من تونس إلى رفح: قافلة الصمود تتحدى الحصار
من تونس، تنطلق قافلة شعبية لكسر الحصار على غزة، بمشاركة آلاف المتطوعين من دول المغرب العربي.. أي رسائل تحملها؟
-
سفينة تضم متطوعين عرباً تحمل مساعدات إلى قطاع غزة (وكالات)
في زمن يزداد فيه الصمت الرسمي العربي قتامة، وتتعاظم فيه مجازر الاحتلال في قطاع غزة، تختار الشعوب وحدها أن تقول "لا".
من تونس، وفي لحظة تاريخية فارقة، تستعد قافلة الصمود لكسر الحصار على غزة للانطلاق يوم الاثنين المقبل نحو معبر رفح برّاً، مروراً بليبيا ومصر، في محاولة إنسانية وشعبية شجاعة لكسر الحصار المفروض على غزة، والضغط من أجل فتح المعبر وإدخال المساعدات إلى من تبقّى من أهل القطاع الذين صاروا بلا مأوى ولا دواء ولا قطعة خبز.
ما وراء القافلة: أكثر من تضامن.. مقاومة إنسانية
تنظم القافلة "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين"، بمشاركة ناشطين من تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا وموريتانيا، وتتقدّمها شخصيات حقوقية ومدنية بارزة، في مبادرة غير مسبوقة تعيد إحياء روح النضال المغاربي المشترك، لا من أجل تحرير الأرض فقط، بل من أجل استرداد المعنى الإنساني والأخلاقي في زمن التحالفات القاتلة.
وفي تصريح لـ"الميادين نت"، قالت جواهر شنة، وهي من بين الناطقين الرسميين باسم القافلة:"هذه المبادرة رسالة حيّة من الشعوب المغاربية إلى العالم، بأن الصمت خيانة، وبأن ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة جماعية لا يمكن السكوت عنها. القافلة تحمل موقفاً شعبياً رافضاً للتواطؤ وللتطبيع، وتهدف إلى كسر الحصار عن غزة".
من تونس إلى رفح.. طريق للوجدان المغاربي
انطلقت الاستعدادات من تونس العاصمة، حيث سجل آلاف المواطنين من مختلف دول المغرب العربي مشاركتهم في هذه القافلة، في مشهد يعيد للأذهان صفحات مضيئة من التاريخ النضالي المشترك، عندما كانت فلسطين بوصلة لا تقبل المساومة.
وفي هذا السياق، يقول الناشط التونسي محمد عمامو، أحد المشاركين في القافلة :"لسنا هنا فقط لدعم غزة، بل لنؤكد أن الشعوب المغاربية لم ولن تنكسر. فلسطين توحّدنا، وهذا المسير نحو رفح هو أقل ما يمكن أن نقوم به في مواجهة آلة القتل"
من جانبه أكد وائل نوار، عضو تنسيقية العمل من أجل فلسطين، في حديث للميادين نت أن "هذه القافلة ليست رمزية فقط، بل هي خطوة فعلية في اتجاه كسر الحصار وفضح التواطؤ الدولي والعربي، ومحاولة لفتح ممر إنساني نحو غزة، وكسر جدار الصمت الذي يخنق الفلسطينيين أكثر مما يخنقهم الحصار العسكري".
غزة التي تنزف.. ورفح التي تُمزَّق
في قطاع غزة، لا شيء يشبه الحياة، حيث بات القطاع هدفاً مركزياً للآلة الحربية الإسرائيلية. المستشفيات دُمّرت، المدارس استُهدفت، والملاجئ تحوّلت إلى مقابر جماعية. أكثر من 16 ألف طفل قُتلوا منذ بداية الحرب، بحسب منظمات دولية، فيما لم تنجُ عائلة واحدة من فقدٍ أو دمار أو مأساة.
تأتي قافلة الصمود في هذا السياق الدموي، لتكسر رواية "العجز"، وتقول إن ما عجزت عنه الأنظمة يمكن للشعوب أن تحاول فيه، ولو بالصوت، ولو بالوصول إلى حدود معبر رفح. وكأن هذه القافلة ترفع راية من سقطوا، وتذكّر العالم بأن هناك من ما زال يقاوم، لا بالسلاح فقط، بل بالإنسانية.
دعم رسمي وتضامن شعبي واسع
تحظى القافلة بدعم واضح من الدولة التونسية، حيث أكدت التنسيقية أن السلطات لم تعترض سبيلها، بل وفّرت التسهيلات الممكنة لانطلاقها. كما منحت وزارة الصحة عدداً من الأطباء العاملين في المستشفيات العمومية عطلة استثنائية للمشاركة في القافلة، في خطوة لافتة تعبّر عن انسجام الموقف الرسمي مع المزاج الشعبي التونسي المتمسّك بفلسطين رغم المتغيرات.
وبحسب تقديرات المنظمين، يشارك في القافلة أكثر من 5000 شخص من مختلف أنحاء المغرب العربي، من بينهم ناشطون وحقوقيون وأطباء ومتطوعون، في مبادرة هي الأولى من نوعها التي تنطلق برّاً من دول المغرب العربي باتجاه غزة.
السفير الإيراني في تونس لـ"الميادين نت": "نفتخر بقافلة الصمود.. وهي خطوة سياسية مهمة في وجه الصمت الدولي"
أشاد السفير الإيراني في تونس مير مسعود حسينيان، في تصريح خاص لـ"الميادين نت"، بمبادرة قافلة الصمود، واصفاً إياها بأنها "خطوة سياسية مهمة تأتي في سياق الضغط على الكيان الإسرائيلي في ظلّ الصمت العالمي الرهيب تجاه ما يحدث في غزة".
وأضاف:"نفتخر بهذه المبادرة التي تنطلق من تونس ومن مختلف دول المغرب العربي، وهي تعبير حيّ عن ضمير الشعوب، و مشاركة 5000 مواطن في هذه القافلة هي تأكيد بأن القضية الفلسطينية ما زالت حية في وجدان الأمة".
وأكد أن هذه المبادرة تمثّل شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية والضغط السياسي، داعياً إلى "مزيد من المبادرات الميدانية التي تفضح التواطؤ الدولي وتعيد الاعتبار إلى البعد الإنساني في مواجهة الإبادة".
في مواجهة التطبيع: منابر الشعوب
لا تُخفي القافلة طابعها المقاوم في بعدها السياسي، فهي تأتي في وجه مسار تطبيعي عربي جارٍ على قدم وساق. ويقول منظّموها إن هذا التحرّك لا يكتفي بالدعوة لفتح المعبر، بل "يرفع راية الكرامة، ويقف ضد من يريدون طمس الذاكرة، ومحو فلسطين من الخريطة والوجدان"، مشددين على أن رمزية المسار المغاربي للقافلة هي ردّ واضح على محاولات عزل الشعوب، وتحويلها إلى مجرد مشاهدين في مذبحة تُبثّ على الهواء. هي صرخة جماعية تقول: "فلسطين ليست وحيدة، ونحن معكم حتى النهاية".
حين تسكت البنادق، تتكلم القوافل
قافلة الصمود ليست الحل الكامل، لكنها جزء من المعركة، وبداية لاستعادة المعنى في زمن تُقصف فيه المدن وتُباد العائلات ويُستباح فيه كل شيء. يكفي أن تقول "لا" لتكون مقاوماً.
في التاسع من حزيران/يونيو، حين تتحرّك القافلة من تونس إلى رفح، لن تكون فقط شحنة مساعدات إنسانية، بل شهادة على أن الكرامة لم تُدفن بعد.
قد تُمنع القافلة عند أحد المعابر، وقد تُحاصر كما يُحاصر القطاع، لكنها ستُسجَّل كأول تحرك مغاربي جماعي يتجه صوب غزة من أجل المقاومة الإنسانية، لا فقط التعاطف.
وفي زمن تتراخى فيه الدول، وتخرس فيه المؤسسات، يكفي أن تمضي القوافل لتقول: "ما زلنا هنا... وفلسطين لم ولن تُنسى".