رحلة البحر القاتلة.. صيادو غزة يواجهون الجوع والخطر لإطعام أسرهم

في ظل مجاعة غير مسبوقة، يخاطر صيادو غزة يوميًا بحياتهم في عرض البحر بحثًا عن لقمة تسد رمق الجوعى، وسط نيران الزوارق الحربية والطائرات "الإسرائيلية". دُمرت الموانئ والقوارب، واستُشهد المئات، فيما يواصل الصيادون المقاومة بلقمة العيش.

0:00
  • رحلة البحر القاتلة.. صيادو غزة يواجهون الجوع والخطر لإطعام أسرهم
    رحلة البحر القاتلة.. صيادو غزة يواجهون الجوع والخطر لإطعام أسرهم

في خضم المجاعة التي تضرب قطاع غزة بفعل الحصار والعدوان الإسرائيلي، يخاطر الصيادون الفلسطينيون يوميًا بحياتهم في البحر، بحثًا عن لقمة عيش مغمسة بالخطر والدم، وسط نيران زوارق الاحتلال المنتشرة على امتداد الساحل، والطائرات المسيرة القتالية التي لا تغيب عن سماء القطاع.

قوارب بدائية في ميدان حرب

الصياد محمود مقداد يجسد هذه المعاناة، إذ يبحر يوميًا بقاربه البدائي "حسكة ومجداف"، متحديًا الأمواج ونيران الاحتلال، حيث يبتعد مئات الأمتار في عرض البحر، ويرمي شباكه المهترئة، ثم يعود لسحبها بمساعدة زملائه، ليجدها غالبًا شبه فارغة، وأحيانًا بلا صيد على الإطلاق.

يقول مقداد للميادين نت: "الدخول إلى البحر تحت القصف المستمر مجازفة بحياتي، لكن الجوع يدفعني للمخاطرة يوميًا لإطعام عائلتي"، مبينًا أنه اضطر للعودة إلى استخدام أدوات بدائية مثل الحسكة والمجداف، والشباك المثبتة على الفلين العائم، ما أدى إلى تراجع حاد في كميات الصيد مقارنة بما كان يحققه قبل الحرب.

ويشير مقداد، إلى أنّ العدوان الإسرائيلي استهدف منذ بدايته موانئ الصيد، ودمر القوارب والمعدات، ما ألحق دمارًا واسعًا بقطاع الصيد ضمن سياسة ممنهجة لخنق هذا المورد الحيوي وتجويع السكان، موضحاً أنّ "الخطر لا يقتصر على البحر، بل يمتد إلى الشاطئ حيث تستهدف زوارق الاحتلال الصيادين حتى أثناء إصلاح شباكهم، كما تلاحقهم الطائرات، ما أدى إلى استشهاد وإصابة واعتقال عدد كبير منهم".

تكاليف الصيد تلتهم الأرزاق

وحول معاناة الصيادين، يوضح الصياد بهاء عياش أنّ المعاناة لا تقتصر على المخاطر الأمنية، بل تتفاقم بفعل نقص المعدات وارتفاع تكاليف مستلزمات الصيد، إذ ارتفع سعر صيانة الشباك من 10 شيكل إلى 100 شيكل (نحو 30 دولارًا)، بينما تجاوز ثمن شبكة الصيد 800 شيكل (أكثر من 200 دولار) بعدما كانت لا تتعدى 200 شيكل، وهو ما يفوق قدرة معظم الصيادين، في ظل انعدام الوقود والنقص الحاد في المعدات، مبينًا أنّ الحرب حرمت آلاف الصيادين من مصدر رزقهم الوحيد.

وبشأن بيع الأسماك، يؤكد عياش للميادين نت، أنّ المواطنين يتوافدون إلى الميناء بحثًا عنها، خاصة مع غياب اللحوم من الأسواق بفعل الحصار، لكن ندرة الصيد رفعت أسعار الأسماك إلى نحو 150 شيكلًا للكيلو (حوالي 50 دولارًا)، وهو مبلغ يعجز معظم السكان عن تحمله في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية.

ومع استمرار الحصار، أعلن جيش الاحتلال قبل أسبوع إغلاق شاطئ بحر غزة بالكامل بذريعة "الأسباب الأمنية"، فيما تشهد المنطقة البحرية انتشارًا مكثفًا للزوارق الحربية التي تطلق النار يوميًا وتقترب من مناطق تكدس النازحين على شاطئ ميناء غزة.

وقبل أيام، اعتقلت بحرية الاحتلال خمسة صيادين قرب الشاطئ، وألقت ببعضهم في البحر، واقتادت الآخرين إلى جهات مجهولة، وسط إطلاق نار كثيف، كما استهدفت الزوارق صيادين في عرض البحر، ما أدى إلى استشهاد أحدهم وإصابة آخر، في حين استُشهد ستة مواطنين وأصيب آخرون في قصف استهدف نازحين بميناء الصيادين غرب غزة.

استهداف ممنهج وتدمير شامل 

وفي هذا السياق، يؤكد مسؤول لجان الصيادين في غزة، زكريا بكر، أنّ مهنة الصيد تُعد مصدر رزق رئيسيًا لأكثر من 4500 صياد يمتلكون ما يزيد عن ألف قارب، وينتجون سنويًا نحو 5 آلاف طن من الأسماك بقيمة 21 مليون دولار، معتمدين بنسبة 72% على الصيد البحري و28% على الاستزراع السمكي.

ويقول بكر في حديثه إلى الميادين نت، إنّ الاحتلال يستهدف قطاع الصيد منذ 18 عامًا عبر تقليص مساحة الصيد من 20 ميلًا إلى 6 أميال، وإغلاق البحر، وملاحقة الصيادين بالرصاص، ما أدى إلى استشهاد 204 صيادين، وإصابة المئات، بينهم من فقد أطرافه، إضافة إلى تدمير أكثر من 80% من القوارب والمعدات والبنية التحتية.

ويشير بكر إلى أنّ العديد من الصيادين أصبحوا يعتمدون على الصيد البدائي باستخدام "الحسكات" ضمن مساحة لا تتجاوز كيلومترًا واحدًا، رغم المخاطر الكبيرة، مما أدى إلى فقدان كثير منهم مصدر رزقهم، مطالباً بتوفير الحماية البحرية، والدعم المالي، والوقود، إلى جانب خلق فرص عمل مؤقتة لتخفيف البطالة بين الصيادين.

خسائر فادحة

من جهته، أفاد القطاع الزراعي في شبكة المنظمات الأهلية بأن العدوان الإسرائيلي أدى إلى تدمير نحو 87% من قوارب الصيد، منها 96 بمحركات و900 بدون محرك، إضافة إلى تدمير ميناء غزة ومرافقه، مما تسبب بخسائر شهرية تُقدّر بـ 7 ملايين دولار، وحرمان السكان من مصدر غذائي أساسي.

إبادة جماعية بحق الصيادين

من جانبها، أكدت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان أن استهداف قطاع الصيد في غزة يأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي والإبادة الممنهجة التي تفرضها قوات الاحتلال منذ أكتوبر 2023، لافتةً إلى أنّ أكثر من 6000 صياد وعامل حُرموا من العمل، واستُشهد 204 صيادين، بينهم 51 خلال مزاولة مهنتهم، كما دُمر نحو 2000 قارب، وخسر القطاع أكثر من 4660 طنًا من إنتاجه السمكي.

وحذّرت المؤسسة من تلوث بحري خطير نتيجة تدمير محطات الصرف الصحي وتكدّس النازحين على الشواطئ، معتبرةّ أن قرارات الاحتلال المتكررة بمنع الصيد والسباحة استمرار لسياسات ممنهجة منذ بداية العدوان، مطالبة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لوقف الانتهاكات ورفع الحصار البحري المفروض منذ أكثر من 17 عامًا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة في غزة أكدت استشهاد أكثر من 900 فلسطيني، بينهم 71 طفلًا، بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى إصابة 6 آلاف من الباحثين عن لقمة العيش منذ بدء الحرب، فيما أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بأن 650 ألف طفل مهددون بالموت جوعًا، ونحو 60 ألف سيدة حامل يواجهن خطرًا حقيقيًا بسبب انعدام الغذاء والرعاية الصحية.

اخترنا لك