8 حالات طلاق كل ساعة.. محاكم العراق لا تهدأ أمام قضايا الخيانات والعنف

بلغت حالات الطلاق في العراق في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 نحو 19999 حالة، بحسب إحصائيات مجلس القضاء الأعلى العراقي، أما في عام 2023 فوصلت إلى نحو 72471 حالة في عموم المحافظات العراقية عدا محافظات إقليم كردستان.

0:00
  • 8 حالات طلاق كل ساعة.. محاكم العراق لا تهدأ أمام قضايا الخيانات والعنف
    8 حالات طلاق كلّ ساعة.. محاكم العراق لا تهدأ أمام قضايا الخيانات والعنف

في محاكم الأحوال الشخصية في بغداد، قصص طلاق كثيرة تختلف في تفاصيلها لكن لا يخلو منها الألم لأصحابها والغرائب أيضاً. تضجّ هذه المحاكم بمعاملات الطلاق برغم تشديد الإجراءات وتعقيدها، من أجل فسح المجال أمام الأزواج بالتفكير جيداً، مع إخضاعهم لجلسات إرشادية وتوعوية من قبل الباحث الاجتماعي داخل كل محكمة، لكن بالرغم من ذلك فإن الإقبال على الطلاق لا يزال مرتفعاً جداً، ففي كلّ ساعة يشهد العراق 8 حالات بحسب إحصائيات رسمية.

في محكمة الرصافة وسط العاصمة العراقية، اتخذت سارة، السيدة الثلاثينية، زاوية حائط تحتمي بها، هرباً من أشعة الشمس. فيما تبدو نظراتها المشتتة أنها تبحث عمن يساعدها في ملفها الذي تحمله بين يديها. تقف بجسد مثقل بالهموم وعينين باهتتين، وهي أم لأربعة أطفال. تروي سارة قصتها وهي ترتجف، محاولة أن تستذكر اللحظات التي وقفت فيها أمام قاضي محكمة الأحوال الشخصية، بعد تلقّيها بلاغاً بالحضور إلى المحكمة لتصديق طلاقها من زوجها، بعدما طلّقها غيابياً من دون علمها ومن دون سابق إنذار.

تقول سارة للميادين نت: "حدث ذلك قبل أكثر من عامين، لم  أكن أعلم سبب الطلاق، قبل أن أكتشف لاحقاً أن زوجي الذي كان مقصّراً في حق أسرته، كان على علاقة مع امرأة أخرى، وقد اشترطت عليه تطليق أم أولاده الأربعة مقابل الزواج منها". تُصارع سارة اليوم من أجل الحصول على نفقة أولادها في المحكمة لكن من دون جدوى، لأنه ليس موظفاً حكومياً ليتمّ استقطاع النفقة من راتبه مباشرة، ولا تعلم عنوان سكنه الحالي، ليتركها تواجه مصاعب الحياة وتصارع من أجل تأمين لقمة عيش أطفالها.

على بعد أمتار من سارة، أصوات عالية كانت تصدح في باحة المحكمة الداخلية بين زوجين، وتُهم متبادلة وشتائم، وذلك قبل دخولهما إلى القاضي للمرافعة في جلسة تفريق للضرر. تتعدّد القصص وأسباب الطلاق، لكنْ ثمة سبب متشابه في عدد كبير من القصص، بحسب موظف داخل المحكمة رفض الكشف عن اسمه، قائلاً إن أكثر حالات الطلاق هي بسبب خلافات حول بعض العلاقات العاطفية غير الشرعية عبر وسائل التواصل سواء الرجال أو النساء، وبعضها تتعلق بخلافات ومشكلات أسرية، مثل المشكلات بين أهل الزوجة والزوج، وأخرى تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية. لكن حالات الخيانة الزوجية هي الأكثر شيوعاً في السنوات الأخيرة، مما دفع المحاكم أن تُقرّ قانون التفريق بالضرر في حال ثبوت الخيانة من أحد الطرفين.

وبحسب إحصائيات مجلس القضاء الأعلى العراقي، فإن حالات الطلاق في عام 2023 وصلت إلى نحو 72471 حالة في عموم المحافظات العراقية عدا محافظات إقليم كردستان، كما أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 بلغت فيها حالات الطلاق نحو 19999 حالة، كانت بغداد قد استحوذت على النسبة الأكبر بين المحافظات الأخرى في بلد عدد سكانه تجاوز الـ45 مليون نسمة، تشكّل النساء فيه ما نسبته 57% من المجتمع العراقي.

أسباب الطلاق

في هذا السياق، يقول المحامي نبراس المحسن للميادين نت إن ارتفاع نسبة الطلاق في العراق مرتبط بعدة عوامل اقتصادية واجتماعية متداخلة، لكن حصة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة هي الأكبر، إضافة إلى عدم وجود وعي لدى الشباب والشابات من خطورة الطلاق على أولادهم، كما ينطبق ذلك على عوائلهم الذين لم تكن تدخّلاتهم إيجابية وأغلبها سلبية، مشيراً إلى أن الفقر والبطالة وانتشار المخدرات والاستخدام الخاطئ للسوشيل ميديا نالت نصيبها من التفكّك الأسري، ودفعت أغلب الأزواج نحو الانفصال، مما ولّد أجيالاً تعاني من صدمات نفسية واضطرابات.

ويؤكد عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الخفاجي للميادين نت أن المشكلة الأساسية التي تسبّبت بزيادة حالات الطلاق هي قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، "فهذا القانون يحتاج إلى تعديلات تواكب الحداثة وتنصف الطرفين، سواء المرأة أو الرجل حتى لا يتمّ استخدامه كسلاح لطرف ضد آخر"، مشيراً إلى أن المادة الـ 41 من الدستور تنص على أن العراقيين أحرار بالالتزام بالأحوال الشخصية كلّ بحسب ديانته أو مذهبه أو معتقده أو قوميته، "وهذا الموضوع يجب أن يُنظّم بقانون. بالإضافة إلى ضرورة إجراء تعديلات جديدة على قانون الأحوال الشخصية، خاصة المادة الـ 57 منه، والذي يعطي الحضانة للأم على حساب الأب، مما يؤدي إلى زيادة النزاعات".

ويقول الخفاجي إن هذا الأمر مطروح لدى اللجنة القانونية النيابية لإجراء التعديلات اللازمة على هذه الفقرة لإنصاف الطرفين من خلال إيجاد صيغة يمكنها أن تقلل من دوافع الطلاق، إضافة إلى أهمية أن تعمل السلطات التنفيذية على إنشاء مراكز تأهيلية وتثقيفية لتوعية الأزواج والزوجات من مخاطر الطلاق وتفكّك الأسرة وضياع الأطفال بين هذه المشكلات، مما يؤدي إلى بناء أجيال مهزوزة تعاني من اضطرابات نفسية من جراء فقدان أحد الوالدين بسبب الانفصال.

العنف والزواج المبكر كذلك كانا ضمن أسباب طلاق الأزواج، وفي السياق قالت الباحثة الاجتماعية بشرى العبيدي للميادين نت إن العنف الأسري ساهم في كسر روابط الزواج، وإن كانت أسباب العنف لا تقتصر فقط على الزوجين، بل حتى داخل المنظومة الواحدة للأسر العراقية، باعتبار أن أغلب الزيجات لا تكون مستقلة معيشياً أو في بيت مستقل، بل إن الغالبية منها تتمّ مع أهل الزوج ويمكن أن يؤثّر العنف على مستقبل الزواج. 

ضرورة توفير فرص عمل

بدورها، تحذّر رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية النائبة دنيا الشمري خلال حديثها للميادين نت من مخاطر ارتفاع نسب الطلاق في العراق لأسباب معيشية، في وقت كفل الدستور العراقي الحياة الكريمة لكلّ فرد، "وهذا يعني أن الحفاظ على شباب المستقبل وحماية الأسرة تقتضي توفير فرص عمل للشباب تمكّنهم من إنشاء روابط اجتماعية من خلال الزواج وتكوين الأسرة، ومعرفة أهمية الحفاظ على هذه الرابطة وحمايتها من التفكّك. مع توعية الشباب من كلا الجنسين بضرورة تحمّل المسؤولية وعدم الذهاب نحو الطلاق كخيار لتصفية الحسابات أو معالجة المشكلات، لأن ذلك سيدفع بالضرر على أطفالهم وسلوكياتهم المستقبلية، مع ضرورة تشديد إجراءات الطلاق لدى المحاكم، لحين الوصول إلى صيغ توافقية من شأنها تعزيز رابطة الأسرة بدل تفتيتها".