"شخطة قلم" ترامبية بوقف المساعدات تحرم اللاجئين في مصر الدواء والتعليم

كان لتعليق ترامب تمويل برامج المساعدات الخارجية وبرامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أثر بالغ على اللاجئين حول العالم ومثال على ذلك مصر، بموازاة العاملين والمستفيدين من برامج إعادة توطين اللاجئين والخدمات الصحية والتعليمية.

0:00
  • "شخطة قلم" ترامبية بوقف المساعدات تحرم اللاجئين في مصر الدواء والتعليم

يعيش الطفل السوداني محمد حسن عواقب "شخطة" قلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يوقع من خلالها على أوامره التنفيذية داخل مكتبه البيضاوي في واشنطن. قرار كان كقنبلة بين ملايين اللاجئين حول العالم.

تلك "الشخطة"، كما سمتها صحف عالمية، صبيحة 26 شباط/ فبراير 2025، كانت على أمر تعليق تمويل برامج المساعدات الخارجية وبرامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عمّقت جراح هذا الطفل الصغير اللاجىء إلى مصر، وأصابت أسرته بكارثة بموازاة العاملين والمستفيدين من برامج إعادة توطين اللاجئين والخدمات الصحية والتعليمية للاجئين في مصر التي ترعى نحو9 ملايين لاجئ من 133 دولة. 

اللاجئون أبرز المتضررين

حرم قرار ترامب، الطفل البالغ عامين، تلقي فحص طبي دائم في عيادة بالقاهرة تديرها منظمة "مصر الملجأ"، شريك مفوضية اللاجئين وتوفر خدمات طبية للأطفال دون سن الخامسة.

يعاني محمد حسن، الذي فرّت أسرته من ويلات الحرب، لتستقر في حي بولاق الدكرور بالقاهرة، من مرض فقر الدم الحاد (الأنيميا)، وهي حالة صحية تتطلب علاجًا مستمرًا وتغذية متوازنة، إذ كان يتلقى جلسات أسبوعية ورعاية طبية تتضمن الفيتامينات والحقن الضرورية لتحسين حالته.

أمام حالة محمد وغيره من الأطفال اللاجئين، وبسبب وقف التمويل، وجدت منظمة "مصر الملجأ" نفسها عاجزة عن تقديم تلك الرعاية، فقلّصت خدماتها، وتوقف علاج محمد، لتسوء حالته ويعاني الإجهاد الشديد، وتقول والدته للميادين نت: "نعجز عن شراء الفيتامينات أو الأغذية الغنية بالحديد التي يحتاجها ابني للبقاء، وتكلفة العلاج في القطاع الخاص تفوق قدراتنا المالية".

حياة 20 ألف مريض على المحك

امتدّت آثار القرار الأميركي كذلك إلى منظمات أخرى، مثل "كاريتاس" التي تقدم مساعدات طبية، و"save the children" (أنقذوا الأطفال) التي تعمل في مصر منذ 1982 بميزانية تُقدّر بنحو 18 مليون دولار، ولها 5 مكاتب ميدانية، بعدد موظفين يبلغ 337 موظفًا، ورعت 430 في 2024 بينهم أكثر من 51 ألف طفل لاجئ.  

وبسبب تداعيات القرار، أغلقت  المنظمة مراكزها وقلصت خدماتها، تاركة آلاف اللاجئين والفئات الأكثر هشاشة بلا دعم، إذ كان بينهم اللاجئ عبد العظيم محمد (54 عامًا) الذي فر من الخرطوم مع زوجته بداية الحرب السودانية، للحصول على علاج لمرض مزمن بالقلب بعد أن بات مستحيلًا علاجه في مناطق النزاع بالسودان.

يقول عبد العظيم، للميادين نت: "عندما أصبحت الحياة لا تُطاق في السودان، خاصة مع انهيار المرافق الصحية وصعوبة العثور على الدواء، شعرت أن البقاء هناك مع حالتي الصحية المتردية سيكون حكماً بالإعدام". 

في شقة صغيرة مستأجرة يعيش عبد العظيم في حي فيصل بالجيزة، وفي أعقاب تسجيله لدى مفوضية اللاجئين، تم تحويله إلى أحد المراكز الصحية التابعة لها، حيث تم تشخيصه باعتلال عضلة القلب وداء القلب الإقفاري، وخضع لعمليتين ناجحتين لثبيت دعامات في الشرايين التاجية للقلب.

حالياً ولعدم قدرة المفوضية على توفير أدويته، يشعر، وفق حديثه للمـيادين نت، بالأسى، ويضيف: "لا أستطع تحمل تكاليف الدواء، ولا أعرف إن كنت سأنجو".

وكان لقرار ترامب تداعيات خطيرة على نحو 20 ألف مريض، يحتاج بعضهم لجراحات السرطان والقلب والعلاج الكيميائي، وآخرين لأدوية السكري وارتفاع ضغط الدم، حيث كان الأكثر تضرراً بينهم لاجئون سودانيون، وفق المفوضية.

ومع نقص الموارد المالية وحالة عدم اليقين بشأن مساهمات المانحين،  تقول مسؤولة حماية الطفل بالمفوضية في مصر، فرح ناصف للميادين نت، تمّ تعليق جميع أشكال العلاج الطبي للاجئين باستثناء التدخلات الطارئة المنقذة للحياة.

كان ضمن هؤلاء طفل سوداني قاصر غير مصحوب بذويه ويتلقى رعاية كاملة بسبب إعاقته الجسدية والنفسية، وتوقفت رعايته بسبب الوضع الحالي للتمويل، وفق ناصف، التي أضافت: "نرى مثل هذه الحالات يوميًا، وغالبًا لا يمكننا تلبية جميع احتياجاتهم لأن الدعم المتاح لم يعد يكفي".

محو الأمية في خطر

على مدار 40 عاماً بلغ حجم الشراكة بالمشروعات المجتمعية بين الوكالة الأميركية والحكومة المصرية نحو 30 مليار دولار حتى عام 2024، لكن القرار أثر سلباً على برامج اللاجئين، حيث توقفت منظمات مثل "اللجنة الدولية للإنقاذ" عن دعم مراكز التأهيل ومحو الأمية.

فلم تسلم برامج تلك المنظمة، التي تعمل في حوالى 40 بلدا آخر، من التداعيات السلبية، ومعها تبّدل حال اللاجئة السورية فاطمة سباهية (34 عامًا)، بعد أن انضمت إلى فصول محو الأمية.

في شقة متواضعة بحي مدينة نصر، تعيش فاطمة رفقة أسرتها المكونة من 4 أطفال وزوجها، وكانت تأمل إكمال حلمها وإنهاء تعليمها في تلك الفصول للحصول على فرصة عمل لدعم عائلتها.

وصلت فاطمة إلى مصر عام 2018، وانضمت إلى البرنامج، لكن قرار ترامب حرمها إكمال تعليمها بعد أن وصلت إلى الصف الرابع الابتدائي، وتقول للميادين نت: "كنت أكتب أسماء أولادي وأقرأ لهم المجلات والقصص المصورة"، وتضيف بحماسة خافتة: "لكن توقف البرنامج، وتركني ونحو ألفين سيدة أخرى بلا دروس، أشعر أنني عمياء مرة أخرى".

وتضرر مشروع "قرية متعلمة"، الذي تديره "هيئة إنقاذ الطفولة" بهدف محو الأمية في المناطق الريفية المصرية، بعد أن أسهم في تعليم أكثر من 70 ألف سيدة في 5 محافظات مصرية.

يقول أحمد سعيد، أحد الموظفين بمنظمة "أنقذوا الأطفال" في القاهرة، إنهم أوقفوا العمل بمشروع "قرية متعلمة" ومشاريع أخرى، كما جرى إنهاء عقود بعض الموظفين العاملين في المنظمة.

تهديد تطعيمات الأطفال ولقاحات الأوبئة

في سياق تلك الأزمة، تعد الوكالة الأميركية، أحد مموّلي برنامج الحملات القومية للتطعيم، الذي تنفذها منظمة "اليونيسف" بالتعاون مع الصحة المصرية.

وتسهم الوكالة إلى جانب ممولين آخرين، في تطعيم الأطفال كافة من لاجئين أو مصريين ضد الأمراض المعدية مجانًا، مثل لقاحات: شلل الأطفال، والسل والدفتيريا، والتيتانوس، والسعال الديكي، والتهاب الكبد الوبائي، إضافة إلى لقاح الحصبة وغيره.

ضمن هؤلاء المتضررين كان الطفل خالد عمر، اللاجئ من دولة جنوب السودان، والذي وصل القاهرة عام 2020 برفقة والديه، وكان قد أصيب في سن الثانية بمرض شلل الأطفال ما قيّد حركة ساقيه.

ثماني سنوات هي سن خالد، حيث يتلقى جلسات علاج طبيعي في مركز "كاريتاس"، الذي توقف لشُحّ التمويل بقرار ترامب، تاركًا 200 طفل آخرين بلا رعاية، يقول والده عمر( 38 عامًا) إن  حالة نجله تسوء بعد توقفه عن العلاج.

بخلاف التمويل المالي، يشمل الدعم الأميركي دعمًا تقنيًا وفنيًا لمصر في مجال اللقاحات وغيرها، بحسب مسؤولة الأمراض المعدية في مكتب مصر لمنظمة الصحة العالمية، نهلة جمال الدين، وتضيف: "حال استمرار وقف التمويل سيكون عبئًا ماليًا ثقيلًا على حكومة القاهرة".

اخترنا لك