الشهيد الأردني ماهر الجازي "الحويطات" يُحيي تاريخ قبيلة مُقاوِمة

مع بداية بروز خطر المشروع الصهيوني الذي لم يكن يفرق بين الأردن وفلسطين في أطماعه، تنبّهت قبيلة الحويطات للمخاطر المقبلة على البلاد، وكان لها باع طويل في المقاومة.

0:00
  • الشهيد الأردني ماهر الجازي
    الشهيد الأردني ماهر الجازي "الحويطات" يُحيي تاريخ قبيلة مُقاوِمة

"أنا بفتخر إنّي ربّيت شبل وبطل نفّذ عملية استشهادية ودافع عن الإسلام والعروبة". بوجه تعلوه ابتسامة الفخر ولا تخلو منه الملامح البدوية السمراء، تحدّث ذياب حسين الجازي عن ابنه ماهر الذي نفّذ عملية إطلاق نار استهدفت جنود وضباط في جيش الاحتلال بتاريخ 9/9/2024، في الجزء المُخصّص للشحن من معبر الكرامة الحدودي الذي يصل الأردن بمدن الضفة الغربية.

في الطريق إلى مضارب الحويطات 

ينتمي الشهيد ماهر الجازي إلى قبيلة الحويطات، وهي القبائل العربية الممتدة التي كانت مساكنها تمتد ما بين شمال سيناء وجنوب بلاد الشام وغرب الجزيرة العربية. ويقول المختصّ بالتاريخ أنور الجازي الحويطات، إنّ قبيلة الحويطات من أقدم القبائل التي سكنت في منطقة بلاد الشام، وذلك من 600 عام، وكان أوّل ذكر لها في منطقة العقبة الواقعة إلى الجنوب من الأردن، ويضيف: "ثم تفرّعت القبيلة وسكنت في شمال الحجاز وسيناء وفلسطين، وقسم من القبيلة انتقل إلى المناطق الجنوبية في الأردن". 

اليوم، وفي الأردن، تمتدّ مساكن ومضارب قبيلة الحويطات في مساحات واسعة من محافظتي معان والعقبة، وفق الجازي. وفي الحديث عن عائلة الجازي التي ينتمي إليها الشهيد ماهر، وهي إحدى عائلات قبيلة الحويطات، فهي العائلة التي تحوز لقب (المشيخة) في القبيلة منذ القرن التاسع عشر، وقد كان للقبيلة أدوار مهمة في الثورات ضد الحكم العثماني وتأسيس الدولة الأردنية، وبرز من مشايخها حمد بن جازي وعودة أبو تايه، ما أكسب الحويطات رصيداً اجتماعياً كبيراً في الأردن. 

الحويطات وفلسطين... حكاية قديمة 

مع بداية بروز خطر المشروع الصهيوني الذي لم يكن يفرق بين الأردن وفلسطين في أطماعه، تنبّهت قبيلة الحويطات للمخاطر المقبلة على البلاد، ومما يذكره عبد العزيز الثعالبي في كتابة "خلفيات المؤتمر الإسلامي في القدس 1931"، أنّ الشيخ حمد بن جازي الحويطات كان من ضمن المشاركين في هذا المؤتمر الذي عقد بعد ثورة البراق، لمناقشة سبل التصدي للأخطار المحدقة بالقدس وفلسطين بعد عامين من ثورة البراق أول ثورة فلسطينية شاملة ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، وكان من القائمين على المؤتمر الحاج أمين الحسيني، الشخصية الفلسطينية البارزة، والذي كان له علاقات طيبة مع قبيلة الحويطات، ويفيد أنور الجازي بأنّ قبيلة الحويطات كانت تعمل على مدّ الثوّار بالسلاح خلال الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 – 1939.

وفي كتابَي "نكبة فلسطين والفردوس المفقود" لعارف العارف، و"كارثة فلسطين" لعبد الله التل، ورد أنّ قبيلة الحويطات كانت من ضمن العشائر الأردنية التي سارعت لدخول فلسطين بعد قرار التقسيم في العام 1947، عبر فصيل مُدرّب ومُسلّح من أبناء العشيرة، وقيادة الشيخ هارون بن جازي الحويطات، وشاركت بصحبة جيش الجهاد المقدس في العديد من المعارك في القدس، واستشهد العديد من أبناء العشيرة خلال حرب عام 1948. ومن المعارك التي شاركت فيها معركة القسطل التي استشهد فيها القائد عبد القادر الحسيني، وفي الوقت ذاته تورد سجلات الجيش الأردني الرسمية بأنّ 29 جندياً وضابطاً من أبناء قبيلة الحويطات قد ارتقوا خلال معارك حرب عام 1948 في القدس، ومن أبرز شهداء عائلة الجازي ابن الشيخ حمد بن جازي، نايل الجازي، والذي استشهد خلال معركة تل راس الحية في القدس، كما استشهد في تلك الحرب 2 من أبرز شيوخ قبيلة الحويطات، وهم: حتمل بن نهار العودات، وعبد الله ابن صويوين المراعبة. 

ويفيد أنور الجازي بأنّ أبناء قبيلة الحويطات قد نفذوا العديد من العمليات الفدائية عبر الحدود الجنوبية بين فلسطين والأردن في الفترة ما بين عامي 1949 و1967، والعديد من تلك العمليات لم يتم توثيقه في الكتب والدراسات، ولكن المرويات الشعبية المتوارثة لأبناء القبيلة تؤكد هذه الحقيقة التاريخية. 

الجازي ما بين كرامتين 

في الصيوان الكبير المكوّن من عدة خيم في قرية الحسينية، حيث عرس الشهيد ماهر الجازي، انتصبت صورة لشخصية أردنية معروفة من عائلة الجازي أيضاً ارتبط ذكرها بفلسطين، بل وفي منطقة الكرامة التي شهدت عملية الشهيد ماهر، وهو اللواء مشهور بن حديثة الجازي، الذي كان قائداً للفرقة الأولى في الجيش الأردني خلال معركة الكرامة في 21/3/1968، والذي أخذ القرار بالتصدّي لقوات الاحتلال المتوغلة في الأغوار الأردنية، ونسّق مع قوات المقاومة الفلسطينية الموجودة هناك ليصنع النصر الذي تحقق في هذه المعركة، وفي تاريخ 1/8/1970 تم تعيينه من قبل الملك حسين قائداً عاماً للجيش الأردني، في محاولة لرأب الصدع بين المقاومة الفلسطينية والدولة الأردنية، ومع بدء أحداث أيلول الأسود استقال من قيادة الجيش وتوجه إلى الحياة العامة. 

ومنذ بداية الحراك الشعبي المصاحب لمعركة "طوفان الأقصى" والرافض لعدوان الاحتلال على غزة، كان الهتاف باسم مشهور حديثة الجازي ملازماً للجماهير التي لم تغادر الساحات، ليحمل الشهر الـ11 من الحرب حدثاً جعل من اسم عائلة الجازي حاضرةً من جديد في هتافات الأردنيين، مُجدّدة ذكرى الكرامة في قلوبهم. 

عرس الشهيد... استفتاء شعبي عابر للحدود

خلال الأسبوع الماضي، وعلى طول امتداد أيامه، تحولت قرية الحسينية، التي أضحت دياراً ومنازل لعائلة الجازي منذ العام 1968، إلى محجّ يقصده الأردنيون من كافة مناطق المملكة للتهنئة باستشهاد ماهر. ومن الحاضرين في استقبال وفود المهنئين باستشهاد ماهر الجازي الشاب تيسير الذيابات، أحد شباب قبيلة الحويطات والذي قال: "توافد آلاف المُهنّئين والداعمين في بيت الشهيد ماهر الجازي الحويطات أثلج صدورنا، وإن دلّ ذلك على شيء يدلّ على تلاحم العشائر الأردنية وأبناء هذا الشعب".

وتابع: "سحق الشهيد ماهر في عمليته البطولية جميع مخططات العدو التي يعمل عليها منذ سنين طويلة لتفكيك النسيج الوطني، وأثبت أنّ الذي بين الأردني والفلسطيني علاقة ورابطة دم واحد ذات عمق وأصول واحده". ويعقب أنور الجازي على هذا المشهد بالقول: "لمدة أكثر من 6 أيام وعدد الفعاليات الحزبية والشعبية الأردنية لا تعد من كافة محافظات الأردن، بل وحضرت وفود من مدن وقرى الضفة الغربية للتهنئة باستشهاد ماهر".

وعبّر شادي الجازي شقيق الشهيد ماهر عمّا اختلج صدور أبناء عائلة الشهيد خلال الأيام الماضية، وقال: "الكلّ هنا مبتهج ومسرور والتهاني والتبريكات من داخل الأردن وخارجها"، وعن نظرة أبناء قبيلة الحويطات للشهيد ماهر قال تيسير الذيابات: "ننظر إلى ماهر كبطل قومي ورمز لقبيلتنا وما قام به يعبّر عن ضميرنا هناك، أيقظنا وصنعنا من جديد، نرى أنه خلق طريقاً جديدة للمقاومة ونقطة تحوّل في أسلوب المقاومة لدى كل إنسان حر. ماهر أثبت لنا أن من السهل اختراق أمن هذا العدو وضربه".