حتى باتت بطالة مقنعة فوق المعقول".

ولفت إلى أن "الكليات تضطر بسبب كثرة الأعداد إلى تقليص أيام الدوام، والتي قد تصل إلى يومين في الأسبوع لعدم قدرة القاعات والمختبرات على استيعابهم، بالتالي سينعكس هذا على مستواهم العلمي. وأود أن أشير إلى أن الحكومة هي من أدخلت نفسها في هذه الأزمة بعد تشريع قانون رقم 6 لسنة 2000، أو ما يسمى قانون التدرج الطبي الذي يجبر الحكومة على تعيينهم مركزياً".

وبحسب وزارة التخطيط، فإن نسبة البطالة في العراق لعام 2023 قد تجاوزت نسبة الـ20% بسبب اعتماد الحكومة على قطاعاتها وإهمال القطاع الخاص، والذي من الممكن حسب قولها أن يستوعب هذه الأعداد الكبيرة.