"جيل "Z ومقدمات "الربيع الأفريقي": إعادة تعريف السياسة في القارة السمراء

تمثل الانتخابات في السياق الأفريقي الراهن عاملًا مضاعفًا لا لتثبيت الشرعية الأنظمة القائمة والاستمرار في الخضوع لها، بل لتحديها والسعى للاطاحة بها.

  •  قد تمثل احتجاجات
     قد تمثل احتجاجات "جيل Z " في بعض الدول الأفريقية فرصة تاريخية لإعادة البناء.

 تشهد بعض الدول في القارة الأفريقية، في الآونة الأخيرة،  موجة من الاضطرابات والحراك الشعبي المناهض لسياسات عدد من الحكومات، وهي موجة تستقطب اهتمامًا واسعًا لما تكشفه من طبيعة الأوضاع السياسية في القارة، حيث يسود الفشل في الأداء السياسي، وتتصاعد مشاعر الاحتقان والشعور بالتهميش لدى شرائح اجتماعية واسعة من جهة، فيما تبرز، من جهة أخرى، أنماط جديدة من التغيير وأدوات مبتكرة في التعبير والمقاومة السياسية.

 ففي المغرب، منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي مدغشقر منذ أواخر عام 2024 وحتى الآن، تتجلى بوضوح ملامح هذا النمط من الحراك الاحتجاجي، الذي تمثل نتائجه المحتملة ومفاعيله المتواصلة مؤشرًا على تحوّل أوسع محتمل الحدوث في القارة تقوده الأجيال الشابة الجديدة، وتحديدًا ما يُعرف بـ"جيل Z" الذي يضع محاربة الفساد ومناهضة سياسات الأنظمة القائمة في صلب أجندته.

ويستمد هذا الجيل في تجربته الاحتجاجية بعض الإلهام من حركات شبابية مماثلة شهدتها مؤخرًا دول آسيوية مثل بنغلاديش وسريلانكا ونيبال وغيرها.

إرث الاستعمار وما بعد الاستعمار

وإلى جانب ذلك، تكشف الموجة الراهنة من الحراك الشعبي في عدد من الدول الأفريقية، والتي تقودها فئات اجتماعية واسعة، عن تحوّلات عميقة في الوعي الجمعي والسياسي. إذ تتركز مطالب هذه الحركات حول تحسين الأوضاع المعيشية، وتوسيع فرص العمل، وتعزيز الحريات العامة، فضلاً عن المطالبة بالاعتراف بأصوات هذه الفئات وبدورها في صياغة السياسات والخطط الوطنية. وبذلك يمكن النظر إلى هذه الموجة بوصفها تمردًا على النخب التقليدية والطبقات السياسية الراسخة التي احتكرت القرار والثروة لعقود منذ مرحلة ما بعد الاستقلال.

ويُعزى استمرار التفاوت البنيوي وعدم المساواة في معظم الدول الأفريقية، وفقًا للبروفيسور عمران فالوديا، مدير المركز الجنوبي لدراسات عدم المساواة ("ذا كونفرسيشن أفريكا"؛ 15 أيلول/ سبتمبر2025)، إلى "الإرث المزدوج للاستعمار وما بعد الاستعمار"، إذ ساهمت السياسات التي صاغتها النخب الحاكمة في تكريس الفوارق الطبقية والاجتماعية بدلاً من معالجتها. ويشير فالوديا إلى أن "الحكومات الأفريقية غالبًا ما حافظت، بل وعززت، هياكل اقتصادية تُركز الثروة والفرص في أيدي قلة محدودة، ما أدى إلى ترسيخ أوجه عدم المساواة الهيكلية."

 كما أن "التحيز الحضري" في توزيع الإنفاق العام أسهم في تعميق هذه الفجوات، وهو يشعل حاليًا فتيل هذه الموجة، إذ استمرت الموارد في التركز في المدن بينما ظلت احتياجات سكان المناطق الريفية مهملة وغير ملبّاة، الأمر الذي فاقم مشاعر التهميش ودفع إلى تصاعد موجات الغضب الشعبي.

العامل الديموغرافي

 تُعدّ أفريقيا قارة شابة بامتياز، إذ تشكّل الفئات العمرية الشابة النسبة الأكبر من سكانها. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن نحو 70% من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا، ما يجعلها القارة الأكثر شبابًا في العالم من حيث التركيبة السكانية.

 غير أن هذا المورد البشري الهائل لم يتحوّل بعد إلى قوة إنتاج وتنمية، نتيجة فشل الأنظمة والحكومات في استثمار طاقات الشباب وتوظيف موارد الدول لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى ذلك إلى تفشي مشاعر الإحباط والسخط بين الشباب، ومن ثمّ تحوّل هذه الفئة إلى خزان بشري يغذي الصراعات والحروب في بعض البلدان، بل ويُستغل أحيانًا كوقود لها، بدل أن تكون رافعة للتنمية والتغيير الإيجابي.

 سمات "جيل Z" 

 يُعدّ الجيل الذي يُعرف بـ"جيل Z " نتاجًا لبيئة رقمية بامتياز، إذ تشكّلت ذاكرته الجمعية وخبرته السياسية ورؤيته للعالم من خلال الفضاء الرقمي لا عبر سرديات التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار، كما هي الحال لدى الأجيال السابقة، ولا عبر النضال من أجل الديمقراطية والحكم الرشيد ومناهضة الاستبداد كما في جيل ما بعد الاستقلال.

فوعي "جيلZ" السياسي يتأسس على واقع جديد تصوغه التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الرقمية التي تتيح له فرصًا غير مسبوقة للتعبئة والتنظيم والمقاومة ضد الأنظمة القمعية والنخب الفاسدة.

 يتسم هذا الجيل بخصائص مميزة؛ من أبرزها العفوية، واللامركزية، واللاحزبية، والانفتاح على ثقافة رقمية عابرة للحدود. كما يتبنى هذا الجيل مقاربة جديدة في تعريف السياسة وأولوياتها، إذ يثور على أنماط التفكير وأساليب إدارة الحكم التي تتبناها النخب السياسية التقليدية، ويرفض هيمنة مؤسسات التمويل الدولية والدول المانحة، التي طالما فرضت سياسات تتعارض مع مصالح الشعوب المحلية. وبذلك، يسعى "جيلZ" إلى سياسات عملية تركّز على الأولويات الملموسة، وبخاصة ما يتعلق بمصالح الشباب وفرصهم في الحياة والعمل والمشاركة.

 ومن السمات اللافتة في الحراك الذي يقوده هذا الجيل أنه حراك حضري بالأساس، يتمركز في المدن الكبرى والحواضر التي تحتضن الثروة ومراكز السلطة، وتشكل فضاءً خاصًا بالنخب وصانعي القرار. في المقابل، تبقى الأطراف والمناطق الريفية خارج دائرة الاهتمام والسياسات العامة. وكما يشير البروفيسور عمران فالوديا (مدير المركز الجنوبي لدراسات عدم المساواة)، مرة أخرى، فإن "السياسات العامة المبكرة نادرًا ما لبّت احتياجات النساء والشباب وسكان المناطق الريفية والمهمشة"، ما أسهم في تعميق الفوارق الاجتماعية وخلق شعور بالاغتراب السياسي لدى هذه الفئات.

 "حزام الانقلابات"

 كانت القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة محور اهتمام دولي متزايد، بعدما شهدت بعض مناطقها تحوّلات سياسية عميقة وهزّات متتالية، أسفرت عن تغييرات جذرية في بنية الحكم. ففي عدد من البلدان، ولا سيما في منطقة الساحل الأفريقي الكبير، قاد ضباط شبّان تحركات أطاحت أنظمة قائمة منذ عقود، وحظيت هذه التحركات – على نحو لافت – بدعم شعبي واسع عدّها كثيرون تعبيرًا عن الغضب من فشل النخب التقليدية في تحقيق تطلعات الشعوب.

من منظور القوى الخارجية، وخصوصًا الدول الغربية، مثّلت هذه الموجة من الانقلابات مؤشرًا على تراجع النفوذ الغربي، وانقشاع الآمال في الديمقراطية في القارة، وصعود نمط جديد من التحالفات تميل نحو روسيا والصين وما يُوصف بـ"الأتوقراطية الشرقية". أما في الداخل، فقد نظر إليها كثير من المواطنين على أنها استعادة للكرامة الوطنية، وفرصة لتأسيس أنظمة تعبّر عن الإرادة الشعبية، وتتبنّى خطابًا مناهضًا للتبعية والتهميش وتحقيق الطموحات في التنمية والاستقرار.

 وقد شملت هذه الموجة بلدان مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث أُطلق على المنطقة التي أصبحت تضم هذه الدول "حزام الانقلابات". وأثار اتساعها مخاوف من انتقال "عدواها السياسية" إلى دول أخرى في القارة، خاصة في ظل تنامي التأييد الشعبي لمثل هذا النمط من التغيير، والذي يُنظر إليه كبديل لا مناص منه عن النظم الفاسدة والعاجزة عن تحقيق العدالة والتنمية.

وبالمثل، قد يُنظر إلى الحراك الذي يقوده "جيلZ " في أجزاء مختلفة من القارة من زاويتين متباينتين: فمن الخارج يُفسَّر هذا الحراك بوصفه تحديًا جديدًا لأنماط الحكم القائمة وتبعيتها وخضوعها للخارج ومصالحه، بينما تراه الأجيال الشابة في الداخل تعبيرًا عن توقٍ عميق للتحرر والانعتاق من قبضة الأنظمة الفاسدة والنخب المستأثرة بالسلطة والثروة.

 موجة التكالب الدولي

 تتزامن هذه الموجة الجديدة من الحراك الشعبي والسياسي في القارة الأفريقية مع عودة مشهد التنافس الدولي على النفوذ في أفريقيا، في ما يشبه مرحلة "تكالب جديد" أو "حرب باردة جديدة" بين القوى العالمية. إذ تسعى أطراف متعددة إلى توسيع نطاق حضورها السياسي والاقتصادي والإعلامي في القارة، في وقت تتزايد المشاعر المناهضة للغرب وللأنظمة التي يُنظر إليها بوصفها امتدادًا لنفوذه أو حليفة له. وفي المقابل، تعمل قوى أخرى، مثل روسيا وبعض حلفائها، على تعزيز نفوذها عبر دعم الخطابات والتيارات المناهضة للامبريالية والاستعمار الجديد.

بناءً على ذلك، وفي حال اتساع نطاق حراك "جيل Z" وامتداده إلى مزيد من الدول، فمن المرجّح أن يشهد المشهد الأفريقي صراعًا وتنافسًا متصاعدًا بين القوى الخارجية، التي ستسعى كل منها للتأثير في مسارات هذا الحراك وفي الفئات التي تقوده. وما يُضاعف من تعقيد المشهد، أن هذا الجيل يتميّز بطبيعة لامركزية وغياب القيادة الهرمية، ما يجعل محاولات احتوائه أو توجيهه أكثر صعوبة، ويُضفي على الحراك طابعًا مفتوحًا وغير قابل للتنبؤ في نتائجه ومساراته.

 أعواد الثقاب

 من المؤكد أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في معظم الدول الأفريقية تتشابه إلى حدٍّ كبير، ما يجعل الأحداث التي تشهدها بعض البلدان مصدر إلهام محتملاً لشباب دول أخرى، بخاصة لـ "جيل Z" إذا توفرت الظروف والمحفزات ذاتها التي تولّد الشعور بالاحتقان والرغبة في التغيير.

 وخلال هذا العام، تستعد دول أفريقية عدة لخوض استحقاقات انتخابية قد تمثل شرارة جديدة لحراك شبابي مشابه. إذ يمكن لهذه الانتخابات أن تتحوّل إلى "أعواد ثقاب" تشعل جذوة الغضب الكامن في نفوس فئات واسعة من الشباب، الذين فقدوا ثقتهم في الأنظمة القائمة كافة وفي العملية الانتخابية ذاتها.

 ففي نظر كثير من الشباب والأجيال الصاعدة، لم تعد الانتخابات تمثل آلية ديمقراطية للتعبير عن الإرادة الشعبية أو تحقيق المطالب المشروعة، بل تحوّلت – في ظل التلاعب بالنتائج والتزوير المتكرر – إلى رمز للاستفزاز السياسي وتكريسٍ لحكم النخب الفاسدة. كما أن تعديل الدساتير لتمديد فترات البقاء في الحكم فترات أطول غير دستورية بات يُنظر إليه كدليل إضافي على انغلاق الأنظمة واستعصائها على الإصلاح، ما يعزز الشعور باليأس ويفتح الباب أمام أنماط احتجاج جديدة، قد تقودها الأجيال الشابة الباحثة عن بدائل جذرية.

 الانتخابات كعوامل مضاعفة

وتتزامن موجة الحراك الشبابي الصاعدة في القارة الأفريقية مع تراجع متزايد في ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة خلال العقد الأخير. ووفقًا لنتائج المسح الذي أجرته مؤسسة "أفروباروميتر" ("ذا كونفرسيشن أفريكا"؛ 28 نيسان/ أبريل 2025)، في 39 دولة أفريقية، وشمل استطلاع آراء المواطنين حول مستوى الثقة في 11 مؤسسة وقائدًا سياسيًا، كشفت النتائج عن تشكيك واسع في مصداقية وشرعية مؤسسات الدولة، بما في ذلك الرئاسة والبرلمان وقوات الأمن والشرطة. كما أظهرت الدراسة أن شرائح واسعة من المواطنين ما زالت تمنح ثقتها للزعامات التقليدية والدينية أكثر من المؤسسات الرسمية، وهو ما يثير تساؤلات حول فعالية الحكومات وقدرتها على تمثيل إرادة شعوبها.

 وفي هذا السياق، تمثل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في القارة أحد أهم العوامل التي قد تُضاعف من حدة التوتر السياسي والاجتماعي. فمع تراكم الغضب الشعبي وتراجع الثقة بالأنظمة، قد تصبح الانتخابات "عود الثقاب" الجديد لإشعال حراك أوسع، يقوده "جيلZ" الذي يرى في الأنظمة القائمة تجسيدًا للفشل والفساد والإقصاء.

 ففي المغرب ومدغشقر، وقبلهما كينيا وتوغو، مثّلت الانتخابات خلفية مباشرة لانطلاق الاحتجاجات الشبابية. ويُتوقّع أن تشهد دول أخرى ظروفًا مشابهة في المرحلة المقبلة:

تُعدّ  إثيوبيا من أبرز الدول المرشحة لاحتجاجات شبابية متزامنة مع الانتخابات العامة السابعة المقررة في عام 2026، إذ يشكل الشباب نحو 60% من سكانها البالغ عددهم 135 مليون نسمة. هنالك تململ كبير من تداعيات تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي تمت خلال العامين الماضيين.

شهدت كينيا في تموز/ يوليو 2024 واحدة من أقوى موجات الحراك الشبابي بقيادة "جيلZ " احتجاجًا على السياسات الاقتصادية وارتفاع الضرائب، ما أجبر الرئيس ويليام روتو على سحب قانون الضرائب الجديد الذي وُصف بأنه استغلالي.

أما أوغندا التي تُعد من أصغر الدول عمرًا في العالم بمتوسط أعمار لا يتجاوز 15.9 عامًا، ويشكل الشباب دون الثلاثين نحو 77% من السكان (47 مليون نسمة). ومع اقتراب انتخابات 2026، يبرز التنافس بين المغني والسياسي الشاب، والصاعد، بوبي واين، والنظام القائم بزعامة الرئيس يوري موسفيني، في معركة تجسد الصدام بين جيلين.

النقطة السوداء في هذا المشهد القاتم هي الكاميرون، إذ يستعد الرئيس بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، للترشح لولاية رئاسية ثامنة في انتخابات 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وسط تصاعد الغضب الشعبي والانفصال في الأقاليم الناطقة بالإنكليزية، واستياء واسع من استمرار الانسداد السياسي في البلاد.

تمثل أنغولا نموذجًا آخر لـ"النزعة المركزية والكليبتوقراطية"، حيث شهدت البلاد في تموز/ يوليو الماضي احتجاجات محدودة على ارتفاع الأسعار، لكنها عكست تراكم الغضب الشعبي تجاه فشل الحزب الحاكم (الحركة الشعبية لتحرير أنغولا MPLA–) في تحقيق الوعود الإصلاحية للرئيس جواو لورينسو، وسط توقعات بانتخابات عامة في 2027.

في الإطار ذاته، من المقرر أن تشهد جمهورية أفريقيا الوسطى انتخابات عامة في 2025 و2026، في ظل هشاشة أمنية متفاقمة منذ عام 2013، وعدم قدرة الحكومة في بانغي على بسط سيطرتها على كامل البلاد.

بينما تتجه الأنظار نحو الانتخابات العامة المقررة في  تنزانيا في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وسط انقسام متزايد بين المعارضة والرئيسة سامية صولوحو التي تواجه انتقادات بشأن أدائها السياسي والإصلاحي. كما ستُجرى في  الشهر ذاته انتخابات عامة في ساحل العاج.

ومن المنتظر أن تشهد غينيا بيساو وغينيا انتخابات رئاسية وبرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر على التوالي، في ظل أجواء توتر سياسي وتنافس بين القوى التقليدية والجديدة.

 أما في عام 2026، فتُتوقع استحقاقات انتخابية مهمة في: أوغندا، إثيوبيا، جيبوتي، الجزائر، جنوب السودان، بنين، زامبيا، والرأس الأخضر، وهي بلدان يُحتمل أن تتحوّل انتخاباتها إلى منصات جديدة لحراك "جيلZ " إذا استمرت أنماط الإقصاء والفساد الحالية.

 في المحصلة، تمثل الانتخابات في السياق الأفريقي الراهن عاملًا مضاعفًا لا لتثبيت الشرعية الأنظمة القائمة والاستمرار في الخضوع لها، بل لتحديها والسعى للإطاحة بها، إذ تتقاطع فيها أزمة الثقة، وتطلعات الشباب، ومحدودية الإصلاح السياسي، ما يجعلها أحد أبرز مفاتيح التحوّل أو الانفجار القادم في القارة.

 إعادة تعريف السياسة

تمثل ثورة "جيل Z" محاولة لإعادة تعريف السياسة وصنع السياسات العامة في الدول الأفريقية، بحيث تصبح متمحورة حول مصالح غالبية فئات الشعب بدلاً من التركيز على النخب الضيقة والفاسدة والعاجزة. فبعد عقود من الاستقلال والحكم الوطني، ما زالت العديد من دول القارة متخلفة مقارنة بنظيراتها في قارات أخرى، ويستمر الفساد وسوء الإدارة وهدر الموارد، بينما تتراجع قيم الديمقراطية والحكم الرشيد والعدالة والتنمية والازدهار.

وبالتالي، يمكن النظر إلى حراك "جيلZ" بوصفه ثورة مزدوجة أو مركبة: ثورة ضد فساد النخب والنظم الحاكمة، وضد التبعية الخارجية، وضد السياسة النخبوية والأحزاب التقليدية. ويتيح الوعي الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي تجاوز الأطر التقليدية للأحزاب والعمل السياسي، ليصبح الشباب قادرًا على التعبئة الجماهيرية والتأثير المباشر في صنع السياسات.

مع تشديد سياسات وقوانين الهجرة في دول شمال الكرة الأرضية، وإغلاق الأبواب التي كانت تتيح للشباب المغامرة والبحث عن فرص أفضل في دول شمال الكرة الأرضية، يتجه غضب الشباب إلى الحكومات المحلية التي تعجز عن توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

في هذا السياق، تعيد موجة حراك "جيل Z "تعريف السياسة في أفريقيا، حيث يرى الشباب أنهم ليسوا معطّلين أو متفرجين، بل فاعلين قادرين على صناعة التغيير وإعادة رسم مستقبل بلدانهم والتحكم في مصائرهم.

 فرصة أخرى أم خيبة جديدة؟

 قد تمثل احتجاجات "جيل Z " في بعض الدول الأفريقية فرصة تاريخية لإعادة البناء، ووضع أسسٍ جديدة لنظام سياسي أكثر عدالة وتمثيلًا، يستجيب لتطلعات الأجيال الشابة ويستوعب طاقاتها في مشروع وطني جامع.

لكن، في المقابل، قد تتحوّل هذه الفرصة إلى خيبة جديدة، خصوصًا في ظل غياب القيادة المنظمة أو الكيان المركزي الذي يمتلك رؤية وبرامج واضحة للتغيير الجذري لقيادة الدول وليس الشارع، وهو ما قد يجعل الحراك عرضة للتفكك أو الاختراق أو التوظيف من قِبل قوى داخلية وخارجية.

وهنا، يبرز السؤال الجوهري: هل سينجح هذا الحراك في تجاوز مصير "الربيع العربي" الذي انتهى إلى إعادة إنتاج النظم القديمة بأشكال جديدة؟ أم سيكتب لـ "جيل Z" أن يفتتح فصلًا مختلفًا في تاريخ التغيير السياسي في القارة؟