ما قبل يوم الأربعين وما بعده.. الفشل الإسرائيلي مستمر في الشمال

تشكيك في "إسرائيل" بصدقية الرواية الإسرائيلية حول جدوى ما أسموه "الضربة الوقائية" لحزب الله: لا تُغير في الوضع الخطير في الشمال، ولا تُخفي الفشل الاستراتيجي الخطير في إدارة المعركة.

  • زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قاعدة رامات ديفيد الجوية، 21 آب/أغسطس 2024 (أوروبا برس)
    زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قاعدة رامات ديفيد الجوية، 21 آب/أغسطس 2024 (أوروبا برس)

التباهي الذي صدر على ألسنة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يوآف غالانت، وقادة "الجيش" الإسرائيلي، بأنهم حققوا إنجازاً كبيراً فجر الأحد 25 آب/أغسطس الماضي، بإحباطهم هجوماً كبيراً لحزب الله، لم يلقَ آذاناً صاغيةً لدى العديد من السياسيين، والخبراء، ورؤساء السلطات المحلية في الشمال، وسكان الشمال، الذين شنّوا هجمةً مضادةً ضد الرواية الإسرائيلية، وقالوا إن النتيجة هي أنهم "عادوا إلى نقطة الصفر" في الشمال، من دون أن تُحلّ مشاكلهم. 

رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، يائير لابيد، اتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها عاجزة عن جلب الأمن لسكان الشمال وإعادتهم إلى منازلهم؛ فيما رأى رئيس شعبة العمليات في "الجيش" الإسرائيلي سابقا، اللواء احتياط إسرائيل زيف، أن حزب الله غير مردوع، وهو حقق انجازاً بشلّ "إسرائيل" على مدى سنة تقريباً في حرب استنزاف. الخبير في شؤون الساحة الشمالية والأمن القومي، العقيد احتياط كوبي ماروم، قال إن الهجوم الذي شنّه "الجيش" الإسرائيلي، فجر الأحد الماضي، لا يُغير الوضع الخطير في الشمال، ولا يخفي الفشل الاستراتيجي الخطير (للحكومة و"الجيش" الإسرائيليين) في إدارة المعركة.

وعلى مستوى رؤساء السلطات المحلية في الشمال، فقد أعلنوا عن مقاطعتهم للحكومة و"الجيش" الإسرائيليين حتى إعادة السكان إلى منازلهم، وتسببوا بإحراج كبير لقائد المنطقة الشمالية في "الجيش" الإسرائيلي، اللواء أوري غوردين، عندما قاطعوا، بمعظمهم، جلسة إحاطة أمنية عقدها رؤساء السلطات المحلية في خط المواجهة في الشمال، ومن حضر منهم الجلسة، وجه انتقادات قاسية للجيش وللحكومة الإسرائيليين. 

وانتقد أيضاً عدد كبير من المحللين والمعلقين الإسرائيليين "تقاعص" الحكومة الإسرائيلية عن حلّ مشكلة سكان شمال "إسرائيل"، المستمرة منذ أكثر من 10 أشهر، فيما "إسرائيل" غارقة في مستنقع استراتيجي لن تستطيع الخروج منه إلا بشروط أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، وإيقاف الحرب في قطاع غزة. 

الحكومة الإسرائيلية مذعورة وليس لديها إجابات لسكان الشمال

على الصعيد السياسي، برز كلام لرئيس المعارضة، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، يائير لابيد، قاله من المستوطنات الشمالية، بحسب موقع سيروغيم الإسرائيلي، ضمنه انتقادات لاذعة للحكومة، فرأى أن الشمال مهجور، وآلاف الطلاب وأولياء أمورهم لا يعرفون كيف سيبدأ العام الدراسي القادم، مضيفاً بأن "الحكومة التي أخلت الشمال مذعورة، وهي لا تعرف كيف تعطي إجابات لمواطني "إسرائيل". نحتاج إلى إعادة السكان إلى الشمال ونحتاج إلى إعادة الأمن إلى الشمال، وهذه الحكومة لا تعرف كيف تفعل ذلك".

أما لجهة الخبراء، برز كلام للخبير في شؤون الساحة الشمالية، العقيد احتياط كوبي ماروم، قاله خلال مقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية، أشار فيه إلى أن الهجوم الذي شنه "الجيش" الإسرائيلي، فجر الأحد الماضي، "لا يُغير الوضع الخطير في الشمال المتروك، ولا يخفي الفشل الاستراتيجي الخطير (للحكومة و"الجيش" الإسرائيليين) في إدارة المعركة". ماروم رأى أيضا أن هذا الهجوم لم يؤدي إلى شيئ ملموس: لم يدفع بسكان الشمال قدماً نحو واقع مختلف؛ وعشرات الآلاف من سكان الشمال لم يعودوا الى منازلهم؛ ولم يتم إبعاد حزب الله عن الحدود. وأضاف ماروم بأن حزب الله عدو ذكي مع قدرة تلاعب نفسية مرتفعة جداً.

كما برز كلام لرئيس لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط تامير هايمن (رئيس معهد أبحاث الأمن القومي حاليا)، انتقد فيه رواية "الجيش" الإسرائيلي عن الهجوم "الاستباقي"، وشكك بصحة التقارير عن نية حزب الله لإطلاق 6000 مقذوف نحو "إسرائيل"، وقال إنه لا يوجد شيء اسمه كانت هناك خطة (تتضمن إطلاق 6000 صاروخ على "إسرائيل")، ويكون الرد الإسرائيلي عليها (ضعيفا) مثل الذي حصل، لأن مثل هكذا خطوة، "دلالتها فتح حرب شاملة" ضد حزب الله.  

رئيس شعبة العمليات في "الجيش" الإسرائيلي سابقا، الللواء احتياط إسرائيل زيف، قال في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية: "في النهاية عدنا إلى نقطة التواجد في مكان غير واضح، لأن حزب الله الآن غير مردوع، وهو مستمر في ما كان يقوم به من قبل"، مضيفا بأن "انجاز حزب الله الأهم هو في شل "إسرائيل" على مدى سنة تقريبا في حرب استنزاف مفروضة".

غضب رؤساء السلطات المحلية: قررنا مقاطعة الحكومة (و"الجيش") 

كشف مراسل منطقة الشمال في صحيفة يديعوت أحرونوت، يائير كراوس أن قائد المنطقة الشمالية في "الجيش" الإسرائيلي، اللواء أوري غوردين، تعرّض لإحراج، عندما عقد جلسة إحاطة أمنية لرؤساء السلطات المحلية في خط المواجهة في الشمال، الاثنين الماضي، بسبب عدم حضور أي من رؤساء السلطات التي تم إجلاء سكانها من منازلهم، باستثناء رئيس مجلس المطلة، ديفيد أزولاي، فيما حضر الجلسة 6 رؤساء سلطات لم يتم إخلاؤها.

وعلى الرغم من حضوره الجلسة، وجه ازولاي انتقادات قاسية للحكومة و"الجيش" الإسرائيليين، وقال، كما نقلت عنه منصة إخبارية إسرائيلية : "إنهم يخدعوننا ورئيس الحكومة يتخلى عن سكان الشمال، هذه حرب سلامة تل أبيب، (وليس شمال "إسرائيل")".

وأشار كراوس أيضا إلى أن رئيس منتدى مستوطنات خط المواجهة، موشيه دفيدوفيتش، "قرر خلع قفازاته" وقاطع الجلسة، وأعلن أنه لن يكون مستعدًا بعد الآن للمشاركة في مثل هذه اللقاءات مع قائد المنطقة، لأن "هذا الاجتماع يهدف إلى التهليل لعمليات "الجيش" الإسرائيلي في لبنان، بينما أنا كمواطن وكرئيس السلطة، عندما رأيت ما يحدث، لا أريد المشاركة في هذا الاحتفال". كما قرر دفيدوفيتش مغادرة "مجموعة الواتساب الخاصة برؤساء السلطات وقيادة المنطقة الشمالية، وقال بإحباط: "ليس لدي وقت لمجموعة الكذب هذه"، وفقا لكراوس. ووصف دفيدوفيتش الصور التي خرجت من اللقاء بأنها "صور نصر فارغة المحتوى، ليس لها جدوى"، ففي الواقع السكان ينهارون كل يوم، اجتماعيًا وماليًا وعقليًا. 

ونقل كراوس عن مصدر شارك في الجلسة قوله إن رؤساء السلطات الذي حضروا الجلسة لديهم انتقادات حادة وخيبة أمل من الواقع الأمني في الشمال، حيث أصبح إطلاق النار باتجاه الشمال "عاديًا وروتينيًا". وبحسب المصدر، كل ما حصل في الجلسة هو عرض لإنجازات "الجيش"، في حين أنه "كان هناك مصور يلتقط الصور إلى ما لا نهاية". 

رئيس بلدية كريات شمونة، أفيحاي شتيرن، قال في مقابلة مع قناة كان الإسرائيلية، إن المهمة لا تُنجز إلا عندما يعود سكان الشمال إلى منازلهم، وحالياً لا يمكن الحديث عن أي إنجاز، فيما سكان الشمال لا يزالون مهجرين وموزعين على 526 منطقة و315 فندق في أرجاء "إسرائيل". وبدوره، انتقد رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى، غيورا زالتس، الحكومة الإسرائيلية، ودعاها لأنت تقرر ما إذا الشمال جزءا منها أم لا"، بعد أن فقدت فعليا أجزاء منه.

وسبق هذه "الانتفاضة" الصغيرة من قبل رؤساء السلطات المحلية،  إعلان عدد من رؤساء السلطات في الشمال، بحسب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشع، "توقفهم عن التواصل مع كافة الجهات في الحكومة، إلى حين التوصل إلى حل كامل لسكان الشمال، يتضمن الأمن الكامل لإعادة الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم".

"إسرائيل" غارقة في مستنقع استراتيجي لن تستطيع الخروج منه إلا بشروط نصر الله

انتقد عدد كبير من المحللين والمعلقين الإسرائيليين "تقاعص" الحكومة الإسرائيلية عن حل مشكلة سكان شمال "إسرائيل"، المستمرة منذ أكثر من 10 أشهر، ترك خلالها الكثير منهم منازله، فيما يعيش من بقي منهم في مستوطنات الشمال حياةً صعبةً وخطيرةً. وفي هذا السياق، قال محلل الشؤون السياسية والدولية في صحيفة يديعوت أحرونوت، نداف إيال، إنه بعد "الأحد"، عاد مستوطنو الشمال إلى نقطة الصفر، ولم تُحل أي من مشاكلهم، حيث تحول شريط كامل من الأرض (والمستوطنات) في "إسرائيل" إلى منطقة حرب مهجورة، وتزداد خراباً، ولم تُحل أيضا مشكلة العام الدراسي.

مراسل منطقة الشمال في الصحيفة ذاتها، يائير كراوس، قال إن "الهجوم" الذي نفذه "الجيش" الإسرائيلي، الأحد، في جنوب لبنان أثبت مرةً جديدةً أنّهم في "إسرائيل"(حكومةً وجيشاً) تخلّوا عن الشمال، فالسكان في الشمال اعتقدوا أن قوات "الجيش" الإسرائيلي ستعبر إلى ما وراء الحدود لإكمال المهمة بعدما يقرب من عام من العيش كالبط في حقل رماية، لكن تبين لهم أن كل شيء كان مسرحية، وأنهم (سكان الشمال) استخدموا كبيادق في يد الحكومة و"الجيش" ضد حزب الله. 

كراوس رأى أن أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، "وضع مرةً جديدةً قواعد اللعبة، وأعلن أنه قرر وقف النار والاكتفاء بإطلاق أكثر من 320 قذيفة صاروخية وطائرة مسيرة". وأشار كراوس إلى أنهم في الشمال، لا ينتشون من التقارير عن الأضرار في لبنان؛ لأن ما يهمهم هو الإصابات في المستوطنات عند الحدود الشمالية التي ستواصل تلقّي النيران كالمعتاد، بعد أن ثبت مجدداً أن دماء سكان الشمال أقل حمرة (من سكان أبيب والوسط). وأضاف كراوس أن منطقة الشمال تستمر بالنزيف، فسكانها يرحلون. وفي سياق ذي صلة، قال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، إن سكان الشمال يستحقون أجوبة تتعلق بموعد إعادتهم إلى بيوتهم، وكيفية تحقيق ذلك، داعياً "إسرائيل لأن تسترد الردع الذي فقدته".

وانتقدت نائبة رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، نوعا لنداو، الاحتفالات والغطرسة في "إسرائيل" بعد هجوم الأحد، حيث ظهرت إدعاءات بأن حزب الله  "انكفأ"، في حين أنه في الواقع لا يزال يهدد الشمال المُفرغ من سكانه، تماماً كما كان الحال قبل الهجوم، وهذه حقيقة أكدت بشكل كبير مدى عدم قدرة "إسرائيل" على إزالة التهديد المستمر في الشمال. وأضافت لانداو أن "إسرائيل" غارقة في مستنقع استراتيجي، لن تستطيع الخروج منه إلا بصفقة دبلوماسية شاملة لإعادة المخطوفين ووقف الحرب في قطاع غزة (وفقا لشروط السيد نصر الله). 

اقرأ أيضاً: ما هي الوحدة 8200 الإسرائيلية؟ وكيف يدلل استهداف حزب الله لها على تعاظم قدراته؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.