كيف تفاعل المستوطنون مع مشكلة النقص في القوى البشرية لدى جيش الاحتلال؟

الأزمة المتصاعدة في نقص القوى البشرية في "الجيش" الإسرائيلي تكشف اهتزاز العقد الاجتماعي، وغضباً شعبياً من الحكومة و"الجيش"، وانقساماً حاداً بشأن مستقبل "جيش الشعب".

  • متظاهرون إسرائيليون من أمام منزل الرئيس إسحاق هرتسوغ في
    متظاهرون إسرائيليون من أمام منزل الرئيس إسحاق هرتسوغ في "تل أبيب"، عقب طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العفو الرئاسي (أ ف ب)

أظهر تفاعل الجمهور في "إسرائيل" مع التقارير التي تتحدّث عن أزمة النقص في القوى البشرية في "الجيش" الإسرائيلي صورة مجتمع يعيش حالة قلق متراكم، ليس فقط بسبب الأرقام الجافة عن طلبات الاستقالة من الخدمة الدائمة، بل أيضاً نتيجة الإحساس بأنّ العقد غير المكتوب بين الكيان ومستوطنيه يزداد اهتزازاً.

ففي قلب هذا التفاعل تتكرر فكرة أنّ من يُطلب منهم أن يواصلوا القتال لسنتين وأكثر، من دون حسم أو رؤية واضحة للنهاية، يجدون أنفسهم في واقع لا يشبه رواية النصر والانتصار التي يسوّقها لهم المستوى السياسي، ويختصر شعوراً عميقاً بعدم الجدوى: لا انتصار مطلقاً وحاسماً، لا تسوية سياسية، لا مشروع إعادة إعمار، ولا حتى أفق "لاس فيغاس" في غزّة التي بُشّر بها سابقاً، كما يسخر بعض المعلّقين.

جزء واسع من الجمهور يربط مباشرة بين أزمة الكادر العسكري وسياسات الحكومة الحالية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو. وتتكرّر في التعليقات صياغات مثل: "بيبي مخرّب إسرائيل"، "حكومة خراب البيت الثالث"، "بيبي المسؤول عن التدمير الذاتي لمشروع الدولة الصهيونية".

  • من منشورات الجمهور الإسرائيلي مع
    من منشورات المستوطنين حول مشكلة النقص في القوى البشرية لدى "الجيش"

ويأتي ذلك في إشارة إلى شعور بأنّ الأزمة ليست مجرد مسألة رواتب أو تنظيم داخلي، بل نتيجة مسار سياسي كامل قائم على الفساد، والشقاق الداخلي، وتغليب بقاء السلطة على حساب "مصلحة الدولة والجيش".

وفي هذا السياق، يبرز اتهام حاد للحكومة بأنها تفضّل إرضاء الحلفاء من اليهود المتشدّدين "الحريديم" عبر "قانون التهرب من الخدمة"، الذي يمنح الإعفاء من الخدمة العسكرية لمجتمع كامل، بينما يُترك العلمانيون ليدفعوا ثمن حرب طويلة ومكلفة، بالدم وبالاستنزاف الاقتصادي والنفسي في آن واحد.

  • من منشورات الجمهور الإسرائيلي مع
    من منشورات المستوطنين حول مشكلة النقص في القوى البشرية لدى "الجيش"

أزمة الثقة تعصف بـ"الجيش": غضب داخلي واستنزاف متصاعد

الشق الآخر من الغضب موجّه إلى داخل المؤسسة العسكرية نفسها: إلى قيادة "جيش" يُنظَر إليها على أنها لم تدفع ثمن الإخفاقات التي قادت إلى أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر "طوفان الأقصى"، وتواصل طلب المزيد والمزيد من الضباط والجنود من دون مراجعة حقيقية أو محاسبة.

بالتوازي، تتهم تعليقات أخرى الطبقة السياسية بأنها شيطنت لسنوات امتيازات الخدمة الدائمة، وضغطت لتقليص الرواتب وتحسين شروط التسريح، ثم تتفاجأ اليوم من موجة الاستقالات، تماماً كقصّة الحصان الذي قصّر صاحبه كمية طعامه خطوة بعد أخرى إلى أن مات، على حدّ تعبير أحدهم.

  • من منشورات الجمهور الإسرائيلي مع
    من منشورات المستوطنين حول مشكلة النقص في القوى البشرية لدى "الجيش"

في المقابل، لا تغيب الأصوات التي تحاول التقليل من شأن الأرقام أو اتهام الإعلام واليسار بشن "حملة دعائية ممولة" تهدف إلى ضرب الثقة بـ"الجيش" وتشجيع الاستقالات، أو تلك التي تكرر رواية أنّ الأزمة موجودة منذ سنوات وأنّه لا جديد تحت الشمس.

لكن المحصّلة العامة للتفاعل تكشف أنّ الخطاب المهيمن هو خطاب أزمة عميقة: "جيش يُستنزف بشرياً في حرب طويلة غير محسومة، وحكومة متهمة بتفكيك أسس (جيش الشعب) عبر إعفاءات واسعة للحريديم وتفضيل اعتبارات البقاء السياسي، ومجتمع منقسم بشدّة بين من يرى في الاستقالات صرخة تحذير أخيرة قبل الانهيار، ومن يواصل الاتكاء على الإيمان الديني أو الخطاب القومي لمحاولة طمس عمق الشرخ القائم".

  • من منشورات الجمهور الإسرائيلي مع
    من منشورات المستوطنين حول مشكلة النقص في القوى البشرية لدى "الجيش"

هذه الصورة المركّبة، كما تعكسها التعليقات الإسرائيلية، تجعل من موضوع النقص في القوى البشرية في "الجيش" أكثر من أزمة تنظيمية: إنّه مؤشر إضافي يمسّ جوهر العقد الاجتماعي الذي قام عليه "الجيش" والمجتمع في "إسرائيل" منذ قيام "الدولة".

اقرأ أيضاً: "الجيش" الإسرائيلي والنزف البشري: تآكلٌ في التشكيل النظامي وإنهاكٌ في الاحتياطي

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك