أزمة السويداء تتصاعد: تحريضٌ طائفي ومخاوف من حرب أهلية

ما يجري في السويداء اليوم يؤكد أن لغة التحريض الطائفي المنتشرة على منصات التواصل تمكنت من إحداث شرخ اجتماعي لا يمكن لملمته خلال فترة قصيرة، وقد يقود بالسوريين إلى حرب أهلية، وهذا ما يفرض على الجميع تحكيم لغة العقل والقانون.

  • أزمة السويداء تتصاعد: تحريضٌ طائفي ومخاوف من حرب أهلية
    أزمة السويداء تتصاعد: تحريضٌ طائفي ومخاوف من حرب أهلية

لم يكن مشهد المسلَحين الملثمَين اللذين يضعان قدميهما على صورة القائد سلطان باشا الأطرش على أطراف مدينة السويداء جنوب سوريا، مجرد مشهد عابر في خضم التطورات السياسية والعسكرية التي تعيشها البلاد حالياً، فهذا المشهد كان كفيلاً بمعرفة حجم الشرخ الاجتماعي الذي يضرب بنية الدولة، لأن سلطان الأطرش -قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925- لم يكن محسوباً على الطائفة الدرزية التي ينحدر منها، وإنما قائداً ورمزاً لجميع السوريين بكل أطيافهم، وما جرى من تدنيس علني لصورته يعتبر تجاوزاً خطيراً للخطوط الحمر هناك.

لكن بالنسبة إلى الناس فإن "صور الأبطال لا تُهان، لأنها محفورة في ذاكرة الوطن، لا على الورق أو الكتب فقط، كما أن سلطان باشا الأطرش ليس مجرد صورة عابرة لا يعرفها السوريون، إنما هو مبدأ يُحترم، وتاريخ يُورث، وكرامة لا تُشترى"، لكن بالمقابل فإن محاولة إهانة رمز بهذا القدر من قبل القوات الموالية للحكومة السورية يُعد انتهاكاً خطيراً لأحد رموز الهوية الوطنية السورية.

ذلك المشهد، كان واحداً من عشرات المشاهد والقصص التي تحكي واقعاً اجتماعياً مؤلماً تعيشه سوريا بشكل عام، والسويداء بشكلٍ خاص، وليس آخرها من اعتداءات على الأهالي يوم أمس وتصويرهم بمشاهد مستفزة. فالمدينة الواقعة على بعد 100 كيلومتر من العاصمة دمشق، تجد نفسها مرةً أخرى في مواجهة شبح الحرب والمعارك الدامية، ويجد أهلها أنفسهم مضطرين لدفع ثمن ذنب لم يرتكبونه أصلاً.

مشهد مرعب في المدينة

تعيش مدينة السويداء منذ بدء التوترات الأمنية الأخيرة واقعاً مأساوياً، فالطرقات باتت شبه فارغة من المارّة، إلا من خرج لتأمين حاجياته الأساسية، والدوائر والمؤسسات الرسمية أغلقت أبوابها، والجامعات أجّلت نشاطاتها التعليمية، وأصبحت المنازل هي الملجأ الوحيد للباحثين عن الأمان بين نيران البنادق.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عاشت السويداء توتراً سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، حيث رفض قادة الفصائل المحلية تسليم سلاحهم للإدارة الجديدة في البلاد قبل إقرار دستور جديد يكفل لجميع السوريين حقوقهم، وطالبوا بإيجاد صيغة توافقية مع حكومة دمشق، إضافة إلى التركيز على فكرة التشاركية والتعددية السياسية في نظام الحكم، لكن ذلك لم يجد آذاناً صاغية لدى الإدارة الجديدة، فبقي السلاح في السويداء وغابت المؤسسات الأمنية.

المحامي فارس الخير من أهالي السويداء يقول للميادين نت: "منذ بدء التوتر الأمني الأخير، تعيش المدينة حالة من الغليان الشعبي، فأهالي السويداء وجدوا أنفسهم فجأة أمام حدث مفصلي قد يغيّر مستقبلهم، وهم يخشون تكرار مشاهد دموية عاشها أهالي الساحل السوري في آذار/مارس الماضي، فما يجري اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي والواقع، يشابه تماماً ما حصل قبل مجازر الساحل، عندما نفّذت جماعات متطرفة سورية وأجنبية عمليات إبادة بحق أبناء الطائفة العلوية".

ويتابع الخير: "هناك حملة تحريض واسعة ضد الدروز في السويداء، حيث يوجّه إليهم الذباب الإلكتروني على مواقع التواصل اتهامات عديدة لا أساس لها من الصحة في محاولة لتبرير الحملات الأمنية داخل المدينة، والتي قد تؤدي إلى ارتكاب مجازر بحق المدنيين العزّل، وهو ما قد حدث فعلاً في بعض مناطق السويداء، حيث انتشرت مواقع مصوّرة توثّق قتل بعض المدنيين والاعتداء على آخرين".

الضغط ولّد الانفجار

لم يكن ما جرى في السويداء خلال الساعات الماضية وليد اللحظة، فالمدينة تعيش منذ أشهر ضغطاً سياسياً وعسكرياً بين الفصائل المحلية من جهة، وحكومة دمشق من جهة ثانية، وهذا الأمر أدى إلى غياب الأمن والأمان عن المدينة والبلدات المحيطة بها، وباتت أخبار القتل والخطف والابتزاز معتادة على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما شهد طريق دمشق – السويداء مؤخراً عشرات حالات الخطف المتبادل بين الفصائل المحلية وعشائر البدو المدعومة من الحكومة السورية، مما أدى إلى قطع الطريق أكثر من مرة، قبل أن تشعل حادثة خطف جرت يوم الثالث عشر من تموز الجاري معارك عنيفة بين الفصائل المحلية ومسلحي البدو، لتتدخل السلطات الجديدة وتعلن نيتها دخول المدينة والانتشار فيها.

"لم يعد بإمكان العائلة بأكملها الخروج من المنزل"، هكذا وصفت نسمة الفضل (47 عاماً) حال أسرتها في الوقت الحالي، بعد أن حُرِم جميع أفرادها من مغادرة المنزل بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة؛ تقول الفضل للميادين نت: "منذ أسابيع أمنع ابني من السفر إلى جامعته في دمشق بسبب حالات الخطف التي تستهدف أبناء الطائفة الدرزية، كما كنت أرافق ابني الصغير إلى مدرسته يومياً خوفاً عليه أيضاً، أما اليوم فجميعنا معرضون للخطر والمعارك باتت وسط المدينة، ولم يعد بإمكاننا الخروج والدخول من المنزل لحين انتهاء التوتر الأمني الحاصل".

وتضيف الفضل: "أبناء السويداء لا يريدون سوى العيش بأمان وكرامة، فهم أول من نادى بالحرية، حيث وقفوا بوجه النظام القديم ورفضوا التفاوض معه، وهذا ما أيّدهم فيه جميع السوريين، لذلك تابعوا طريقهم بعد سقوط النظام وحافظوا على أهدافهم ونادوا بشعاراتهم نفسها؛ فما الخطأ الذي ارتكبه أبناء السويداء اليوم حتى يواجهوا كل هذا التحريض؟ وهل علينا تكرار سيناريو اللاذقية وجبلة وطرطوس ليعرف العالم مظلوميتنا؟".

لسنا حلفاء "إسرائيل"

برغم خروج بعض الأصوات من السويداء تطالب بالحماية الدولية لإيقاف هجمات القوات الحكومية على المدينة، ومنع تكرار ما حدث في الساحل السوري من مجازر، إلا أن معظم الأهالي يرفضون بشكل قاطع أن يكونوا أدوات بيد أيّ جهة خارجية، وخاصّة "إسرائيل"، التي تقول إنها مستعدة للدفاع عن الدروز بوجه الهجمات الحكومية المستمرة.

ومنذ أشهر يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اللعب على الوتر الطائفي في سوريا بمغازلة أبناء الطائفة الدرزية عبر الدعوة لحمايتهم من الإدارة الجديدة، معتبراً أن دروز سوريا هم امتداد لدروز الأراضي المحتلة.

وبرغم تسجيلهم لملاحظات عديدة تجاه سلوك الإدارة الجديدة في دمشق، إلا أن الدروز السوريين عبّروا أكثر من مرة على موقفهم المبدئي بالانتماء إلى وطنهم، ورفضهم التلميحات الإسرائيلية التي يطلقها نتنياهو بين الفينة والأخرى.

الصحافي فارس جاد الله من السويداء يؤكد للميادين نت أن "الدروز لا يملكون مشروعاً انفصالياً في سوريا، وأن همهم الأول بناء دولة ديمقراطية تعددية تشاركية، وهذه الأهداف يتشارك بها معظم أبناء السويداء ولم يستوردوها من الخارج، وهذا ما حاولوا إيصاله إلى حكومة دمشق، التي تتهمهم بالتعامل مع إسرائيل، بينما تقوم هذه الحكومة بالتفاوض سرّاً وعلناً مع المسؤولين الإسرائيليين.

ويؤكد جاد الله أن المطلوب حالياًَ لإنهاء أزمة السويداء هو وقف العمليات القتالية في الجنوب السوري بشكل كامل، وفتح حوار وطني شامل وشفاف دون إقصاء لأيّ طرف سوري، مع تغليب المصلحة الوطنية العليا على أيّ مصالح فردية، والاعتماد على أبناء الوطن لترتيب بيتهم الداخلي".

السويداء عاصمة الجنوب

بمساحة تُقدّر بـ6 آلاف و500 كيلومتر مربع، تقع محافظة السويداء في منطقة جبل العرب جنوب غرب سوريا، بالقرب من الحدود الأردنية جنوباً، ومن ريف دمشق شمالاً، ودرعا غرباً، وبادية الشام شرقاً.

ينتمي معظم سكان السويداء البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة لطائفة الموحدين الدروز، كما يوجد داخلها أقلية مسيحية، وتُعد المدينة بمثابة رمز تاريخي مهم في المقاومة والثورات، فهي تتميز بتاريخ غني بمواجهة الأطماع الأجنبية، بدءاً من الثورة ضد الحكم العثماني، ومروراً بالثورات ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى لعبها دوراً بارزاً في الثورة العربية الكبرى عام 1916، وثورتها على الفرنسيين عام 1923، وكذلك في الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش.

إن ما يجري في السويداء اليوم يؤكد أن لغة التحريض الطائفي المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي تمكنت من إحداث شرخ اجتماعي لا يمكن لملمته خلال فترة قصيرة، وقد يقود بالسوريين إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وهذا ما يفرض على الجميع تحكيم لغة العقل والقانون، وتجاوز الخلافات السياسية وتغليب المصلحة الوطنية على أيّ مصلحة أخرى، إضافة إلى التأكيد على دور الإدارة الجديدة في البلاد لإيجاد صيغة حوار وطنية تشاركية تجمع مختلف مكونات الشعب السوري وتجعلهم جزءاً من صنع القرار الوطني.

اخترنا لك