ضحايا حلم الثراء والنجومية.. عصابات في تيك توك تبتزّ مراهقات عراقيات
بسبب الهوس بالشهرة وجني المال، تتعرض الكثير من المراهقات العراقية للابتزاز الالكتروني عبر منصة تيك توك، فيقعن ضحايا عصابات تطلب منهن "خدمات" جنسية مقابل المال.
تقضي الشابة العراقية نادين الفهد (22 عاماً) ساعات طويلة على منصة "تيك توك" في محاولة لصناعة محتوى بصري يجذب لها ما تتمنى من الإعجابات، طامحة أن يرتفع عدد المتابعين لحسابها على هذه المنصة التي أصبحت مصدر رزقها الأول. وتقول نادين للميادين نت إن "تيك توك" لا يوفّر لها الأموال فقط بل الشهرة الواسعة أيضاً.
هذه العوامل بالتحديد، دفعت أصحاب الشركات والمطاعم الفاخرة إلى الاستعانة بنادين لتصوير إعلانات ترويجية لهم بسبب شهرتها في منصات التواصل، وقدرتها على حصد نسب مشاهدات عالية. فتمكنت جني أرباح كبيرة أوصلتها إلى "النجومية"، وباتت وجهاً معروفاً لدى المجتمع العراقي. ولا تكتفي الـ"تيكتوكر" بتصوير الإعلانات، إنما تلجأ إلى خدمة البث المباشر في المنصة، لما فيه من خاصية جني الأموال أيضاً، من خلال تفاعل المشتركين معها في البث.
ابتزاز ولجوء إلى الانتحار
لم تكن تعلم مروة (اسم مستعار)، الفتاة القاصر، أنّ حياتها ستتحول الى جحيم بسبب مقاطعها المصوّرة ومشاركتها المستمرة بخدمة البث المباشر في منصة "تيك توك" مما اضطرها للتعامل مع كابوس تعرضها للابتزاز الالكتروني، لأنّ مزايا هذه المنصّة تحتاج إلى دعم مالي مُستمر لزيادة المتابعين، وهذا ما دفعها إلى الاستعانة ببعض المبرمجين والمختصين في مجال التكنلوجيا لزيادة التفاعلات مع صفحتها، مقابل مبالغ مالية تصل إلى مئات الدولارات. تراكمت المبالغ ولم تستطع مروة دفعها لهم، مما وضعها تحت طائلة المساومة والابتزاز الجنسي لإسقاط الديون عليها، والتي تجاوزت 1500 دولار، من خلال إجبارها على إرسال صور عارية إلى المبرمج كضمانة لحين دفع ما عليها من ديون.
لكن سرعان ما تحول الأمر إلى "لقمة سائغة" لديه، بعدما هددها بنشر صورها إذا امتنعت عن دفع مستحقاته، أو إجبارها على ممارسة الجنس معه مقابل تلك الديون. تحدثت مروة للميادين نت بنبرة منكسرة، والدموع تُبلل وجنتيها، أنها عاشت أياماً عصيبة، ورعباً مزمناً، وفكرت في الانتحار مرات عديدة، إلى أن تجرّأت وبلّغت الجهات الأمنية المختصة التي تدخلت لإنقاذها وإلقاء القبض على مبتزّها، لكنها ما زالت تعاني نفسياً ليس بسبب الابتزاز الذي تعرضت له فقط، بل من الخوف الذي يعتريها لأنها فقدت ثقة أهلها بعدما انكشف أمرها. لكنها تقول إنها "محظوظة"، لأنها لم تواجه مصير الموت بحجة "غسل العار"، كما تفعل بعض العوائل في المجتمع العراقي.
آثار سلبية واجتماعية
لا يكاد يمرّ يوم في العراق إلا أن تعلن فيه الجهات الأمنية عن إلقاء القبض على مبتزّين الكترونيين، فقد أصبحت خطورتهم لا تقل عن خطورة تجار المخدرات.
وقد أقرت وزارة الداخلية العراقية أواخر العام الماضي بتصاعد جرائم الابتزاز في البلاد، في ظل غياب وجود قانون واضح للتعامل مع تلك الجرائم، مع مطالبات بتشريع قانون جديد يشدد على عقوبات صارمة ضد المبتزين، خاصة أن عملية الابتزاز الالكتروني أصبحت تديرها عصابات وشبكات منظمة، خصوصاً عبر "تيك توك" بسبب انتشاره الواسع، وبات يشكل هوساً للمراهقين الذين أكثر من يقعون بشباك المبتزين، فيما لا توجد نصوص قانونية تعمل بها الجهات الأمنية مع جرائم الابتزاز إلا قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، الذي يتيح الحكم على المدانين بقضايا الابتزاز بالسجن بمدة تتراوح بين 7 سنوات إلى 14 سنة، بحسب جسامة الفعل وخطورة الضرر.
كثيرة هي الآثار السلبية والاجتماعية من جراء التعرض للابتزاز الالكتروني، فقد رصدت الشرطة المجتمعية في العراق العديد منها قبل معالجتها، ومنها هروب بعض الشابات من عوائلهن بسبب ابتزازهن بنشر صورهن أو مقاطعهن المصورة أو تعرضهن للتعنيف بسبب وقوعهن في المحظور، واستجابتهن للمبتزين قسراً أو الإقدام على الانتحار.
في السياق، يقول الباحث الاجتماعي أحمد قاسم للميادين نت إن التوعية الاجتماعية والتربية هما الجزء الأساس في بناء شخصية الفرد خاصة المراهقين، ويستوجبان تقديم النصح والإرشاد من خطورة الاستخدام الخاطئ للبرامج والتطبيقات التي أصبحت بمتناول اليدين، "وهذا يعني أن مسؤولية أولياء الأمور تتجلى في مراقبة سلوكيات أبنائهم والتقرب منهم، لمنع الوقوع في المحظورات".
توجّه نيابي لحجب تيك توك
وفي إحصائية نشرها مركز الإعلام الرقمي في العراق في شباط/ فبراير الماضي، فإن عدد مستخدمي تطبيق تيك توك في العراق ارتفع إلى 31.95 مليون مستخدم هذا العام، بعد أن كان يبلغ 23.88 مليون مستخدم العام الماضي، متفوقاً على كل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، في بلد يبلغ تعداد سكانه 43.5 مليون نسمة.
أرقام مستخدمي تيك توك المهولة دفعت وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري إلى تقديم طلب لمجلس الوزراء للموافقة على حجب التطبيق، مشددة على "ضرورة تعاون ممثّلي الشعب في مجلس النواب من أجل حجب مثل هذه التطبيقات" من دون إبداء مزيد من التفاصيل بشأن هذه القضية، برغم تواصل الميادين نت مع المكتب الإعلامي في الوزارة، الذي امتنع عن الحديث أكثر حول الموضوع، الذي اعتبروه مثيراً للجدل.
ويؤكد عضو مجلس النواب العراقي سعود الساعدي للميادين نت أن "الطعن الذي قدمناه إلى المحكمة الاتحادية وكسبناه قضائياً لا يستهدف تطبيقاً أو برنامجاً بعينه، وإنما يستهدف محتويات ومضامين التطبيقات التي أصبحت مضرة بالمجتمع العراقي، وتهدد الروابط الإنسانية والأخلاقية والأسرية، أو تروج لثقافات ضارة، وبهذا فإنّ قرار المحكمة الاتحادية يلزم وزارة الاتصالات بحظر بعض المواقع اللاأخلاقية والمحرضة على العنف أو المسيئة للديانات والذات الإلهية والكتب المقدسة، أو التي تروج للقيم اللاأخلاقية، مثل الدعارة والفسوق والدجل والشعوذة والسحر". ودعا إلى أن تقوم الجهات الحكومية، مثل وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات وكذلك البرلمان العراقي، كأعلى جهة رقابية بمتابعة هذه المنصات الإعلامية وإخضاعها إلى مراقبة وتقييم شامل للحفاظ على المجتمع.
"الحجب ليس علاجاً"
"الحظر قد يمثل انتهاكاً للحريات، ولا يعالج مشكلة الابتزاز، لأن خطط المبتزين قد تنتقل إلى تطبيقات أخرى"، يقول خبير التكنولوجيا أحمد عز الدين للميادين نت.
من جهته، يؤكد المشرف العام على مركز الإعلام الرقمي DMC مهند حبيب السماوي للميادين نت أن فكرة حظر هذا التطبيق أو غيره من التطبيقات، ليست مقترحاً عراقياً فقط، فهو مشروع قد طرحته ونفذته العديد من الدول، في خطوات تترواح بين حظره بصورة تامة كالهند، أو منعه من الأجهزة الحكومية كأستراليا، أو فرض غرامات مالية أو عقوبات ضد التطبيق كأيرلندا، مشيراً إلى أنه لا يوجد حظر تام لأي تطبيق في العالم، حتى لو تم رفعه من متجر التطبيقات لبلد ما، خصوصاً مع وجود الشبكات الخاصة الافتراضية VPN، كما يلفت إلى أن حظر التعامل مع التطبيق قد يعزز الحاجة إلى استخدام تطبيقات أخرى مشابهة لسد الفراغ الذي سيتركه، كما حصل في الهند بعد حظر استخدام تيك توك، الذي كان يستخدمه 150 مليون شخص، مما دفع عشرات الشركات الهندية للعمل على إنشاء تطبيقات مشابهة له، مثل تطبيق Josh وMX TakaTak وRoposo.