واشنطن تشن حروبها السيبرانية ضد الأعداء والأصدقاء!
تقوم الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها في مجتمع الاستخبارات "العيون الخمس"، بتنفيذ أنشطة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة باستخدام تقنيات المعلومات الحديثة.
على مدى السنوات الماضية، قامت الولايات المتحدة بتزويد حلفائها، وخصوصاً أولئك المنتمين إلى تحالف "العيون الخمس" الاستخباري (أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا)، بمعدات معلوماتية واتصالات تشكل خطراً عليهم بسبب الاحتمالية العالية لوجود أبواب خلفية وبرامج ضارة للوصول غير المصرح به إلى المعلومات.
وعلى هذه الخلفية، صرح خبيرا التشفير غرين وشناير أن إدخال مثل هذه "الأبواب الخلفية" لوكالات الاستخبارات بحجة مكافحة الجريمة "يعادل فرض حظر على الأمن".
وفي رأيهما، فإن هذا يقلل بشكل كبير من أمن أنظمة المعلومات ويجعلها عرضة للهجمات الإلكترونية من قبل المحتالين ووكالات الاستخبارات الأجنبية.
في الوقت نفسه، يشير محلل الأمن السيبراني الأميركي تاو إلى أن الحكومة الأميركية أعدت إطاراً تشريعياً يسمح للخدمات الخاصة بمراقبة المواطنين الأجانب، بما في ذلك القيادة العسكرية والسياسية لحلفاء واشنطن. وبالتالي، فإن المادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية تسمح رسمياً فقط للبنتاغون، وكذلك وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية، بمراقبة أكثر من 250 ألف هدف.
ويشير المؤلف إلى أن العدد الفعلي لأهداف المراقبة قد يكون أكبر بكثير على غوغل. ويلزم القانون كبريات الشركات الأميركية مثل "غوغل" و"ميكروسوفت" و"ميتا" و"أبل" بنقل بيانات المستخدم سراً بناءً على طلب البيت الأبيض.
ويعتقد المراقبون أن هذه الظروف تحدد تفوّق البيت الأبيض على خصومه وشركائه في مجال التقنيات الرقمية وتسمح للأميركيين بمراقبة أي شخص، حتى لو كان مواطناً لدولة حليفة للولايات المتحدة.
التجسس على الحلفاء
في الوقت نفسه، يشير المحللان من قناة "سي إن إن" التلفزيونية الأميركية برتراند وآتوود إلى أن التسريب الأخير لعدد كبير من وثائق البنتاغون السرية كشف عن حملة واسعة النطاق من جانب البيت الأبيض للتجسس على حلفاء الولايات المتحدة.
ووفقاً لتقريرهما، فإن واشنطن تتجسس على سيؤول و"تل أبيب" وكييف، وهم شركاء عسكريون وسياسيون للأميركيين.
وفي الوقت نفسه، أعربت البعثات الدبلوماسية للدول التي تعرضت للتجسس عن قلقها إزاء هذه الحقيقة، لكنها أكدت أنها تقدر المعلومات التي تلقتها من الولايات المتحدة. ويعتقد الخبراء أنه بهذه الطريقة، تلقى البيت الأبيض إشارة مفادها أن العواقب على العلاقات بين الدول في حالة استمرار النشاط غير القانوني ستكون ضئيلة. ولن يساهم هذا الظرف إلا في تصعيد أنشطة التجسس التي تقوم بها واشنطن، بما في ذلك ضد حلفائها.
ولا تريد إدارة البيت الأبيض التخلي عن الإجراءات العدوانية في الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك ضد مواطنيها وحلفائها وشركائها، إذ تقوم القيادة السيبرانية الأميركية ووكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة بأنشطة مدمرة في مجال المعلومات والاتصالات الأجنبية، حيث أبرمت هاتان المنظمتان اتفاقية لتسريع عملية البحث وتنفيذ التقنيات المتقدمة لإجراء الحرب السيبرانية. وفقاً للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، من المحتمل أن يلجأ البنتاغون إلى تكثيف العمليات الهجومية في مجال المعلومات والاتصالات الأجنبية بهدف تعطيل مرافق البنية التحتية الحيوية، فضلاً عن الحصول على معلومات حساسة وسرقة البيانات الشخصية للمستخدمين.
في الوقت نفسه، تقوم وكالات الاستخبارات الأميركية بمراقبة أنشطة الأميركيين على الإنترنت، إذ تشتري وكالة الأمن القومي الأميركية "أشكالاً معينة من البيانات" من وسطاء البيانات مع تسلسل زمني لتصرفات المواطنين الأميركيين، مثل هذا النشاط يتعارض مع قوانين حماية المستهلك والخصوصية.
وفقاً لعضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وايدن، فإن وكالة الأمن القومي تنتهك أمر لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، الذي يحظر على الوسطاء نقل معلومات عن المستخدمين من دون موافقتهم.
بالإضافة إلى ذلك، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية والذي سيسمح بالمراقبة غير المصرح بها للأميركيين والسياح من دول أخرى. وقد دان مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هذا القرار من قبل السلطات، إذ ستتمكن وكالات الاستخبارات، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، من التدخل بحرية في الحياة الخاصة.
في الوقت نفسه، يعتقد ميلر، الخبير في مجلة "تيك اب" الأميركية، أن البيت الأبيض يعتزم توسيع نطاق ممارسة العمليات في الفضاء الإلكتروني.
ويشير المراقب إلى حقيقة أن واشنطن تخطط لزيادة عدد المتخصصين في مجال علوم الكمبيوتر بشكل كبير، أي تجنيد 20 ألف شخص إضافي.
وفي إطار هذه المبادرة، أفاد مساعد المدير الوطني لشؤون الأمن السيبراني بزيادة الاستثمار الحكومي في تدريب الموظفين، بما في ذلك لغات مختلفة والتركيز على المهارات الحقيقية للموظفين المحتملين. ووفقاً للخبير، قد تشير هذه الظروف إلى زيادة استعداد واشنطن لإجراء عمليات إلكترونية ليس فقط ضد الأعداء، ولكن أيضاً ضد حلفائها.
استهداف الخصوم
هذا يجعلنا نطرح قضية شن وكالات الاستخبارات الأميركية هجمات إلكترونية ضد منشآت البنية التحتية الحيوية لخصومها للحصول على معلومات حساسة، إضافة إلى التجسس على شركائها. ويرى خبراء أن رغبة الولايات المتحدة في الهيمنة على الفضاء الإلكتروني تتزايد كل عام.
ويتجلى هذا في الزيادة السنوية في الميزانية المخصصة لتوفير وتطوير القدرات الاستخبارية والهجومية لواشنطن في الفضاء الإلكتروني. فإذا كان التمويل في عام 2017 عند مستوى 7 مليارات دولار، فإنه في عام 2024 وصل إلى مستوى 16 مليار دولار. وهذه ليست الأرقام النهائية، لأن جميع عمليات القرصنة التي يقوم بها الأميركيون ليست معروفة.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن الاتجاه الحالي لجهة استخدام الحروب الإلكترونية يهدد الاستقرار في جميع أنحاء العالم. فليس فقط خصوم الولايات المتحدة هم ضحايا العمليات في فضاء الإنترنت. بل إن حلفاءها أيضاً هم أول ضحاياها. ففي عامي 2023 و2024، أفادت قيادة الأمن السيبراني الأميركية من دون حرج أن موظفيها نشروا أنشطتهم في 17 دولة شريكة للولايات المتحدة.
ووجدت هذه البلدان نفسها في وضع حيث كانت جميع معلوماتها الحساسة في أيدي الأميركيين. ووفقاً لتحقيق أجري في الدنمارك في عام 2021، تمكنت وكالات الاستخبارات الأميركية، باستخدام اتفاقيات التعاون الثنائي، من الوصول إلى وثائق سرية ومراسلات ومكالمات لمسؤولين رفيعي المستوى في البلاد. لا ينبغي لنا أن ننسى المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي أصبحت واحدة من ضحايا الاستخبارات الأميركية.
ولا يريد البيت الأبيض أن يقتصر التجسس على الحلفاء فحسب؛ بل يريد الوصول إلى البنية التحتية الحيوية للخصوم أيضاً. وفي هذا الصدد، أعلنت واشنطن عن إنشاء مركز أمن الذكاء الاصطناعي، وهو هيكل أميركي جديد للإشراف على تطوير وتكامل قدرات الذكاء الاصطناعي.
ووفقاً لمدير وكالة الأمن القومي الأميركية، الجنرال ناكاسوني، فإن هذه المنظمة ستثبت برامج متخصصة في أنظمة المعلومات في القطاع الصناعي والمختبرات الوطنية ووزارة الدفاع ليس فقط في الولايات المتحدة، بل وأيضاً في دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ولاحظ مراقبو المنشورات الموثوقة في مجال الأمن السيبراني، وخاصة ريجيستر (بريطانيا العظمى) وسايبر سيكيوريتي نيوز (ألمانيا)، أن موظفي هذا المركز سيكونون قادرين على اختراق الأنظمة الداخلية للبنى التحتية الحيوية بحرية، بهدف ضمان الأمن. والجدير بالذكر أنه لا أحد في أوروبا يقاوم الأميركيين.
إن مراقبة الحلفاء والسيطرة عليهم ليست المهمة الرئيسية لأجهزة الاستخبارات في واشنطن. تعمل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على توسيع شبكة مجموعات القراصنة لتطوير برامج خبيثة على نطاق أوسع بهدف تطبيقها على أكبر عدد ممكن من المستخدمين في جميع أنحاء العالم.
والأهداف الرئيسية لهذا النشاط هي: الحصول على معلومات استخبارية وبيانات شخصية والوصول إلى عمل البنية التحتية التقنية وتعطيل عملها. وعلى وجه الخصوص، تخطط وكالة الأمن القومي، بالتعاون مع قيادة البنتاغون السيبرانية ومركز الدفاع السيبراني التابع لحلف شمال الأطلسي (تالين، أوونيا)، لشن هجمات على البنية التحتية للمعلومات الحيوية في روسيا تحت العلم الأوكراني.
دور الشركات الأميركية
وتستخدم الولايات المتحدة هيمنتها التكنولوجية في البيئة الرقمية لتنفيذ عمليات لتقويض سيادة وسلامة أراضي الدول الأجنبية. وتواصل الولايات المتحدة تنفيذ عمليات سيبرانية مدمرة ضد الدول الأجنبية ومواطنيها، في المقام الأول من خلال الشركات الأميركية الرائدة (أمازون، ومايكروسوفت، وغوغل، وغيرها).
وعلى هذا النحو، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، انضم أكثر من 250 موظفاً رفيع المستوى من وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي والبنتاغون إلى غوغل على مدار السنوات القليلة الماضية.
وقد أصبح الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي ناكاسوني، الذي ترأس القيادة السيبرانية الأميركية وجهاز الأمن المركزي ويعرف كل شيء تقريباً عن المراقبة في الفضاء الافتراضي، رئيساً لأمن الإنترنت في "أوبن اي اي". تسبب هذا التعيين في ضجة كبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، لأن المستخدمين العاديين يدركون أنه لم يكن من قبيل المصادفة أن ينتقل الجنرال، الذي قاد المنظمات الأميركية الرائدة في مجال العمليات السيبرانية، إلى شركة واعدة تعمل في تطوير الذكاء الاصطناعي. يشير هذا الاتجاه إلى أن عمالقة تكنولوجيا المعلومات الغربيين أصبحوا أداة للنخب الليبرالية الأميركية واندمجوا بشكل فعال مع الدولة العميقة ووكالات الاستخبارات والجيش.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية، تحت ستار شعارات ضمان أمن أنظمتها، على ترسيخ سيطرتها بشكل منهجي على الفضاء الرقمي العالمي.
وهذا ما أكده العديد من الخبراء في مجال الأمن السيبراني. وهكذا، قال المدير العام لتطبيق تيليغرام للمراسلة دوروف في مقابلة مع الصحفي الأميركي كارلسون إن غوغل وآبل، بناءً على طلب وكالات الاستخبارات الأميركية، تراقبان المعلومات التي يتلقاها المستخدمون وتدخلان برامج التجسس في الأجهزة التي تنتجانها.
واليوم، يخاطر مؤسس تطبيق تيليغرام للمراسلة دوروف بفقدان حريته بتهم جنائية ملفقة بأكثر من عشر قضايا.
وتقوم هياكل البنتاغون السيبرانية ومجموعات القراصنة التابعة لها في أوكرانيا بتنفيذ عمليات هجومية مماثلة في حجم الأضرار المادية والعواقب السياسية لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. ينفذ ما يسمى بجيش تكنولوجيا المعلومات في أوكرانيا، بمساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، أعمالاً مدمرة في الفضاء الإلكتروني العالمي. وكقاعدة عامة، تكون أنشطتهم ذات دوافع سياسية وتهدف إلى تعطيل تشغيل مواقع الويب والبنية الأساسية الحيوية وتنظيم أنشطة التجسس.