طلّاب سودانيون في مصر أمام تحدّيات التعليم.. لماذا أُغلقت مدارس النازحين؟

"القرار أربك العائلات النازحة، فهناك أولياء أمور لا يستطيعون إدخال أبنائهم إلى بعض المدارس؛ لارتفاع قيمة الرسوم، والكثير منهم يلجأ إلى إلحاق أبنائهم في مراكز تعليمية سودانية"، لماذا أغلقت مصر مدارس للسودانيين؟

0:00
  • طلّاب سودانيون في مصر أمام تحدّيات التعليم.. لماذا أُغلقت مدارس النازحين؟
    طلّاب سودانيون في مصر أمام تحدّيات التعليم.. لماذا أُغلقت مدارس النازحين؟

حيرة وأسى تملّكا النازحة السودانية خديجة عثمان، يُضافان إلى كارثة الحرب واللجوء مع أهلها إلى مصر، بعد أن فقدت آخر شعاع أمل في تعليم ابنها كمال الدين، الطالب في الصف الرابع الابتدائي في مراحل التعليم السوداني، بعد أن كان جُلّ أمنياتها أن يغدو طبيباً يعالج الفقراء والمحتاجين.

انتابت خديجة، السيدة الثلاثينية، وابنة مدينة أم درمان، خيبة أمل بعد قرار الحكومة المصرية مؤخراً غلق مدارس سودانية إلى حين توفيق أوضاعها القانونية مع اللوائح المصرية، والتي كانت مخالفتها السبب الرئيسي في مطالبة الجهات التنفيذية إغلاقها.

وعقب القرار، شنّت جهات تنفيذية حملات موسّعة لغلق المدارس السودانية غير المقننة والمخالفة للوائح المصرية، وضمنها مدرسة "الصداقة"، خاصة مع وصول عدة شكاوى  من أولياء أمور سودانيين بعدم جدوى الشهادات التعليمية الحاصل عليها أبناؤهم داخل مصر؛ ما دفع الحكومة المصرية إلى قرار الغلق قبل إعادة فتحها من جديد بعد تسوية أوضاعها القانونية.

مرارة اللجوء والفقر اللذين باتت تعيشهما أسرة خديجة عثمان، المكونة من 5 أفراد، بعد اللجوء زادها القرار الجديد، لأنها وفق حديثها للـميادين نت، تحتاج حالياً إلى مئات الدولارات لدفع الرسوم المدرسية لنجلها كل عام؛ لكن "سأحاول تدبير نفقة مدرسة أخرى، وإن كان الأمر صعباً جداً خصوصاً أنّ زوجي يعمل في متجر ملابس، وما يتقاضاه يكفي معيشتنا من إيجار وملبس ومأكل فقط؛ لقد ضاع مستقبل آلاف الطلاب في المدارس التي تمّ إغلاقها".

ووضعت السلطات المصرية 8 شروط أمام أصحاب المدارس السودانية المغلقة لتقنين أوضاعها، بينها: موافقة وزارتي التعليم والخارجية السودانية والخارجية المصرية، مع توفير مقر للمدرسة يفي جميع الجوانب التعليمية، مصحوباً برسم تخطيطي لهيكل المدرسة، وإرفاق البيانات الخاصة لمالك المدرسة، مع طلب من مالك المدرسة للمستشارية الثقافية في السفارة السودانية، وملف كامل عن المراحل التعليمية وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم في المدرسة.

حالة ارتباك وضياع العام الدراسي

الحرب المستمرة منذ نيسان/أبريل قبل الماضي، دفعت نحو نصف مليون سوداني إلى اللجوء إلى مصر – بالإضافة إلى 4 ملايين موجودين في الأصل- بينهم نحو 11 ألفاً و500 طالب سوداني مسجلين في المدارس الحكومية المصرية، وفق رشا عثمان، ولي أمر الطالب أحمد باقر، في الصف الثالث الثانوي. وتقول للـميادين نت إنّ "القرار أربك العائلات النازحة، فهناك أولياء أمور لا يستطيعون إدخال أبنائهم إلى بعض المدارس؛ لارتفاع قيمة الرسوم، والكثير منهم يلجأ إلى إلحاق أبنائهم في مراكز تعليمية سودانية، نظراً لانخفاض قيمة مصروفاتها، بينما هناك من يفضل استقرار الأوضاع والعودة إلى الديار".

وترى رشا عثمان أن المراكز المجتمعية التعليمية السودانية باتت قبلة السودانيين الفارين من جحيم الحرب، برغم أنها وحدات سكنية من طابق أو أكثر في أحد العقارات، مقسّمة إلى فصول دراسية، وليس بشكل المدرسة المتعارف عليه، فهي تضمّ الطلاب غير القادرين على دفع تكاليف الدراسة في المدارس التقليدية.

وأربك قرار الحكومة المصرية الجالية السودانية والمدارس السودانية العاملة في مصر، وسط مخاوف من ضياع العام الدراسي، أما طلاب الشهادات النهائية خاصة الثانوية العامة؛ فلم يكن هناك مجال لعقدها في بعض المدارس، وبخاصة التي أغلقت أبوابها بعد القرار، وفق قولها.

ضياع مستقبل آلاف الطلاب السودانيين

منذ عام 1995 تنتشر المدارس الخاصة السودانية في مصر في مدن القاهرة والجيزة والإسكندرية، وخصوصاً المناطق ذات الكثافة السكانية من السودانيين والتي زادت مع اللاجئين الجدد، إذ يبلغ تعداد تلك الجالية نحو 4 ملايين سوداني في مصر، وفق تقديرات مفوضية اللاجئين.

في منطقة فيصل، بالجيزة الملاصقة للقاهرة، حيث تعيش الأكثرية من الفارين من أهوال الحرب، هناك "مدرسة فيصل للتعليم السوداني"، التي تضم مئات الطلاب السودانيين في مراحل تعليمية مختلفة بدءاً من الابتدائية وحتى الثانوية، وأيضاً هناك "مدارس المعالي"، "معهد صلاح، "مدارس المجد"، مدارس "أبو ذر الكودة"، "الرسالة"، "الفنار"، "القبس"، وغيرها في أحياء القاهرة المختلفة، مثل "مدرسة الخرطوم الدبلوماسية"، "مدرسة المواهب العالمية"، "مدارس البيان"، "مدارس القمة"، وغيرها.

ووصلت الزيادة في أعداد الطلاب السودانيين الملتحقين بتلك المراكز إلى نحو 90 في المائة في 200 مؤسسة تعليمية، ولا يزال آلاف آخرون في قوائم الانتظار، وفق حديث رئيس تجمع المدارس والمراكز السودانية في مصر عماد ياسين للـميادين نت.

وبعض المدارس الخاصة السودانية تم افتتاحها من دون توافر اشتراطات ممارسة النشاط التعليمي، وفق ياسين، الذي أشاد بقرار الحكومة المصرية لتصحيح أوضاعها، لأن الكثير منها داخل مبانٍ سكنية، وهذا لا يتوافق مع اشتراطات وزارة التعليم المصرية.

صدمة تضاف إلى كارثة اللجوء

أهوال الحرب والأسى التي تراها على وجه الطالب السوداني حسين البشير، في الصف الثالث الثانوي، في إحدى مدارس أم درمان قبل نزوحه إلى القاهرة رفقة أسرته، زادها قرار غلق المدارس داخل السودان بفعل المعارك، خيبة أمل بعد أن هيّأ نفسه لدخول المرحلة الأخيرة في البكالوريا ومن ثم الجامعة.

البشير، الشقيق الرابع لأربعة أبناء بينهم عثمان الذي قتل بالحرب في صفوف الجيش السوداني، حمّل قوات الدعم السريع "مسؤولية ضياع العام الدراسي على ملايين الطلاب السودانيين في الداخل والخارج"، مضيفاً للـميادين نت أن "الحرب لم تتركني أعاني اللجوء فقط، لكنها ضيّعت مستقبلي مثل ملايين الطلاب بعد توقف الدراسة"، وفق تعبيره.

يعاني البشير من حالة نفسية سيئة ترتسم على وجهه وفي لهجة حديثه، قائلاً: "كنت على وشك دخول الجامعة لولا الحرب الملعونة، كنت أريد التخرج لمساعدة والدي المريض، ورسوم الدراسة في القاهرة بالدولار، ما يرهق كاهل أسرتي بمصاريف وأموال كبيرة لم تكن في الحسبان".

حالة البشير أصابت أيضاً عبد الرحمن شنقب، الذي يعتقد أن وقف الحرب والعودة إلى الديار هي أفضل الطرق لاستكمال التعليم والالتحاق بالجامعة، مضيفاً: "لا نعلم حتى بعد الحصول على شهادة المدارس السودانية في القاهرة هل سيتم الاعتراف بها حال العودة إلى الديار؟ وحتى لو التحقنا بإحدى الجامعات المصرية، فرسوم الدراسة فيها بالدولار، وهي تفوق قدرات النّازحين".

وأوضح أنّ الطلاب يدرسون المنهج السوداني وبالتالي عليهم دفع الرسوم بالدولار كشرط لدخول امتحان نهاية الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهو ما لا يستطيع كل الأسر توفيره.

تصحيح مسار

قرار الحكومة المصرية بخصوص المدارس السودانية تراه لجنة المعلمين السودانيين، أنه يسير في اتجاه تصحيح أوضاع المدارس السودانية في مصر ويهدف إلى إعادة تنظيم هذه المدارس منذ البداية، إذ إن الوضع الحالي للمدارس السودانية في القاهرة ليس صحيحاً.

سامي الباقر، المتحدث باسم المعلمين السودانيين في مصر، يقول إن لوائح وآليات عمل المدارس السودانية تتطلب أن تتماشى مع القوانين واللوائح التعليمية المصرية، خصوصاً أنه في ظل الحرب المستمرة في السودان، ازدادت أعداد الطلاب السودانيين بشكل كبير، ما يتطلب وضع أسس وضوابط تحكم العملية التعليمية، بما يضمن تقديم تعليم مناسب يتوافق والقوانين المحلية.

ويقول المتحدث باسم وزارة التعليم المصرية شادي زلطة، إن قرار الحكومة المصرية غلق المدارس السودانية المخالفة للاشتراطات جاء كخطوة لتقنين أوضاع تلك المدارس وهذا في صالح الطالب السوداني.

ويضيف للـميادين نت أن الكثير من تلك المدارس تخالف الاشتراطات التي تضعها الحكومة المصرية التي من حقها اتخاذ الإجراءات القانونية لتنظيم عمل المدارس الأجنبية على أراضيها.