"يا جمال النيل والخرطوم".. هكذا يمضي السودانيون أمسيات رمضان
يصرّ سودانيون كثر اليوم على التمسّك بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة بشهر رمضان، مثل صلاة التراويح التي تجمع ما بين العبادة والعادة، والسهرات الرمضانية عند نهر النيل.
مع بداية رمضان من كل عام، تُنهي العاصمة السودانية الخرطوم، صيامها عن عادتها الأثيرة في النوم المبكر، لتدخل في حالة مُبهجة، قوامها 30 يوماً، تنحسر –للمفارقة- مع أول أيام عيد الفطر المبارك، لتترك الناس في حسرة على رحيل رمضان بروحانياته الكثيرة، وأجوائه الكرنفالية التي تستمر حتى ساعات الفجر الأولى.
ورغم تغني شعرائها بجمال لياليها (يا جمال النيل.. والخرطوم بالليل) تقول الشواهد إن السكون هو الصفة الوحيدة التي يمكن أن تزين جيد الخرطوم في الأمسيات.
مقاربات
ولمعرفة الأجواء التي يسكبها رمضان في جوف الخرطوم الظامئ للفرح، لا بد من تسليط الضوء على مظهر العاصمة السودانية ليلاً، مقارنةً مع سائر الأيام.
يتحرك معظم سكان الخرطوم وفقاً نظامٍ رتيب، يخرجون معه إلى أعمالهم ودور علمهم باكراً ثم يبدأ غالبيتهم في العودة إلى المنازل مع نهاية ساعة الظهيرة، وتلتحق البقية منهم بالبيوت مع مغيب الشمس.
أما المتحركين في أمسيات الخرطوم، بعد الثانية عشر صباحاً، فموزعين بين قلة تجيد صناعة الاحتفالات على طريقتها الخاصة، وآخرين باحثين عن الاستشفاء، أو من هم في طريقهم إلى مغادرة العاصمة عبر مطارها الأوحد، علاوة على بعض الحراس الجائلين.
ويغلق وسط الخرطوم، ومركزها التجاري الأهم (منطقة السوق العربي)، أبوابه مع انسحاب أشعة الشمس، بينما تكون معظم مزاليج المحال التجارية والكافتيريات والأندية الثقافية أبوابها بحلول منتصف الليل على أحسن تقدير.
الخروج على النواميس
ما أن تخرج هيئة الفتوى، لتؤكد ثبوت شهر رمضان، حتى تنهي الخرطوم صيامها وخلافها الواضح كالشمس مع السهر، لتأخذ شكلاً آخر، يجعل من لياليها شعلة من النشاط.
وينفض أهالي العاصمة النعاس في أمسيات رمضان المعتدلة نسبياً، حيث يخرجون إلى نشاطات تجارية محمومة تشمل الحج إلى الأسواق الرئيسة في مواعيد غير مطروقة، إلى جانب ارتفاع معدلات الإفطار والعشاء والسحور الأسري والجماعي في الكافتريات والمطاعم العامة، وليس نهاية بالساعات الطوال التي يقضيها الشباب لتناول الشاي والقهوة وتعاطي النرجيلة.
ولا تنتهي فضائل رمضان عند تنامي الحركة التجارية، وتمتد لتوثيق العرى الاجتماعية، مثل تبادل الزيارات بين الأقارب، وإعادة الصلات مع الجيران في إفطارات الشارع التي تسم السودانيين، كما إن ليالي رمضان فرصة لاستعادة زملاء الدراسة وملاقاة زملاء المهنة بمنأى عن أجواء العمل.
أما الكاسب الأكبر في ليالي رمضان، فهو لا محالة الثقافة، إذْ تتحول الأندية والمنتديات الثقافية إلى شعلة من النشاط، تعادل كل منتوجها السنوي.
حسابات الاقتصاد
تدفعنا المقاربة بين ليالي الخرطوم في رمضان وبقية العام للسؤال عن سر لماذا لا تستمر العاصمة السودانية على نمط السهر بقية أشهر العام.
وبكل تأكيد فإن إجابة هذا السؤال ذات شقين، أولهما اقتصادي، وآخر اجتماعي، وفي هذا السياق يرجع الخبير الاقتصادي، أحمد خليل، في حديثه للميادين نت أسباب نوم الخرطوم الباكر إلى عدة أسباب، على رأسها تحشيد وسط الخرطوم بما في ذلك شارع النيل السياحي بالوزارات والمرافق الحكومية، ما يؤدي إلى تفريغ مركز العاصمة من الحركة عند الأمسيات.
ويضيف سبباً آخر، يتعلق بمشكلات الإمداد الكهربائي في البلاد، فمنذ سنوات يعاني السودان من عجز في الكهرباء يقدر بـ60% قادت المسؤولين لفرض برمجة قطوعات للكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف الجاف والحار.
ويربط خليل مباشرة بين غياب الكهرباء، وتوقف الأنشطة التجارية ليلاً، بقوله إن معظم أصحاب المحال يفضلون الإغلاق لتجنب عمليات النهب والسطو تحت تهديد السلاح، لا سيما في ظل تنامي معدلات الجريمة بشكل ملحوظ في العاصمة.
ويضيف أن تحرك الناس الكثيف عند أمسيات رمضان، يزيد من الشعور بالطمأنينة العامة، وبالتالي ازدهار النشاط التجاري.
ويعزو الباحث الاجتماعي أحمد الفاتح، في حديثه للميادين نت، نوم الخرطوم الباكر لأسباب كثيرة منها اندراج كثير من السودانيين في سلك الوظيفة العامة بدوامها الصباحي، وحالة الترييف التي جلبها الوافدين للعاصمة بأمثولاتهم الشعبية الحاثة على النوم والصحو المبكر (ود البدري سمين).
فهل من دواعٍ اجتماعية لكسر هذه الحلقة في رمضان؟ يقول الفاتح إن الأمر عائد لاعتبار كثيرين بأن الشهر هو شهر التواصل ما يزيد من تحركاتهم المسائية، وشهر التوسعة في الرزق ما يضاعف من زياراتهم للأسواق، وشهر الرياضة والتوجه إلى الميادين العامة والخاصة، والأهم شهر الثقافة والفنون حيث تتهيأ الأندية والمنتديات منذ وقت باكر لإعداد برامج جاذبة.