بين رغبات الأهل ومصلحة الأطفال.. ما مصير تعديل قانون الحضانة في العراق؟
بعد تأجيل المناقشة والتصويت على المادة المعنية بحضانة الأطفال من قانون الأحوال الشخصية العراقي، يحاول بعض النواب دفع التعديل إلى التصويت، مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، وسط انقسام بشأنه بين مؤيد ومعارض.
منذ دورتين نيابيتين، تُؤجَّلُ المناقشة والتصويت على مقترح تعديل المادة الـ57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي، رقم 188 لسنة 1959، والمعنية بحضانة الأطفال عند انفصال الزوجين.
القانون النافذ أعطى الحق للزوجة في حضانة الطفل لغاية سن العاشرة، وفي إمكانها بعدها تقديم طلب إلى المحكمة من أجل تمديد فترة الحضانة حتى الخامسة عشرة من عمره، إذا ثبُت من خلال اللجان الطبية والنفسية أن من مصلحته ذلك، ثم يختار الطفل من من يعيش.
ووضع المشرّع شروطاً يجب أن تتمتع بها الأم كي تحصل على حق الحضانة، منها أن تكون عاقلة وبالغة وأمينة وقادرة على تربية الطقل ورعايته.
وفي حالة وفاة الأم أو فقدانها أيَّ شرط من هذه الشروط، فإن الحضانة تنتقل مباشرة إلى الأب. وهذا الأمر لا يمنع الأب من متابعة شؤون طفله وتربيته وتعليمه، كما أوجب عليه القانون تحمُّل نفقته اختياراً، أو تحددها المحكمة إذا امتنع.
وحتى إن حصلت الأم على حق الحضانة، فللأب الحق في مشاهدة طفله يومين في الشهر، ولساعات محدَّدة، من دون أي ينام عنده، لكن القانون اشترط أن تكون المشاهدة في مكان عام، أو في مراكز الشرطة، أو دوائر التنفيذ، أو المحكمة.
وعدّ الآباء هذا الأمر إجحافاً بحقهم في رؤية أبنائهم في أماكن تكون أكثر خصوصية، وبعيداً عن مراكز الشرطة والمحاكم، بسبب ما يشكله من ضغط نفسي عليهم وعلى الأطفال.
تعديل القانون بين مؤيد ومعارض
يقول مؤيدو تعديل القانون، وهم الآباء المطلقون، ويدعمهم بعض رجال الدين وسياسيون، إن القانون الساري غير منصف، ويحرم الأب خلال أعوام طويلة من ذريته، ويسمح بتفرد الأم بهم، وخصوصاً فيما يتعلق بوسائل المشاهَدة.
وتحدث أيمن عادل إلى الميادين نت، وهو مطلق ولديه ابن وبنت، عن معاناته في أيام المشاهَدة، قائلاً إن طليقته "تصر على أن يكون مكان المشاهدة في دائرة التنفيذ التابعة لوزارة العدل، أو في المحكمة".
وتابع أيمن: "عادة، لا تتجاوز مدة المشاهدة ساعتين، وهي مدة قصيرة جداً، وهذه الأماكن عامّة ومليئة برجال الشرطة والمجرمين، حتى إن وَلَدَيَّ ينتابهما الخوف والخجل حين ألقاهم".
أما (هـ . ث.)، وهي منفصلة عن زوجها منذ عامين، ولديها ولد واحد، عمره 4 أعوام، فتقول إن طليقها "غالباً ما يهددها بأخذ ابنه وتسفيره إلى خارج العراق، وحرمانها منه، إذا طالبت بزيادة النفقة، أو رفعت قضية من أجل الحصول على مهرها المؤجَّل".
وتؤكد السيدة أن القانون الحالي، و"إن أعطاها حق الحضانة، فإنه يعطي الأب امتيازاً أيضاً"، كالسفر مع ابنه إلى خارج العراق، وتقول إن هذا الحق منعها القانون ذاته منه، إذ اشترط موافقة الأب الخطية على ذلك. ونتيجة ذلك، فإن القانون الجديد "سيعطي الأب حقوقاً أكبر، من شأنها أن تظلم الأم، وتجعلها بعيدة عن أطفالها".
وينص مشروع تعديل القانون على أن الأم تفقد الحضانة بمجرد زواجها برجل ثان، بينما لا يفقدها الأب إذا تزوج. أما القانون الساري فلا ينصّ على فقدان الأم الحضانة بمجرد زواجها مرة ثانية، بل يُلزم زوجها بتقديم تعهّد خطي من أجل رعاية الطفل. و إذا أخلّ الزوج بتعهده، فحينها تذهب الحضانة إلى الأب، أو تطلب الأم الانفصال.
ومن النقاط الخلافية بشأن مشروع القانون الجديد، ما نصت عليه المادة 8/1، وهو: "عند إكمال الطفل سبعة أعوام من عمره، وإذا كان الأب متوفَّى، والجد متوفّى أيضاً، وإن كانت الأم الأرملة متزوجة، فإن الطفل لا يبقى عند والدته، بل تنتقل حضانته إلى مؤسسسات الدولة الرعائية"!
أما المادة 1/7 من تعديل القانون، فتنص على أنه "إذا تضرّر الطفل من البقاء عند والده، إن كان الأب يضربه، أو يجبره على ترك الدراسة، أو تعرّض لأي ضرر آخر، فإن الأم لا تستطيع المطالبة بحضانته إلا بعد مرور عام كامل".
وتنصّ مادة أخرى من تعديل القانون على أنه إذا كان الأب محكوماً بالسَّجن المؤبد، فإن الطفل يؤخذ من الأم، وتُعطى حضانته للجد (والد الأب)، إذا طلبت الطلاق .
لا تقف الاعتراضات عند هذه النقطة، بل هناك منظمات حقوقية وإنسانية اعترضت على الأمر، وخرجت في تظاهرات ضدّ مجمل فقرات القانون الجديد، وطالبت بتنظيم مسألة المشاهَدة فقط، وجعلها أكثر إنصافاً.
هذا الأمر دفع مجلس القضاء الأعلى العراقي إلى إصدار تعليمات، عام 2021، تعدّل بنود مشاهدة الطفل، فجعلت أيام المشاهدة أربعة في الشهر، بعد أن كانت يومين، ومدّدت ساعاتها، وصارت من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً.
مصلحة الطفل يجب أن تكون الأولوية
وبشأن عودة الجدل مرة أخرى في هذه الدورة البرلمانية، والتصريح أو التلميح بعرض تعديل القانون على المناقشة والتصويت عليه، التقت الميادين نت عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب محمد عنوز، الذي أكد أن "القانون لم يُعرض داخل اللجنة القانونية بصورة واضحة وجدية، بل يجري التداول بشأنه منذ دورات سابقة، لكنه لا يجد القبول المطلوب لتمريره".
وقال عنوز إن "أي قانون" يقوم على التوافق السياسي بين الأحزاب، و"لا يمكن تمريره بعيداً عن هذه المعادلة"، مشيراً إلى وجود عشرات القوانين معطَّلة، وليس تعديل فقرات قانون الأحوال الشخصية فقط.
أما سبب تأخُّر تعديل المادة الـ57، الخاصة بالحضانة، فقال عنوز إنه نتيجة كثرة الخلافات بشأنها، سواء الفقهية، التي تتباين آراء المذاهب بشأنها، أو المدنية، التي تدفع في اتجاه الدفاع عن حقوق المرأة.
وانطلاقاً من تخصصه بالقانون، قال عنوز إن الأساس في التشريع يجب أن يراعي مصلحة الطفل في الدرجة الأولى، لا أن يقف إلى جانب الأم أو الأب. فالطفل هو الأَولى بالرعاية، وهذا هو المعيار الذي يجب أن يُؤخذ به، سواء في القانون القديم أو في أي تشريع مقبل.
من جهته، أكد المحامي الدكتور محمد السيلاوي لـالميادين نت أن القانون الحالي "منصف نوعاً ما للزوج والزوجة"، فالحضانة تحصل عليها الأم كونها الأقدر على رعاية الطفل، وخصوصاً في بداية عمره. وبحسب الواقع العملي، من النادر أن خسرت أم حضانة طفلها بسبب تقصير أو إهمال، بل إن الآباء، في أغلبيتهم، هم من يطلبون أن تبقى حضانة الأطفال عند الأمهات.
وأضاف السيلاوي: "أرى، من وجهة نظر قانونية، أن التعديل المطروح غير عادل، وفيه غبن كبير للأم، ويميل إلى مصلحة الأب أكثر. والقانون الحالي، وخصوصاً بعد تعديل بنود المشاهدة، أفضل، ويحقق مصلحة الطفل، أكثر من التعديل المطروح".
وبحسب الإحصاءات، هناك أكثر من مليون مطلقة في العراق ما زلن من دون زواج، وما يزيد على ثلاثة ملايين أرملة. وثمة أعداد أكثر من الأطفال، الذين سوف يتأثرون بصورة مباشرة، من التعديل المطروح.
وفي عام 2020، أصدرت جمعية الأطباء النفسيين استشارة للمعنيين، تفيد بأن إقرار التعديل المطروح من شأنه أن يؤثر نفسياً في الطفل، إذا ما أُسقطت عنه حضانة أمه، وهو في عمر الطفولة.
وحتى الآن، يحاول بعض النواب دفع التعديل إلى التصويت، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، بعد اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023.