تحوّل في سلوك المستهلكين في دول الخليج: المقاطعة سلاحنا
على الرغم من بعض التحديات التي تواجه حملات المقاطعة في دول الخليج، إلا أن نجاحها وتوسّعها يعكس ردة فعل شعبية طبيعية على العدوان على قطاع غزة الذي تسبّب بمجازر وإبادة جماعية.
"هل قتلت اليوم طفلاً فلسطينياً؟"، كان أحمد يرمي السؤال على كل من يصادفه بين رفوف المنتجات في أحد المتاجر في دولة الكويت، يمسك عربة صغيرة وسط ذهول بعض روّاد المتجر، الذين أخذهم ذهول السؤال، فتسرع خلود (والدة أحمد) في التوضيح: "هذا شعار حملة المقاطعة".
وبالفعل، كُتبت هذه العبارة على لوحة إعلانات كبيرة على بُعد بضعة أمتار خارج جمعية استهلاكية، اجتذبت انتباه المارّة في دولة الكويت، وقد وُضعت هذه اللوحة ضمن حملات المقاطعة التي تجتاح الدولة الخليجية كما هو حال دول خليجية عديدة، فعّلت شعوبها سلاح المقاطعة للشركات العالمية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي مع اشتداد العدوان على قطاع غزة.
يبدو أن كلّ شيء بعد الحرب على غزة تغيّر. فقد كان لها انعكاس مباشر على السلوك الاستهلاكي للمواطن في دول الخليج. وتغيّر هذا السلوك يشغل حيّزاً كبيراً من حياة المواطنين والمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث انطلقت حملات توعوية بضرورة مقاطعة سلع ومنتجات الشركات العالمية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، ضمن خطوات مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهته للعدوان.
سلاح ضاغط في الكويت
الباحث في الشأن الفلسطيني ورئيس فريق "كويتيون دعماً لفلسطين" عبد الله الموسوي، أكد في حديثه للميادين نت أنّ فريقه التطوّعي "يعمل جاهداً كي تكون ثقافة المقاطعة طويلة الأمد، ولا تنتهي مع انتهاء أو انخفاض وتيرة العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة"، وقال إن ما يمارسه الشارع الكويتي من مقاطعة هي "حرب لا تقل أهمية عن المواجهات العسكرية في القطاع".
تنقسم الحملات التي انطلقت في دول خليجية ومنها الكويت إلى نوعين؛ حملات عفوية وهي ردة فعل شعبية إنسانية أخلاقية تجاه المجازر الإسرائيلية، وحملات منظّمة شملت فعاليات توعوية قادتها بعض مؤسسات المجتمع المدني والفرق التطوعية الداعمة للقضية الفلسطينية وعدالتها.
وتشمل قائمة المقاطعة في دولة الكويت منتجات غذائية وسلعاً مختلفة ومجموعة من المطاعم والمقاهي، خصوصاً الأميركية التي تنتشر بكثافة في الدول الخليجية، وتركّز الحملات عليها بسبب دعم واشنطن للعدوان على قطاع غزة، أو بسبب مواقف صدرت مباشرة من هذه المطاعم والمقاهي.
ويرى الموسوي أن "نتائج المقاطعة الاقتصادية لهذه الشركات قد لا تكون آنية، ولكن النتائج الإيجابية ستتحقّق مع مرور الوقت، حيث ينتشر الوعي في المجتمع الكويتي بضرورة الاستغناء عن هذه السلع والمنتجات، وهو ما تعمل عليه مؤسسات المجتمع المدني والفرق التطوعية الداعمة لفلسطين".
ويؤكد أن "تجاوب المجتمع الكويتي الواسع مع المقاطعة كان مفاجئاً خصوصاً من فئة الشباب، حيث يمكن لمرتادي المجمّعات وأماكن التسوّق المختلفة أن يلحظوا بشكل لافت خلوّ المحال وسلاسل المطاعم والمقاهي المعروفة بدعمها للاحتلال الإسرائيلي من المستهلكين الكويتيين".
إغلاق متاجر في عُمان
من جهته، أكد الباحث العُماني علوي المشهور في حديثه للميادين نت، أن الوكالات التجارية الداعمة للاحتلال تعاني بشكل كبير في الأسواق العمانية، حيث انخفض الإقبال عليها، وبدأت بتسريح العمّال وبإغلاق بعض فروعها، واعتبر أن ذلك يأتي بسبب الانضباط والالتزام بالمقاطعة لأجل القضية الفلسطينية، واللذين اتصف بهما الشارع العماني.
وتقول غرفة التجارة والصناعة في سلطنة عمان في تقرير أعدّته دائرة البحوث والدراسات الاقتصادية فيها، إن المقاطعة "تؤثر سلباً على الشركات الوطنية العاملة في قطاع البيع بالجملة والتجزئة، مما قد يدفعها إلى تقليص عدد الفروع وتخفيض ساعات العمل وتسريح العمال، مما يزيد من الضغوط الاجتماعية في ظل ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل".
وأورد التقرير أن قيمة التوريدات المحلية بشركة آل داوود وهي الوكيل الحصري المرخص للعلامة التجارية "ماكدونالدز" في سلطنة عمان، تراجعت من مليون و200 ألف ريال خلال شهر حزيران/يونيو 2023 إلى 179 ألف ريال عند نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وأن شركة دومينوز سجّلت تراجعاً حاداً في الإيرادات من 480 ألف ريال عماني في حزيران/يونيو 2023، لتصل إلى 132 ألف ريال عماني فقط في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023؛ ما أدى إلى تفاقم خسائر الشركة، التي زادت من 39 ألف ريال عماني في أيلول/سبتمبر إلى 183 ألف ريال عماني بنهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023، علماً بأن الشركة كانت تعاني من خسائر قبل المقاطعة، لكن الأخيرة أدت إلى تفاقم هذه الخسائر بشكل كبير.
وفي تعليقه على هذا الموضوع، يقلّل المشهور من تأثير المقاطعة على الاقتصاد المحلي في سلطنة عمان، ويقول إن الاستثمارات في البلاد "شهدت ارتفاعاً كبيراً في العامين 2023 و2024، ولم تتراجع وإن أي تأثر إن وُجد يقتصر على بعض القطاعات مثل وكالات المطاعم والمقاهي وهي قطاعات ليست ذات فائدة كبيرة للاقتصاد باعتبار أن بدائلها المحلية متوفّرة".
واعتبر المشهور أن "تأثّر قطاعات التجزئة والضيافة مفيد للشركات المحلية، لأن الوكالات الأجنبية تعيد تحويل أموالها إلى الخارج، وفي هذه الحالة ما يخسره الاقتصاد المحلي أكثر مما يجنيه، ولذلك وجود بدائل محلية تستعيد هذه الحصة السوقية مفيد للاقتصاد المحلي".
ولوحظ أن بعض الشركات والوكلات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي تحاول اليوم استهداف الجاليات الأجنبية في السلطنة في حملاتها التسويقية، وفق المشهور، "ليُتاح لها الاستمرار في السوق في ظل الأضرار الكبيرة التي تسبّبت بها المقاطعة، ولإدراكها أن المواطن العُماني ما عاد يتأثر بحملاتها التسويقية".
تحوّل في سلوك المستهلكين في البحرين
لا تجدي مواجهة المقاطعة نفعاً في دول خليجية مثل البحرين، حيث يقول محمد سلمان وهو مسؤول مشتريات في سوبرماركت شهير في المملكة، في حديثه للميادين نت إن نسبة المقاطعة الملحوظ، دفعت بشركته إلى تقديم عروض شراء غير مسبوقة للمستهلكين، بغرض التخلّص من البضائع المدرجة ضمن قوائم المقاطعة المحلية، والتي عمّمتها الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ضمن "حملة المقاطعة العالمية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، المعروفة اختصاراً بـ"بي دي إس".
ويؤكد سلمان أن الإقبال على المنتجات المدرجة في قوائم المقاطعة تراجع، وباتت البضائع تتكدّس على الرفوف وفي المخازن منذ بدء العدوان على القطاع، حيث أوقفت شركته استيراد هذه السلع والبضائع، وبدأت تتجه نحو السلع والمنتجات البديلة من عدة بلدان عربية وإسلامية.
ويقول سلمان إنّ "تحوّلاً طرأ على السلوك الاستهلاكي في البحرين، حيث بدأ المستهلك يبحث ويستفسر عن السلع التي يتبضّعها وبلغ ببعضهم الأمر أن يسأل محاسب الصندوق في متجره عما إذا كانت السلعة تندرج ضمن قائمة المقاطعة أم لا قبل أن يقوم بعملية الشراء، وهذا الأمر لم نشهده في السابق".
تحديات تواجه حملات المقاطعة في دول الخليج
مع ذلك، تواجه حملات المقاطعة هذه في دول الخليج تحديات تتمثّل بشكل رئيس في إيجاد البدائل، ومدى توافرها في السوق، إضافة إلى معايير جودتها وتناسب أسعارها، وهو ما دفع بالبعض إلى إنشاء عدة تطبيقات ومنصات على مواقع التواصل الاجتماعي تساعد الجمهور على مواجهة بعض هذه الصعوبات.
منصة وتطبيق "البديل"، تعد من أبرز المنصات الخليجية المعنية بالترويج للسلع والبضائع البديلة، والتي انطلقت من دولة الكويت بمجهود فردي، وتوسّعت لتشمل المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وسلطنة عمان والأردن.
الميادين نت تحدّثت إلى مؤسس منصة وتطبيق البديل محمد مصطفى السبيتي، الذي أوضح عدداً من التحديات التي تواجهها رحلة البحث عن بدائل للسلع والمنتجات المقاطَعة، وقال إن أبرزها هو عدم توافرها في مركز تجاري واحد، حيث إن "المستهلك الباحث عن المنتجات البديلة لا يجد منصةً أو سوقاً مركزياً أو جمعيةً استهلاكيةً واحدةً توفّر حتى 40% من حاجة المستهلكين في دولة الكويت، بسبب قلّة الكمّيات المتوفّرة، وضعف المصانع المحلية والإسلامية في التوريد، وقلة الخبرة وعدم وجود مندوبين لهم في تلك الأسواق، مع سيطرة كبيرة من العلامات التجارية العالمية التي غزت الأسواق منذ أكثر من 50 عاماً".
وأشار السبيتي إلى أن "هناك الكثير من السلع ليست لها بدائل كثيرة، وعلى سبيل المثال، الصابون، والمنظّفات والمواد الغذائية، أصبحت لها بدائل بنسبة تفوق 90%، إلا أن سلعاً أخرى تصنّف استهلاكيةً أساسيةً لا تزال محتكرةً من قبل علامات تجارية داعمة للاحتلال، كحليب الأطفال الرضّع، معجون الأسنان، صبغات الشعر، الأحذية والملابس الرياضية، أدوات الحلاقة للرجال والعناية الشخصية للسيدات"، ويؤكد أن هذه السلع تحديداً لم يتم إيجاد بدائل لها في الدول الخليجية والعربية إلا ما ندر، و"قد تكون موجودة لكن ليس بالشكل المتاح للمستهلك".
أسعار السلع والمنتجات البديلة.. مخاوف من الاستغلال
تُعدّ أسعار أغلب المنتجات المحلية والعربية والإسلامية "مناسبة جداً"، وفق السبيتي، "وبعضها أرخص بكثير من المنتجات التي تمت مقاطعتها"، معتبراً أنّ الحديث عن غلاء أسعار المنتجات البديلة يعود إلى قصور في عمليات البحث عن البدائل، وأن البعض يصبّ تركيزه على أسعار المطاعم والمقاهي، وهنا يوضح السبيتي أن المعادلة تختلف بشكل كامل عن السلع الاستهلاكية المصنّعة، حيث أن تكلفة التشغيل في المصانع معروفة أنها أقل من المطاعم والمقاهي".
في السياق، وجد الباحث العماني علوي المشهور أن لا ارتفاع في أسعار البدائل في سلطنة عمان وأنها لا تزال معقولة، خصوصاً الخدمات في قطاع الضيافة، المطاعم، المقاهي، المأكولات والمشروبات، إلا أن الناس لم يكونوا على معرفة بها سابقاً، إذ إنّ الموزّعين غالباً ما يميلون إلى التعاقد مع الشركات العالمية الكبيرة في مختلف المنتجات.
وحذّر المشهور من عمليات الاستغلال، موضحاً أنّ "ازدياد الطلب على أي سلعة سيزيد بطبيعة الحال سعرها ضمن منطق العرض والطلب، ولذلك الاستغلال قد يحصل وهو وارد، وقد يحصل في بعض المنتجات خصوصاً إذا كان البديل واحداً فقط لا أكثر، لكن معظم السلع والمنتجات لها بدائل كثيرة، ولذلك فإنّ المنافسة كبيرة بين هذه البدائل، والاستغلال غير ظاهر إلا فيما ندر".
وعلى الرغم من بعض التحديات التي تواجه حملات المقاطعة في دول الخليج، إلا أن نجاحها وتوسّعها يعكس ردة فعل شعبية طبيعية على العدوان على القطاع الذي تسبّب بمجازر وإبادة جماعية، وتقول المواطنة البحرينية إيمان محمد للميادين نت إن التبضّع أصبح شاقاً مع المقاطعة بحثاً عن البدائل، لكنها تنظر إلى ذلك كفعلٍ مقاوم، "وهو أقل ما يمكن تقديمه أمام ما يجري في غزة اليوم وخاصة قتل الأطفال بشكل يومي".